الحرب في الشمال: وقت اتخاذ القرارات الصعبة والشجاعة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- نشهد خلال هذا الأسبوع تغييراً دراماتيكياً في الساحة الشمالية لإسرائيل؛ فالدولة تتبنّى سياسة مبادِرة وهجومية، وتخترق قواعد اللعبة التقليدية لحرب الاستنزاف، وبذلك، تنجح إلى حد ما في ترميم قوة الردع الخاصة بها أمام حزب الله والمنطقة برمّتها. وهذه الخطوة تشكّل نقطة تحوّل مهمة في الاستراتيجيا الإسرائيلية، وتطرح أسئلة ضرورية بشأن استمرار القتال وإسقاطاته الإقليمية.
- وحزب الله من طرفه يتواجد الآن في المرحلة الأكثر تحدياً منذ إقامته؛ فالهجوم الذي يُنسب إلى إسرائيل ضد منظومات التواصل للتنظيم وجه ضربة قاسية إلى الهيكلية القيادية الخاصة به، كما قُتل مسؤولون كبار، وأصيب آخرون، وتم إخراجهم عن الخدمة.
- وتشير القدرات في مجال السايبر والاستخبارات التي برزت خلال هذه العملية إلى بنية ذكية بُنيت على مدار سنوات، ونجحت في إخراج حزب الله من توازنه وترك قائده، حسن نصر الله، من دون طاقم مسؤول كبير دَعَمَه طوال الحرب. وكان هذا هو المثال الواضح على قدرة التكنولوجيا المتطورة والاستخبارات على تغيير ميزان القوى في ساحة المعركة الحديثة.
- وقد شكّل اغتيال إبراهيم عقيل حجراً إضافياً في هذا الضرر الجدّي بالقيادة العسكرية لحزب الله. فعقيل الذي كان معروفاً بأنه قائد الجبهة الجنوبية منذ فترة الحزام الأمني كان هدفاً للاغتيال عند إسرائيل عدة مرات سابقاً، ونجاح عملية الاغتيال الحالية تشير إلى إغلاق دائرة مهمة، إذا أخذنا بعين الاعتبار الدم الكثير الذي سال من جنودنا خلال قيادته.
- وعقب هذه الإنجازات المذهلة، يُطرح السؤال الضروري بشأن الاستراتيجيا الإسرائيلية في الساحة الشمالية؛ كيف يمكن استغلال هذه النجاحات الحالية؟ وما هو الإنجاز العسكري الذي يجب على إسرائيل أن تسعى له في نهاية المعركة؟ وهل الضربة الكبيرة لضباط حزب الله والمسؤولين الكبار يمكن أن تقود نصر الله والإيرانيين إلى وقف النار والاتجاه إلى ترتيبات مع إسرائيل؟ والإجابة عن هذا السؤال في رأيي سلبية.
- على الرغم من الإنجازات والضرر الكبير الذي لحق بالحزب، فإنه يجب الحذر من شعور الاستعلاء والنشوة، فحزب الله لا يزال تنظيماً "إرهابياً" قوياً، ولديه هيكلية قيادية ميدانية قوية، وقدرة كبيرة على تلقّي الضربات. وعلى الرغم من الثمن الكبير الذي دفعه، فإن منظومات إطلاق القذائف الخاصة به ما زالت تعمل، والحزب يطلق مئات القذائف كل يوم على إسرائيل. عملياً، يمكن التقدير أن حزب الله لم يستنفد بعد كل قدراته، وهذا تذكير مهم بأن المعركة لا تزال بعيدة عن النهاية، وأنه يجب الاستمرار في الضغط المستمر والعنيف من أجل الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية.
- إن مصلحة إيران وحزب الله التي كانت ولا تزال كامنة في استمرار حرب الاستنزاف، حتى لو كانت بدرجة أعلى، وفي الوقت نفسه الامتناع من تصعيد لحرب شاملة، يمكن أن تلحق ضرراً كبيراً بقدرات حزب الله الذي لا يزال "جوهرة التاج" في الاستراتيجيا الإيرانية، بعد أن استثمرت مليارات الدولارات خلال الأعوام الـ10 الأخيرة في بناء قدراته الصاروخية وغيرها، من أجل ردع إسرائيل عن ضرب المواقع النووية الإيرانية، وهذا الواقع يزيد في تعقيد الوضع. والحاجة إلى توجه متعدد الأبعاد، لا تتعامل فقط مع التهديد الفوري من جانب حزب الله، بل أيضاً مع الاستراتيجيا الإقليمية الواسعة لإيران.
- وبسبب الأهمية الاستراتيجية لحزب الله في الأمن القومي الإيراني، فإنه سيكون على طهران أن تتخذ قراراً في مرحلة معيّنة، وتقرر؛ هل من الصواب وقف التصعيد للمحافظة على القدرات المذهلة لحزب الله، أم يجب الاستمرار في هذه المواجهة واتخاذ مخاطرة كبيرة؟
توصيات للعملية الإسرائيلية
- لتفعيل ضغط حقيقي ودفع إيران وحزب الله إلى وقف إطلاق النار، وإجراء مفاوضات للترتيبات، يجب على إسرائيل استغلال الفرصة النادرة التي نشأت، وإصابة الهيكلية القيادية للعدو. وبدلاً من الاستمرار في "النار المتدرجة" التي تسمح لحزب الله بالنهوض من جديد، فإن على إسرائيل أن تبادر إلى هجوم قوي وعنيف أكثر كثيراً، ويتضمن:
- القصف الجوي العنيف لمواقع حزب الله في ضاحية بيروت.
- إلحاق الضرر الكبير بالجبهة اللوجستية للحزب في بعلبك.
- استمرار تفعيل القوة لإجلاء المجتمع الشيعي من جنوب لبنان نحو بيروت.
- مناورة برّية واسعة وعنيفة لاحتلال جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، واستعمال ألوية الحسم لدى الجيش.
- هذه الخطوة التي يمكن أن تُستمر لثلاثة أسابيع هي خطوة ضرورية لاستهداف بنى قوة الرضوان في جنوب لبنان، والتي أغلبها تحت الأرض، والهدم المطلق لهذه البنى ضروري لإنهاء المعركة في الشمال وإعادة شعور الأمان إلى سكان الشمال النازحين كي يعودوا إلى المطلة، وزرعيت، وكريات شمونة، ويعلموا أن بنى الرضوان هُدمت حتى النهاية. وإذا لم تستغل إسرائيل هذه الفرصة الاستثنائية، فسيكون هذا خطأ استراتيجياً سنندم عليه طويلاً، وطبعاً، هذا يحتاج إلى قرارات شجاعة.
- وعلى الرغم من القتال لعام كامل في قطاع غزة، فإن الجيش لا يزال جاهزاً للمناورة في لبنان؛ فألوية الحسم التي راكمت خبرة عملياتية كبيرة في غزة، يمكنها تنفيذ المهمة بمهنية وتصميم.
- وهذه الخطوة العنيفة تستوجب التنسيق الكامل مع إدارة بايدن على صعيد الدعم السياسي، وأيضاً التزويد بالسلاح، كما أن الوجود العسكري الجدي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضروري لردع إيران من دخول المعركة، والتعاون معها يمكن أن يساعد أيضاً في صوغ استراتيجيا خروج وجهود دبلوماسية للوصول إلى ترتيبات مستقرة لما بعد الحرب.
- إن القرار بتحويل مركز الثقل إلى الساحة الشمالية، والبدء بسلسلة ضربات ضد حزب الله، وفي الوقت نفسه عدم وجود صفقة تبادل أسرى، وساحة غزة لا تزال مفتوحة، هو خطأ استراتيجي صعب، ويمكن أن يكون في مصلحة إيران ضمن حرب استنزاف في كل الساحات، وتأجيل إمكانات التوصل إلى صفقة في أسابيع.
- وإلى جانب المعركة الكثيفة في الشمال، يتوجب على القيادة الإسرائيلية العودة والتركيز على تجديد المفاوضات لتحرير الرهائن، وهذا ليس فقط تعبيراً عن الالتزام الأخلاقي العميق لهؤلاء الذين تخلت دولة إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر عنهم، بل أيضاً أداة ضغط استراتيجية يمكن أن تؤثر في المعركة في الجبهات المتعددة.
- إن الإنجاز العسكري المطلوب في نهاية المعركة يجب أن يتضمن إلحاق ضرر كبير بمنظومات الصواريخ الدقيقة لحزب الله التي تهدد وسط البلد والمواقع الاستراتيجية، وتدمير كل البنى التابعة لقوة الرضوان والقدرات الصاروخية في جنوب لبنان، والانسحاب الكامل لقوات حزب الله شمالاً إلى ما بعد نهر الليطاني. وإن تحقيق هذه الأهداف، إلى جانب وقف إطلاق النار في الجنوب والشمال، والترتيبات على الحدود الشمالية، سيسمح بإعادة النازحين إلى منازلهم، وببناء محور استراتيجي بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران التي لا تزال التهديد الأكبر على أمن المنطقة.