إسرائيل تدخل مرحلة جديدة في الحرب، تتسم بالاحتكاك مع عناصر حزب الله
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لقد دخلت إسرائيل مرحلة جديدة من القتال قبل أسبوع من حلول الذكرى الأولى لاندلاع الحرب. وقد شرع الجيش أمس (الاثنين) في شن ما وصفه بـ"عملية برّية مركزة" في جنوب لبنان. وسيركز هذا التحرك، في مرحلته الأولى على الأقل، على البنى التحتية التي أنشأها حزب الله قريباً من الجدار الحدودي، تحضيراً منه للهجوم على القرى والقواعد العسكرية الإسرائيلية الحدودية. وبعد سلسلة الضربات التي تلقّاها الحزب على مدار الأسبوعين الماضيَين، من المقبول افتراض أن منسوب النار الذي يمكن له أن يمطر إسرائيل به قد تقلص إلى حد كبير، ومع ذلك، فإن بداية المرحلة البرّية ستترافق مع احتكاك وجهاً لوجه مع عناصر حزب الله الذين ظلوا في جنوب لبنان، ومن شأن هذا أن يؤدي إلى وقوع خسائر في الأرواح.
  • ولا شك في أن الهجوم الإسرائيلي على حزب الله، والذي بلغ ذروته في عملية اغتيال زعيم الحزب حسن نصر الله، سيكون حدثاً مؤسِساً في الشرق الأوسط؛ فقد ضربت إسرائيل بقوة هائلة المقدرات العسكرية للحزب، وأضعفت مكانته الإقليمية، ووضعت علامة استفهام كبرى على استراتيجيا راعيته إيران، وقدرتها العملانية على تحقيق أهدافها الطموحة. بعد هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، افترض زعماء المحور الراديكالي الإقليمي أن الضعف الإسرائيلي يتيح تسريع "برنامج الإبادة" الذي بدأت إيران تحيكه، لكن ها هي الأوضاع تتغير الآن بسرعة، وباتت طهران وأتباعها هم الذين يتخذون موقفاً دفاعياً.
  • على الأرجح لم يتوقع المرشد الأعلى الإيراني علي الخامنئي أنه سيضطر إلى خوض الحرب في سن الـ 85. وهو ليس قلقاً فقط بشأن مصير حلفائه في جميع أنحاء المنطقة، بل أيضاً بشأن مصير برنامج إيران النووي، وربما حتى بشأن استقرار نظامه. وبعد عام من التراخي الإسرائيلي في الجبهة الشمالية، قبضت إسرائيل على زمام المبادرة في المواجهة، وأظهرت قدراتها التكنولوجية والعملياتية المذهلة. ولربما كان أكثر ما يثير قلق الإيرانيين يتعلق بالاختراق الاستخباراتي الذي تكشّف في صفوف حزب الله. ووفقاً لتقارير أُخرى (منها التقرير الذي يتحدث عن اغتيال إسماعيل هنية في طهران)، فقد تغلغل هذا الاختراق في الصف الإيراني أيضاً، وبنظرة إلى الخلف، يتضح أن زعيم "حماس" يحيى السنوار كان محقاً في قراره عدم إشراك إيران وحزب الله في توقيت الهجوم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، فلربما لو كان قد كشف سره للجبهة الشمالية، كان سيوقظ المنظومة الاستخبارية الإسرائيلية من سباتها العميق في القطاع.
  • ولم تتمكن إسرائيل في غزة، على الرغم من نجاحاتها العسكرية الواضحة في مواجهة "حماس"، من تحويل نجاحاتها هذه إلى تغيير استراتيجي طويل الأمد. وقد أوصت المؤسسة الأمنية، منذ فترة طويلة، باتباع ترتيبات جديدة في القطاع بمشاركة دولية، وتشكيل حكم فلسطيني بديل يشمل ممثلين للسلطة الفلسطينية. لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عارض ذلك بشدة، وبعض دوافعه كانت أيديولوجية، لكنه تأثر أيضاً بمعارضة شركائه في الائتلاف من اليمين المتطرف، الذين سعوا لإفشال أي تقدُم نحو صفقة جديدة لتبادل الرهائن. وفي غزة، يتضح بصورة متزايدة أن نتنياهو لا يسعى لنصر كامل كما تفاخر، إنما يريد أن تستمر الحرب بلا نهاية.
  • ويعتمد إنشاء وضع جديد في لبنان على قوة الإنجازات العسكرية الإسرائيلية، لكنه يتطلب أيضاً إطلاق تحركات دبلوماسية بديلة، وهنا تكمن الصعوبة في التعامل مع إدارة بايدن، التي قدمت الدعم إلى معظم الهجمات الإسرائيلية، وسارعت إلى تقديم المساعدات الدفاعية، لكنها غاضبة من تحركات نتنياهو. إن الأميركيين مستاؤون من نتنياهو، لأنه أعاق عمداً جهودهم لوقف إطلاق النار، ولأن إسرائيل تأخرت في تبليغهم بهجماتها، ويقومون الآن بتحذير رئيس الوزراء من إطلاق عملية برّية، ويخشون أن تؤدي إلى تورط طويل في جنوب لبنان، بل أيضاً ربما حتى إلى حرب إقليمية. أمّا نتنياهو، كما اعتاد منذ بداية الحرب، فهو بالكاد يوليهم اهتماماً. والسؤال هنا هو: "متى سيبالغ في الضغط عليهم؟"
  • وينطوي شن عملية برّية في لبنان على مخاطر تتعلق بالخسائر البشرية، والتورط غير المتوقع في السيطرة على الأراضي، وفي عملية أوسع لحماية القوات التي ستدخل وتواجه المقاومة. ومن المفترض أن يكون تدمير مجمعات حزب الله في قرى الجنوب بمثابة جرعة تهدئة لسكان الشمال الذين تم إجلاؤهم على الجانب الإسرائيلي، والذين ربما يترددون في العودة إلى منازلهم، حتى بعد قصف بيروت وسهل البقاع. إن الخطر الملحّ الذي يجب التعامل معه، بالنسبة إلى هؤلاء، يكمن بالضبط وراء الجدار.
  • كتبت حنين غدار، الخبيرة اللبنانية في شؤون حزب الله، والتي تعمل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، هذا الأسبوع أن الإيرانيين سيحتاجون إلى سنوات لإعادة بناء قدرات حزب الله العسكرية، وأشارت إلى أن نصر الله كان همزة الوصل الرئيسية بين الحزب وإيران، وبالنسبة إلى كثير من الشيعة اللبنانيين، كان نصر الله شخصية أبوية حامية ومعيلة، وسيضطر خليفته إلى مواجهة أيام صعبة في التنظيم. وكان حزب الله منشغلاً بتقديم الدعم العسكري واللوجستي إلى الميليشيات الموالية لإيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، أمّا الآن، فسيتعين على فيلق القدس التابع للحرس الثوري أن يتحمل هذا العبء، وسيسعى قادته أيضاً للمساعدة في إعادة بناء قدرات حزب الله في لبنان.
  • وتتوقع غدار أن تواجه إيران مصاعب في قيادة أي هجوم كبير من لبنان ضد إسرائيل، في ظل ما حدث، وترى أن الوضع الحالي سيوفر فرصة للمجتمع الدولي لدعم ظهور قيادة بديلة للشيعة في لبنان وللدولة نفسها. وقد حصل العالم، بحسب رأيها، على فرصة للاستثمار في مستقبل لبنان بما يتجاوز يوم وقف إطلاق النار، ويمكن للولايات المتحدة أن تؤثر في التطورات عبر برنامج مساعداتها للجيش اللبناني، ويمكن لها دعم تشكيل حكومة تمثيلية حقيقية، لا تكون رهينة في قبضة حزب الله.
  • وعلى الرغم من أن إدارة بايدن مشغولة في التحضير للانتخابات الرئاسية، فإن خطورة الوضع في الشرق الأوسط يجب أن تدفعها إلى اتخاذ نهج أكثر نشاطاً، وإظهار موقف أكثر حزماً تجاه إيران وحزب الله. لقد أفاد أمير تيفون في صحيفة "هآرتس" بأن الولايات المتحدة قد حذّرت إيران من أنها إذا حاولت مهاجمة إسرائيل (وهذا سيناريو ممكن نظراً إلى حجم الضربة التي تلقّاها المحور الإيراني)، فإن رد إسرائيل سيكون أكثر قسوة مما كان عليه في منتصف نيسان/أبريل.
  • لكن يتعين على كل من إسرائيل والولايات المتحدة أيضاً أن يأخذا في اعتبارهما ردات فعل إيرانية من نوع آخر، كتجاوز عتبة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90%، وهي خطوة كبيرة وعلنية في إطار مشروع إيران النووي، وقد ترددت طهران في الخطو نحوه حتى الآن. ومع ذلك، تشعر إيران الآن بأنها أقل أماناً من ناحية تنفيذ هجوم على مواقعها النووية، وقد تراجعت قوة حزب الله بصفته "الضربة التالية"، لتتعرض إيران لهجوم، كما أن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية باتت أكثر عرضة للاختراق.
  • وباتت نقاط الضعف الإيرانية واضحة إلى حد كبير، وهذا يمكن أن يشجع التصريحات والتقديرات المؤيدة لضربة إسرائيلية للمواقع النووية، والتي بدأت تُسمع في استوديوهات التلفزيون، وربما تتسرب إلى محيط مستشاري نتنياهو. إن من يدفع في هذا الاتجاه، من دون خطوات إيرانية واضحة نحو تطوير قنبلة، يخاطر بمواجهة مباشرة مع إدارة بايدن وبحرب إقليمية.
  • وإن إحدى الأمور التي تثير القلق في الأسبوع الماضي تتمثل في حالة النشوة التي استحوذت على المحللين والجنرالات المتقاعدين، ويمكن للمرء أن يتفهّم حاجة هؤلاء إلى الاحتفاء، بعد كل ما مررنا به من رعب في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن من الأفضل لهم ألاّ يقعوا في فخ التوهم بقيام إمبراطورية إسرائيلية كلّية القوة تملي شروطها على الشرق الأوسط بأسره. ومن الأفضل التركيز على تحسين الواقع في جنوب لبنان بما يتيح عودة سكان حدود الشمال إلى منازلهم، وفي الوقت نفسه، عدم نسيان الرهائن في غزة، الذين تم تهميشهم في الخطاب العام بأسره.

إخفاق أخلاقي

  • في هذا الشأن، يتزايد النقاش مجدداً بشأن ما يطلَق عليه اسم "خطة الجنرالات"، وهي الخطة التي اقترحها اللواء في الاحتياط غيورا آيلند، والتي تركز على تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين ظلوا في شمال قطاع غزة إلى الجنوب، إلى ما وراء محور نتساريم، وقطع إمداد الغذاء والماء عمّن يصر على البقاء هناك. ويرى أيلاند أن الأمر من شأنه أن يزيد من الضغط على قيادة "حماس" في جنوب القطاع، وفي الوقت نفسه، يسهل العمليات العسكرية ضد مقاتلي التنظيم النشيطين في الشمال. كما أوصى بأن يتولى الجيش الإسرائيلي مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية، بدلاً من المنظمات الدولية.
  • وتلقى هذه الخطة دعماً متزايداً، بل أيضاً حماسة من بعض الدوائر السياسية والعسكرية. وهناك، من مؤيديها، مستوطنون يرون في الخطة فرصة لإعادة إنشاء المستوطنات في شمال قطاع غزة، وذلك على الرغم من التصريحات السابقة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي كانت تعارض هذا التوجه. ويمكن أيضاً رصد دعم لهذه الخطة من ضباط ذوي أجندات أيديولوجية وسياسية في صفوف الجيش. وحتى الآن، لم يُسمع رأي رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي في هذا الشأن، على الرغم من أن تحركات كهذه يمكن أن تؤدي إلى تعقيدات دولية، وتعرض حياة الرهائن الإسرائيليين في غزة للخطر.
  • إن الترويج لهذه الأفكار من وراء الكواليس يتماشى مع تعاظم تأثير الضباط الذين يتبنّون آراء مسيانية، ويشغلون مناصب رئيسية في الوحدات العسكرية العاملة في القطاع. 
  • ويظهر على أجهزة الكمبيوتر التابعة لإحدى الفرق العسكرية جدول زمني مخصص لنقل المساعدات الإنسانية إلى السكان الفلسطينيين تحت عنوان "إمداد العدو". 
  • لا عجب، في ظل هذه العقلية، أن بعض الضباط في الميدان يتباطأون في تنفيذ أوامر نقل المساعدات، كما هو مطلوب؛ أو أن كبار الضباط يفسرون أن أوامر إطلاق النار ليست ذات جدوى، إذ يعتبرون أن أي فلسطيني يدخل منطقة محظورة هو "إرهابي" ميؤوس منه. وقد فشل الجيش الإسرائيلي بصورة منهجية في فرض معايير أخلاقية على جنوده، أو في مطالبة القوات بممارسة الانضباط العملياتي في القطاع. والآن، ومع تركيز الاهتمام على الجبهة الشمالية، يزداد الوضع سوءاً.