إيران في ورطة؛ سواء ضبطت نفسها، أم أعلنت الحرب
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- هجوم "البيجر" هذا الأسبوع على حزب الله، وبعده تفجير أجهزة اتصالات أُخرى، يمكن أن يدخل في باب "الضربات الاستهلالية" في الحروب. هذه الضربة تشبه العملية التي نفّذتها إسرائيل لتدمير منصات إطلاق الصواريخ البعيدة المدى، التي حملت اسم "الثقل النوعي"، في بداية حرب لبنان الثانية [تموز/يوليو 2006]، وعملية "موكيد" لتدمير سلاح الجو المصري على الأرض لدى نشوب حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967].
- الهدف الأساسي من الضربة الاستهلالية إحداث تأثير "صدمة ورعب" في وسط العدو. وتوجيه ضربة كبيرة إلى قدراته، قبل أن يستخدمها. الفارق بين ما حدث الآن وبين ما حدث في الماضي أن عملية "من تحت الحزام"، التي ينسبها العالم كله وحزب الله إلى إسرائيل، لم تترافق مع هجوم برّي، أو هجوم جوي كثيف. وهي مستقلة بحد ذاتها.
- ومع ذلك، يمكن أن نرى فيها خطوة يمكن أن تؤدي، باحتمال ليس ضئيلاً، إلى حرب شاملة مع حزب الله، وفي وقت قريب جداً.
- بافتراض أن إسرائيل هي التي نفّذت الهجوم، من المهم أن نتذكرالسياق الذي جاء فيه هذا الهجوم، أي بعد أن اتخذت إسرائيل قراراً رسمياً بشأن نقل مركز الثقل والجهد العسكري من قطاع غزة إلى الساحة الشمالية، لأول مرة منذ 7 أكتوبر.
- وحتى الكلام الذي قاله وزير الدفاع بشأن نقل مركز الثقل إلى الشمال قبل عشرة أيام، وقرار "الكابينيت" إضافة هدف "إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان" إلى أهداف الحرب، كانت جبهة الشمال ثانوية في القتال في غزة. وكان الهدف الذي وُضع للجيش "الدفاع الهجومي" فقط في الساحة الشمالية.
- ... حتى هذا الأسبوع، كانت إيران المستفيدة الأكبر من الواقع الوهمي الناشىء في الشمال، ومن "تعادُل الرعب" الذي أنشأه نصر الله وحزب الله في مواجهة إسرائيل، لأنها لم تدفع، تقريباً، ثمناً مباشراً لـ "حلقة النار" التي أحاطت بها إسرائيل، والواقع غير المحمول الذي أوجدته عندنا. أكدت الخطوات الأخيرة أن إسرائيل مصرّة هذه المرة على قطع الارتباط بين الوضع في غزة وبين الوضع في الشمال، على الرغم من الثمن الذي يمكن أن تدفعه الجبهة الداخلية جرّاء الدخول في حرب شاملة وعميقة مع حزب الله. من هنا، لم يعد سيناريو تبادُل الضربات بين إسرائيل وحزب الله، من دون الوصول إلى حرب شاملة، مطروحاً الآن.
- بقي احتمالان: الأول، أن تجد إيران وحزب الله سلّماً يمكنهما بواسطته النزول عن الشجرة التي صعدا إليها، وأن تتوقف هجمات الحزب باتفاق سياسي (العودة إلى تطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن لدى انتهاء حرب لبنان الثانية، هي أحد هذه الاحتمالات). أمّا الاحتمال الآخر فهو الانزلاق السريع نحو حرب شاملة، حاول الطرفان تجنُّبها حتى الآن. في نهاية هذا الأسبوع، يبدو احتمال نشوب حرب لبنان الثالثة ملموساً، أكثر من "التسوية"، لكن التطورات سريعة التغيّر، ويمكن أن تتبدل في أيّ لحظة. وفي جميع الأحوال، انتهى عهد الستاتيكو.
- في حال التدهور السريع إلى حرب، ستكون إسرائيل بحاجة إلى اتخاذ قرار استراتيجي، بشأن ما إذا كانت ستواصل مهاجمة حزب الله فقط، أم ستدفّع رموزاً وأرصدة في الدولة اللبنانية كلها الثمن، مثل محطات توليد الطاقة، والمرافىء والجسور في كل لبنان. ومن المعروف أنه يوجد انقسام في الآراء في هذا الشأن في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي.
- في جميع الأحوال، من المهم ألّا نصاب بالنشوة بعد عملية "تحت الحزام" والاعتراف بهذا الواقع: لا يزال لدى حزب الله والمحور الإيراني قدرات غير مسبوقة لضرب إسرائيل، والمنظومات الدفاعية الإسرائيلية لا تؤمّن دفاعاً شاملاً. والثمن الذي ستدفعه الجبهة الداخلية قد يكون باهظاً. في إمكان حزب الله إلحاق ضرر شديد بالجيش بواسطة المسيّرات والصواريخ البعيدة المدى والدقيقة ووسائل فتاكة أُخرى...
- فيما يتعلق بإيران نفسها، فإنها الآن في داخل "بئر استراتيجي". فهي لم تردّ بعد على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، الذي جرى في قلب طهران، والقيادة الجديدة لا تزال حديثة في منصبها، بعد وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي جرّاء سقوط مروحية كانت تقلّه، والتفاصيل المنشورة المتعلقة بظروف الحادثة تُظهر، أكثر فأكثر، أنها لم تكن حادثة بريئة.
- يُعتبر الرئيس الجديد المنتخب مسعود بزشكيان إصلاحياً، ولو سمح له الواقع، لأبدى انفتاحاً على تجديد المساعي للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الدول الكبرى، يسمح لإيران بالوصول إلى مسافة قصيرة جداً من "قنبلتها الأولى" لا أكثر. لكن الواقع ليس في مصلحة إيران. وهي تتلقى الضربة تلو الأُخرى. وتقف الآن أمام احتمالين: ضبط النفس، أو الرد والمخاطرة بحرب شاملة وتقويض استقرار نظام الملالي.
- من حُسن حظ بزشكيان أن المرشد الأعلى للثورة علي الخامنئي (85 عاماً) هو الذي يقرر في إيران فعلاً. وعلى الرغم من كل إنجازات الاستخبارات الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، فإن لا أحد يمكنه أن يعرف ما يفكر فيه الخامنئي، والقرارات التي سيتخذها ستؤثر كثيراً فيما يجري عندنا.
- من الناحية الإسرائيلية، الأزمات كثيرة، وكل الاحتمالات لا تبعث على التفاؤل. ويؤكد استمرار تكبُّد الخسائر في القتال في غزة أن إسرائيل لا تزال في نقطة تبدو فيها الخسائر اليومية للقتال هناك أكبر من أيّ إنجاز تكتيكي. التهديد الأصعب للقوات في هذه الساحة هو تفخيخ آلاف المنازل، مثل المنزل الذي انفجر هذا الأسبوع وأدى إلى مقتل 3 مقاتلين من لواء غولاني ومسعفة طبية في حيّ "تل السلطان" في رفح.
- من المعروف أن بناء الجيش الإسرائيلي مُعد لخوض حروب قصيرة، وهو يسير على "الحافة" منذ فترة طويلة. ومن الواضح أن الجيش لا يمكنه الاستمرار في القتال من دون التزود بالسلاح من الولايات المتحدة، ومن دول حليفة أُخرى. ومن الواضح أن إسرائيل غير قادرة على خوض حرب ضد حزب الله يمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية تشمل إيران، من دون دعم الولايات المتحدة. وهذا هو الاعتبار الذي يأخذه صنّاع القرار في حساباتهم، وتجري مناقشته على أعلى المستويات بين إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من الغضب الأميركي على بعض الوزراء الإسرائيليين، وعدم رضا واشنطن عن احتمال إقالة وزير الدفاع غالانت وتعيين جدعون ساعر مكانه.
- ... في الختام، نقطة مضيئة: تترافق عملية "تحت الحزام" التحذيرية مع عملية غير مسبوقة تستهدف الوعي، هدفها زيادة الإرباك لدى الطرف الآخر الذي تعرّض للهجوم واستعادة إسرائيل جزءاً من الردع والهيبة في نظر الدول العربية المعتدلة والعالم كله، وطبعاً استرجاع الكرامة الوطنية، على أمل تغيير الواقع من جذوره.