لا يتعلمون من دروس التاريخ: إذا حدث دخول بري إلى لبنان، فماذا بعد ذلك؟
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- باتت هذه الدينامية معروفة بوجهها السلبي؛ إذ يبدأ الأمر دائماً بسؤال واقعي ظاهرياً، وموضوعي تماماً: "هل علينا الدخول برّياً؟"، وهو السؤال الذي طرحه أرييه غولان في البرنامج الإخباري الصباحي قبل بضعة أيام، ثم عاد وكرره بصورة أكثر وضوحاً. حتى إنه لم يسأل "هل" علينا الدخول برّياً، إنما سأل: "لِمَ لا ندخل برّياً؟" وقد فاجأه سكوت الحاضرين قبل أن يحول سؤاله إلى "متى ندخل برّياً؟"، وكانت مفاجأة عندما قال تسفي سوكوت [عضو كنيست عن حزب الصهيونية الدينية] إنه يمكن إخضاع حزب الله من دون دخول برّي، ولم يفاجئ عوزي دايان [عضو كنيست سابق عن حزب الليكود] أحداً حينما قال إنه من غير الممكن الدخول برّياً، وقال: "لا يمكن أيضاً فرض حزام أمني حتى، إنما علينا فرض تعديلات حدودية." ما الذي ستكون عليه طبيعة هذه التعديلات الحدودية، وإلى أي عمق؟ كيلومتر واحد؟ خمس كيلومترات؟ حتى الليطاني؟ لم يفصّل إجابته، ونقل عن لسان غانتس، الذي كان رئيس هيئة الأركان حينما أغلق بوابة معبر فاطمة في أيار/مايو 2000 بعد انسحاب الجيش، وبعد أن ودعنا الحزام الأمني، وعد بتقديم دعمه للفكرة: "إذا ما كان هذا هو الذي ينبغي فعله." أمّا مناحيم هوروفيتس بالذات، الذي يقطن في كريات شمونة، فهو الذي قال إنه ما من حاجة إلى دخول لبنان، و"يكفي أن ينتشر جنود على الحدود، ليُقحموا رصاصة بين عينَي كل عنصر من عناصر قوة الرضوان يفكر في الاقتراب منها."
- أمس، ارتفع مستوى النقاش؛ فالدكتورة بنينا شوكر، الخبيرة في الأمن القومي والسياسة الخارجية بحسب العنوان المرفق باسمها، قالت إنه على الرغم من عملية تفجير أجهزة الاتصالات وتصفيات القيادات، فإنها تأمل "أن يستعد الجيش الإسرائيلي حالياً لدخول بري." وأضافت: "لا يمكن الاكتفاء بوسائل جوية من أجل مواجهة تهديد القصف المدفعي"، لكن ما دمنا نتحدث عن القصف المدفعي، فمن غير الواضح إلى أي مدى تتوقع أن يدخل الجيش الإسرائيلي. وبعد وقت قصير من تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بشأن تصريحات قائد الجبهة الشمالية، أوري غوردين، الذي قال: "يجب أن نكون مستعدين لدخول المناورة البرية"، قال إيتان دافيدي، رئيس مجلس مستوطنة مرغليوت: "يجب ألاّ يكون هذا التصريح تهديداً، إنما يجب أن يكون وعداً."
- وبهذه الصورة، عبر الانتقال من "هل" إلى "متى"، يتم صوغ الوعي. وهكذا، تتحول الكلمات إلى أفعال، وتتلاشى خبرتنا الطويلة، وتغرق في غياهب النسيان الدروس المستفادة من العمليات "المجيدة"، كـ"عناقيد الغضب" [1996]، و"تصفية الحساب" [تموز/يوليو 1993]، حيث استمر إطلاق الصواريخ نحونا حتى اللحظة الأخيرة. ناهيك بحرب لبنان الثانية، التي جاءت في معرض الحديث عن الدخول البري - والذي نطلق عليه اليوم مناورة - في تقرير لجنة فينوغراد، حيث تكررت كلمة "إخفاق" بمختلف تصريفاتها مرات لا تحصى. إن حرباً، لو كانت قد انتهت بعد خمسة أيام، مقتصرة على العمليات الجوية في الضاحية وضرب الصواريخ البعيدة المدى، لكانت راسخة في الذاكرة الجماعية كنصر، ربما ليس مطلقاً، لكنه كبير.
- إذن، ماذا سيفعلون في المرحلة المقبلة؟ في المناورة التي يتحدث عنها غوردين، هل سيُدخلون ألوية المدرعات والمشاة ووحدات النخبة؟ وهل سيستعيدون مجدنا السابق؟ وهل سيستعيدون بنت جبيل ويدقون علماً فوق أحد أسطح منازلها؟ وما الذي سنحصل عليه؟ 48 ساعة، أو 72 ساعة من النشوة والابتهاج إلى أن يقع جنود لواء جولاني في كمين، وتكتشف إحدى وحدات النخبة أنها تقف على مدخل نفق غير مكتشَف؟
- بعض المتحدثين تحدثوا بجدل عن Boots on the ground [الانتشار العسكري على الأرض]، كما لو كانت هذه العبارة وصفة سحرية، أو خلطة عجيبة ستقود إلى النصر التام، وكأننا لم نضع بساطيرنا على الأرض اللبنانية خلال الخمسين سنة الماضية على الأقل، مقتنعين في كل مرة من جديد بأننا على أعتاب أربعين عاماً من الهدوء والسلام.
- صحيح أننا لم نعد في الموضع نفسه، وأن الحرب اليوم لا تشبه تلك الحروب، سواء من حيث اتساعها، أو من حيث التحدي الكامن فيها، وبصورة أساسية لأنه لم يكن يتوجب علينا استخدام الكثير من القوة لكي نعيد سكان الشمال المهجرين إلى منازلهم، لكن سؤال المناورة البرية، الذي يناقَش اليوم بصفته خياراً معقولاً، نظراً إلى أننا لم نتمكن حتى الآن من الخروج من غزة، وفي اللحظة التي يفعل فيها سلاح الجو العجائب، وفي ضوء الثمن الدموي المرتقب للاجتياح، يظل سؤالاً فظيعاً.
- علاوة على ذلك، نحن لسنا في حاجة إلى التكهن وقراءة النجوم لكي نتنبأ بأن هذه الحرب أيضاً، مهما تكن قاسية وعنيفة، فإنها ستنتهي باتفاق، سواء أقمنا بدق العلم الإسرائيلي في المعقل الجنوبي لحزب الله أم لا.
- في آذار/مارس 2000، وبعد وقت قصير من الانسحاب من لبنان، كتب حاييم غور قائلاً: "في هذه الأرض، يُعد الماضي راهناً وذا صلة دائماً، لأنه يكرر نفسه دائماً، وحينما يفترض المرء أن أمراً ما قد انتهى وانقضى، يعود ذلك الشيء لينتقم منك."