حرب من أجل سلام الجليل، وليس حرب لبنان الثالثة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • بعد الضربات المؤلمة والجدية التي تلقّاها حزب الله الأسبوع الماضي، كان يتوجب عليه أن يرد، وقد جاء هذا الرد على شكل توسيع نطاق إطلاق النار، وضرب أهداف في منطقة حيفا ومرج بني عامر. وصرح الحزب أن ما جرى هو رد أولي على هجوم البيجر وأجهزة الاتصال، ويبدو أنه يحاول المحافظة على نظرية المعادلات: استهداف أهداف عسكرية - أمنية (قاعدة رامات دافيد ومصنع أمني في الكريوت)، لكنه في الوقت ذاته كان يحافظ على عدم الانجرار إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، الأمر الذي يبدو أنه غير معني به في هذه المرحلة. هل لا تزال معادلة بيروت - تل أبيب صالحة؟ ستحمل الأيام القادمة الإجابة، وهناك كثير من الأمور تتعلق بالاستراتيجيا الإسرائيلية.
  • هذا التصعيد يستوجب من الحكومة أن تنظر نظرة واسعة إلى لبنان، تتضمن عدة أبعاد أساسية لوضعنا في ساحة الحرب، وساحات أُخرى:
  1. يبدو أن إمكان التوصل إلى صفقة شاملة تعيد الرهائن من غزة، وتضمن أن حزب الله سيبقى شمال نهر الليطاني، لم تعد ممكنة الآن. والسنوار لم يكن يريد هذه الصفقة قبل التصعيد الحالي، وطبعاً لم يكن مستعداً للتنازلات بعدها، في الوقت الذي يتطلع فيه إلى حرب متعددة الجبهات، وهو الحلم الذي لم ينجح في تحقيقه في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وعلى الرغم من ذلك، فإن أجهزة الأمن تعتقد أنه لا يزال من الممكن إيصال رسالة إلى السنوار، فحواها أنه لا يوجد إمكان لحرب إقليمية. ويجب أيضاً التذكير بالتزام إسرائيل الأخلاقي، في الدرجة الأولى، القيام بكل الجهود اللازمة الدبلوماسية والعسكرية من أجل استعادة المخطوفين من غزة.
  2. توجد درجة وسط واسعة جداً بين حرب الاستنزاف التي تدور منذ 11 شهراً ماضية، وبين الحرب الشاملة في مقابل حزب الله؛ فنصر الله ليس السنوار، وهو يتخوف من الإسقاطات الهدامة لحرب كهذه على لبنان عموماً، وبصورة خاصة على المجتمع الشيعي في الضاحية وجنوب لبنان، كما أنه يفهم أيضاً أن الحرب في الشمال هي حرب تجهَّز لها الجيش جيداً خلال الأعوام الماضية، ولذلك، فهو يشير بوضوح إلى أنه يفضل الامتناع من هذه المواجهة الشاملة الآن.
  3. يبدو أنه بالنسبة إلى إيران أيضاً، فإن سيناريو الحرب الشاملة ليس مرغوباً فيه؛ فالإيرانيون قلقون بشأن قدرتهم المحدودة على إلحاق الضرر بإسرائيل، وهو ما بدى واضحاً في الهجوم ليلة 13 نيسان/أبريل. هذا بالإضافة إلى وجود الولايات المتحدة عسكرياً في المنطقة، ووقوفها إلى جانب إسرائيل - حتى لو كانت مترددة بعض الشيء - وهو ما يعزز التخوف الإيراني من الانجرار إلى الحرب التي ستضر بإيران نفسها، وأصولها المركزية التي بنتها خلال السنوات الماضية - حزب الله.
  4. إسرائيل لم تُعلم الولايات المتحدة بخطتها العسكرية، وتعمل في لبنان على الرغم من امتعاض الإدارة التي تتخوف من حرب في الشرق الأوسط من شأنها أن تضر بإمكانات انتصار هاريس في تشرين الثاني/نوفمبر. وعلى الرغم من ذلك، فالأميركيون أيضاً يفهمون أن إسرائيل هي دولة سيادية، ومن المهم بالنسبة إليها أن تعمل ضد حزب الله الذي يهاجمها منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر من دون أي استفزاز. وهذا استنتاج جيد لمن يدّعون أن إسرائيل لا تستطيع العودة والعمل في غزة أو استعادة المواقع الاستراتيجية (كمعبر رفح ومحور فيلادلفيا) بسبب الضغط الأميركي والدولي الثقيل.
  5. استهدف حزب الله أهدافاً عسكرية، وأصاب مدنيين. وهذه الحقيقة تمنح إسرائيل الحق في إلحاق الضرر بأهداف عسكرية للحزب يقيمها بصورة ممنهجة في مناطق مأهولة، كبنى التصنيع والتخزين للصواريخ الدقيقة الخاصة به.
  6. منظومة العمليات والتنسيق الخاصة بنصر الله تلقت ضربة صعبة، وبقي وحيداً بكل ما يخص قدرته على الاستشارة مع الضباط الكبار وأصحاب الخبرة في الحزب، إذ تم اغتيال أبرزهم. وعلى الرغم من ذلك، فلدى حزب الله القدرة على الرد بصورة فاعلة، والاستمرار في إطلاق الصواريخ والقذائف والمسيّرات ضد إسرائيل، حتى لو تم إصابة قدرته على الرد بصورة فاعلة للخطوات الإسرائيلية السريعة والقوية. عملياً، إسرائيل قامت بتنفيذ عمليات يمكن استعمالها كضربة استباقية للحرب، ويجب ضمان أن تحقق هذه العمليات النتيجة الاستراتيجية المطلوبة، إمّا كعمليات بحد ذاتها، وإمّا كنقطة افتتاح لحرب واسعة أكثر.

أهداف المعركة في الشمال

  • يجب تفصيل هدف حكومة إسرائيل إلى 3 أمور:
  1. فصل العلاقة التي بناها نصر الله بين لبنان وغزة؛ أي وقف الضربات من طرف حزب الله ضد إسرائيل من دون علاقة ذلك بعمليات الجيش في غزة. والحديث هنا يدور بشأن إنجاز ضروري للسنوات المقبلة، وذلك لأنه من المتوقع أن تعود إسرائيل إلى العمل في غزة لسنوات، لذلك، فإنه من الممنوع قبول واقع تكون فيه كل حملة إسرائيلية في غزة مترافقة مع صواريخ على بلدات الشمال.
  2. إلحاق الضرر بالمنظومات الاستراتيجية لحزب الله؛ فعلى إسرائيل أن تعمق الضرر اللاحق بالحزب وقدراته. وحتى الآن، فقد عملت إسرائيل أساساً من أجل إلحاق الضرر بقوة الرضوان، وبالصواريخ للمدى المتوسط والمسيّرات. وفي الأيام القريبة، يجب على إسرائيل أن تلحق الضرر بالأمور الغالية على نصر الله؛ مشروع الصواريخ الدقيقة الذي يهدف إلى تهديد الأرصدة الاستراتيجية لإسرائيل. هذا بالإضافة إلى أنه من المفضل لإسرائيل أن تناقش من اليوم السؤال بشأن ما إذا حان الوقت لاغتيال نصر الله من أجل إصابة الحزب إصابة حرجة، واستغلال الاشتباك لتدفيع حزب الله وإيران ثمناً دراماتيكياً.
  3. القيام بتغيير في الواقع الأمني ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر. بعض الادّعاءات الداعمة للحرب الشاملة مع حزب الله تستند إلى افتراض أن إسرائيل ستعود إلى السياسة غير الفاعلة بعد الحرب، لذلك يجب القول إنه بغض النظر عما سيكون عمق الإنجاز العسكري في لبنان، فإنه سيتوجب على إسرائيل أن تغير سياساتها، حتى بعد وقف إطلاق النار. ومعنى ذلك أنه بغض النظر عما إذا كانت هناك تفاهمات بشأن الحدود تضمن وجود مساحة داخل الأراضي اللبنانية لا تدخلها قوات حزب الله، أو كانت هناك تفاهمات فقط مع دولة لبنان، فمن المهم المحافظة على شرعية لعمل الجيش ضد كل اختراق من طرف حزب الله، وهذا من دون الانجرار في كل مرة إلى تصعيد واسع، ومحاولة إشعال معركة مستمرة كما يحدث في سورية، تكون مرتكزة إلى تغيير ميزان الردع.
  • يجب على إسرائيل أن تضيف هدفاً آخر: استغلال الإنجازات في الشمال للوصول إلى صفقة تبادل، كما يجب عليها أن تسعى لأن تكون إنجازاتها السريعة في لبنان عاملاً مساعداً لوقف المعركة في الجنوب بعد أن يفهم السنوار أن الحرب المتعددة الجبهات التي ستؤدي إلى إبادة إسرائيل لن تحدث. وفي هذه اللحظة، فمن المهم أن تطرح الولايات المتحدة على الطاولة خطة محدّثة لصفقة ما، وأن توافق عليها إسرائيل.
  • وبعكس الجنوب، حيث الهدف هو تفكيك "حماس" كتنظيم عسكري وسلطة حاكمة وإعادة الرهائن، فإن الهدف في الشمال أكثر تواضعاً؛ إعادة الأمان إلى سكان الشمال، وتغيير قواعد اللعبة. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يجب على إسرائيل أن تستغل المنطقة الوسطية الموجودة في سياسة التصعيد المتدرج؛ ضربات متبادلة ومتصاعدة ضد مراكز قوة حزب الله، من أجل إثبات أن إسرائيل جاهزة للتصعيد طالما حزب الله يربط نفسه بغزة.
  • ومن المهم القيام بهذه الخطوات بالتدريج، وذلك للسماح لنصر الله في كل لحظة بأن يقرر التوقف والامتناع من دخول حرب واسعة، حتى لو كان لا يريدها. وعلى الرغم من ذلك، فمن المهم التوضيح أن إسرائيل جاهزة لحرب، وتلحق الضرر بتجهيزات حزب الله، وهذه رسالة مهمة ليس فقط لنصر الله، بل أيضاً لإيران والولايات المتحدة والمجتمع الدولي برمّته. نحن نريد أن نحقق السلام للجليل، وليس أن نشعل حرباً ثالثة مع لبنان، لكن علينا أن نكون جاهزين لحرب كهذه إذا صمم حزب الله وإيران على منع سلام الجليل، وفي الوقت نفسه لبنان أيضاً.