المطروح الآن على المحك: الاستمرار في الضربات الجوية أو مناورة برية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- سنبدأ بالجانب الإيجابي جداً: سواء أجرى التوصل إلى وقف إطلاق النار مع حزب الله أم لم يجرِ، فإن الأسبوعين الأخيرين كانا الأفضل بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وربما الأفضل منذ سنوات عديدة.
- وليس المقصود هنا فقط الضربات الاستباقية المنسوبة إلى إسرائيل، والاغتيالات التي قضت على الدائرة المقربة من حسن نصر الله، بل أيضاً الفائدة الكبيرة للهجمات الواسعة النطاق ضد آلاف الأهداف التي جُمعت بدقة طوال سنوات...
- وفي هذه الأثناء في الضفة الغربية، نجح الجيش والشاباك، على الأقل حتى الآن، في لجم موجة "الإرهاب" بفضل سلسلة من الخطوات الهجومية. وفي قطاع غزة، يبدو أن "حماس" تستغل تحوّل الانتباه إلى الشمال من أجل تعزيز سيطرتها المدنية في المناطق التي جرى فيها تقليص عدد القوات الإسرائيلية.
- والسؤال المطروح الآن هو: هل يجب استغلال الزخم الناتج من النجاحات في لبنان من أجل مواصلة تدمير حزب الله؟ أم يجب الموافقة على اقتراح وقف الهجوم في الشمال لفترة 21 يوماً، الذي على ما يبدو ربما يمدَد؟ يجب أن نتذكر أن حزب الله في حاجة إلى وقت لتضميد جروحه، وإعادة بناء قدراته وطاقم قيادته.
- ومن أجل الإجابة عن هذا التساؤل، يجب طرح سؤالين أساسيَين: الأول؛ هل رممت إسرائيل ردعها بفضل الإنجازات العسكرية والاستخباراتية التي حققها الهجوم الأخير؟ الجواب: نعم. إذا كانت إسرائيل، بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر والهجوم الإيراني على إسرائيل في 14 نيسان/أبريل، ظهرت في ذروة ضعفها، الأمر الذي شجع أي طرف على إطلاق مسيّراته علينا، فإن الوضع الآن مختلف؛ فقد ترمم ردعنا إلى حد كبير عقب العمليات المذهلة، بدءاً من الهجوم على ميناء الحديدة في اليمن، مروراً بالعملية التي قامت بها سييرت ميتكال في مصنع للصواريخ في سورية، المنسوبة إلى إسرائيل، والاختراق غير المسبوق لحزب الله، والهجوم الواسع على عناصره وقدراته.
- من الناحية العسكرية، يُعتبر الردع نتيجة قدرات يملكها طرف معين ومستعد لاستخدامها، فعلى سبيل المثال؛ إذا كانت دولة تملك قوة كبيرة، لكنها ليست مستعدة لاستخدامها في أي سيناريو، فإن ردعها يوازي الصفر، وفي المقابل، فإن الاستعداد الإسرائيلي للذهاب إلى حرب "بكل قوتها" ضد حزب الله، وتخوف الإيرانيين بعد الهجمات المنسوبة إليها في قلب طهران من الرد عليها، أديا إلى تغيير الواقع. فقد تحسن الردع مقارنة بالأيام الصعبة التي سبقت 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما لم تجرؤ إسرائيل على هدم خيمة أقامها حزب الله في الجانب الإسرائيلي من الحدود، أو الرد على "المخرب" الذي فجر عبوة في مجدو، أو الرد على محاولة الهجوم على وزير الدفاع السابق يعالون.
- السؤال الأساسي الآخر هو؛ هل من الممكن الانتصار على حزب الله عسكرياً عبر عملية جوية فقط، ومن دون مناورة برية في عمق الأراضي اللبنانية؟ الجواب هو قطعاً لا، فقليلة هي الحالات في التاريخ التي جرى فيها الحسم بواسطة القوة الجوية فقط. حتى في حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، اضطر الجيش إلى تنفيذ عمليات برية بعد 3 أسابيع من بدء الهجوم الجوي. ومع ذلك، يبدو هذه المرة أن مزج الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي لحزب الله، واغتيال جزء مهم من كبار قادته، الأمر الذي عرقل سلسلة القيادة والتحكم، بالهجمات الجوية الاستثنائية سيدخل كتب التاريخ العسكري العالمي كخطوة جوية - استخباراتية غير مسبوقة في إنجازاتها. لقد حطم الجيش الإسرائيلي أسلوب "المعادلات" الذي تباهى به نصر الله منذ حرب لبنان الثانية.
- هل حزب الله رد بصورة محدودة نسبياً على الضربات التي تلقاها لأنه لا يريد استخدام قوة نارية كبيرة جداً، أم لأن قدراته الحقيقية محدودة؟ الجواب هو نعم للأمرين، وفي الوقت الذي قللنا فيه من قدرة "حماس" طوال سنوات، فإن فحص الضباط الاسترجاعي لقدرات حزب الله أظهر هذا الأسبوع أننا أعطينا ترسانة سلاحه أهمية كبيرة. ومع ذلك، ما زال الحزب يملك قدرات كبيرة جداً.
- وعودةً إلى مسألة "هل حان الوقت لمواصلة الهجوم على حزب الله بوتيرة أكبر؟"؛ لماذا علينا أن نفعل ذلك؟ يبدو أن الحزب يواجه وضعاً صعباً، وهذه فرصة فريدة في نوعها للقضاء، بصورة جذرية، على التهديد الذي نحن في مواجهته. ناهيك بأن سكان الشمال لن يعودوا إلى منازلهم إذا لم تجرِ معالجة حقيقية لقوة الرضوان التي يتجول عناصرها في مواجهة المستوطنات القريبة من الحدود.
- نحن نعلم أن قرار مجلس الأمن رقم 1701 المتخَذ في نهاية حرب لبنان الثانية هو قرار من دون "أسنان"، وفي حال جرى وقف إطلاق النار، فإنها مسألة وقت قبل أن يعود عناصر قوة الرضوان بلباس مدني إلى مواقعهم جنوبي الليطاني. وبالإضافة إلى ذلك، إذا تجدد القتال مستقبلاً، فإن 21 يوماً من وقف إطلاق النار ستسمح لحزب الله بإعادة تنظيم صفوفه من جديد والتعافي وتكبيدنا ثمناً باهظاً.
- لكن بالإضافة إلى ذلك، فإن المصلحة بعدم "هدر" ورقة حزب الله هي مصلحة إيرانية في الدرجة الأولى، فقد بنت إيران هذا الحزب "الإرهابي" اللبناني لتهديد إسرائيل إذا هاجمت منشآتها النووية، وعندما تحصل على القنبلة الأولى، فسيكون من الصعب جداً التعامل مع هذا التهديد. إذن، فمن مصلحتنا معالجة تهديد حزب الله والتهديد الإيراني قبل أن يضع نظام الملالي يده على القنبلة.
- لماذا الآن هو الوقت المناسب لوقف إطلاق النار؟ لأنه في ذروة العملية الهجومية يجب أن نتذكر أن الأمر ليس مضموناً، فحرب لبنان الثانية بدأت هي أيضاً بإنجازات إسرائيلية، إلى أن جرى الهجوم على سفينة سلاح البحر حانيت، وأعقب ذلك سلسلة عمليات انتهت بالتعادل السلبي.
- إن عملية برّية في عمق الأراضي اللبنانية يمكن أن تأخذ القتال من الساحة الجوية – الاستخباراتية، التي نتفوق فيها تفوقاً مطلقاً، إلى الجبال والوديان في جنوب لبنان، وهي المنطقة التي سيواجه فيها الجيش الإسرائيلي آلاف الصواريخ المتطورة والمسيّرات الانتحارية، وهذه ساحة يمكن أن تكون في مصلحة حزب الله. والقتال هناك أصعب كثيراً من المواقع التي يقاتل فيها الجيش الإسرائيلي "حماس" في قطاع غزة، حيث تكبد خسائر كبيرة. كما أن الجيش الإسرائيلي سيصل منهكاً إلى المناورة البرّية في لبنان بعد عام من القتال في الجنوب.
- ... وتعمل إسرائيل على بناء قدرة تسلح مستقلة، وبدأت التخطيط لإنشاء "سلاح صاروخي" كما اقترح أفيغدور ليبرمان عندما كان وزيراً للدفاع سنة 2018، لكن من دون دعم أميركي كامل، فإنها لن تتمكن من الاستمرار في الحرب ضد حزب الله من دون تحديد موعد لنهايتها. لكن لدى الولايات المتحدة أشهراً قليلة قبل الانتخابات الرئاسية، ولديها اعتباراتها، وهي لا تتطابق بالضرورة مع اعتبارات إسرائيل.
- ... هذه هي الاعتبارات التي ستحسم مسألة ما إذا كان هذا هو الوقت الملائم لوقف إطلاق النار، أم لزيادة الضغط العسكري. ولكي يجري حل هذه المسألة التي يجب أن يحسمها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فإننا ننصح بعدم التعامل بجدية مع تصريحات السياسيين المؤيدة أو المعارضة للاتفاق، وأيضاً تصريحات القادة العسكريين بشأن مناورة برّية وشيكة، لأن كل هذه التصريحات هي جزء من الحرب على الوعي. إن المناورة البرّية هي إمكان حقيقي، لكن الحديث عنها هو "سوط" في إطار الضغوطات التي تمارَس على حزب الله. وبالمناسبة، فإن حسن نصر الله يتلقى تعليمات من طهران بضبط النفس.