بعد عام من القتال، اكتشفنا أن إسرائيل لديها استراتيجيا
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • ليس من الصائب تحليل حرب غزة وفهمها بصفتها حدثاً مستقلاً بحد ذاته، وينطبق هذا على كل ما له علاقة بأهداف الحرب. السياق الإقليمي بكل مندرجاته وتأثيراته في المنظومة الدولية صنعته "حماس" عندما قررت القيام بهجوم 7 أكتوبر 2023، والذي كان هدفه الأساسي دفع العديد من الساحات إلى الانضمام إلى حرب استنزاف قاسية وطويلة، تُضعف إسرائيل وتهيئ الظروف لانهيارها. وانطلاقاً من هذا المفهوم، فإن المنطق التنظيمي للحركة هو منطق تعدُّد الساحات الذي طورته وبنَته طوال أعوام، مضافاً إلى منطق "حلقة النار" الإيرانية. إيران التي رأت في الساحة الفلسطينية مكوناً مهماً في "حلقة النار"، دعمت "حماس" والجهاد الإسلامي، وساعدت في بناء قدراتهما العسكرية، وفي تزويدهما بالسلاح والمعرفة العسكرية والدعم المالي.
  • حزب الله هو رأس الحربة في معسكر أذرع إيران، وهو مشروع متعدد السنوات، استثمرت فيه إيران جهداً وموارد هائلة، انضم في 8 أكتوبر إلى الحرب، وفتح الجبهة الشمالية ضد إسرائيل، بهدف إلحاق الضرر بقدراتها العسكرية ومواردها، بما في ذلك الاهتمام الاستراتيجي بالحرب ضد "حماس". لقد أثبت الهجوم الذي أقدمت عليه "حماس" وانضمام حزب الله إليها قوة المحور الذي تقوده إيران. فوجدت إسرائيل نفسها مذلولة وتنزف، بينما ازدادت ثقة المحور الإيراني بنفسه بكل مكوناته.
  • لقد حددت الحكومة الإسرائيلية في المرحلة الأولى 4 أهداف أساسية للحرب:
  1. بذل أقصى الجهود من أجل حل مشكلة المخطوفين؛ 2- إسقاط سلطة "حماس" وتدمير قدراتها العسكرية والحكومية؛ 3- تغيير الواقع الأمني في قطاع غزة وإزالة التهديد "الإرهابي" منه على إسرائيل؛ 4- الدفاع عن حدود الدولة ومواطنيها.
  • في هذه المرحلة من الحرب، لم توضع أهداف واضحة تتعلق بالساحة الشمالية، كذلك، لم يتم التطرق إلى إعادة سكان الشمال إلى منازلهم. هذا الهدف أضيف بصورة رسمية إلى أهداف الحرب في أيلول/سبتمبر 2024.
  • وبينما يعمل الجيش الإسرائيلي على تفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحركة "حماس" في قطاع غزة من خلال هجمات جوية ومناورة برية عميقة وواسعة النطاق، ومن خلال السيطرة (المتأخرة) على محور فيلادلفيا، اكتفت إسرائيل بالرد على هجمات حزب الله، وفرضت على نفسها مراعاة "المعادلة" التي صاغها الحزب، على الرغم من أنها كانت ترد على هجمات حزب الله بقوة أكبر، من حين إلى آخر، الأمر الذي دفع الحزب إلى رفع الحد الأقصى للمعادلة [المقصود التقيد بقواعد الاشتباك].
  • في نظرة إلى الوراء، ولدى التطرق إلى مصطلح "النصر المطلق" الذي صاغه رئيس الحكومة نتنياهو، وهو مصطلح كان موضوع سخرية كثيرين، وبدا كأنه كلام فارغ، يمكن رؤية المنطق التنظيمي في الاستراتيجيا الإسرائيلية التي تهدف إلى إضعاف المحور الإيراني بأكمله، مع التشديد على إيران بحد ذاتها، بصفتها البنية التحتية لبلورة نظام إقليمي جديد، وإزالة التهديد الإيراني، أو إضعاف قدرته على ضرب إسرائيل وزعزعة الاستقرار الإقليمي. وبدلاً من عقيدة الجولات والإدمان على فكرة "شراء الهدوء"، أو منطق " هدوء في مقابل هدوء"، قررت إسرائيل تغيير قواعد اللعبة من الأساس، والانتقال من الحرب على الوعي إلى الحسم. وبهذا المعنى، فإن "النصر المطلق" يشكل تبنّياً لتوجّه هجومي صارم يهدف إلى تفكيك المنظومة القائمة، أو باللغة الاستراتيجية، تغيير من الدرجة الثانية، ومعنى ذلك تغيير المنظومة القائمة، بدلاً من تغيير من الدرجة الأولى، أي تغيير في داخل المنظومة القائمة. ويتعين علينا فهم "النصر المطلق" من ضمن هذا المفهوم. إن نجاح إسرائيل في تحقيق تغيير من الدرجة الثانية لا يقل عن تحقيق النصر المطلق، وهو ينطوي على "Game Changer" تغيير لا رجعة عنه، ويفتح أمام إسرائيل والمنطقة، وأمام الولايات المتحدة، كدولة عظمى رائدة، وحلفائها في العالم الحر، إمكان بلورة نظام إقليمي جديد مستقر ومزدهر وآمن، وذلك من خلال إضعاف إيران وأذرعها، كأطراف تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار، وقادة "الإرهاب" الإسلامي الراديكالي الذي تسلل أيضاً إلى العالم الحر.
  • خلال فترة زمنية لم تتعدّ السنة، نجحت إسرائيل في تفكيك "حماس"، التي لم يبقَ لديها سوى قليل من القدرات التي ستتبدد كلها مع الانتهاء من العملية العسكرية في قطاع غزة وتفكيك مركز الثقل الأخير للحركة في شمال القطاع من خلال السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية للسكان وإقامة حُكم عسكري موقت في شمال القطاع كبنية تحتية ضرورية للقضاء على ما تبقى من "حماس" هناك. في هذه الفترة الزمنية، وخصوصاً خلال الأسابيع الأخيرة، منذ منتصف أيلول/سبتمبر 2024، نجحت إسرائيل في ضرب حزب الله بقوة، والقضاء على قيادة الحزب، وضرب قدرات القيادة والسيطرة، وإلحاق أضرار كبيرة بمخازن السلاح والبنى التحتية للحزب في لبنان كله. "تنظيف" الجنوب اللبناني من تهديد الوجود العسكري لحزب الله (من خلال مناورة برية بدأت في الأول من أيلول/سبتمبر 2024)، وزرع الفوضى والخوف والشكوك في داخل الحزب، الأمر الذي سيضرّ بأدائه وقدرته على إيذاء إسرائيل.
  • الإنجازات التي حققها الجيش الإسرائيلي مذهلة بكل معنى الكلمة، ولا سيما من المنظور التاريخي، ومقارنةً بحجم نجاح الجيوش الأُخرى والائتلاف الدولي الذي قاتل "داعش" والقاعدة وطالبان وغيرهم. كما أن الإنجاز الأهم هو زعزعة ثقة إيران بنفسها ودفعها إلى وضع من الإحراج الاستراتيجي الصعب، والاضطراب، وفي الأساس المس بأرصدتها الاستراتيجية التي وظفت فيها موارد ضخمة وأعواماً كثيرة. لقد خسرت إيران مكوّنين هما الأكثر أهميةً في المعسكر الذي بنَته منذ سنوات. ونجحت إسرائيل، نظرياً وعملياً، في إضعاف المنظومة الإيرانية بصورة كبيرة، والتي كان لها تأثيرها في المنظومة الإقليمية بأكملها. إضعاف المنظومة الإيرانية وتفكيك تهديدها لإسرائيل والمنطقة سيؤديان، بالضرورة، إلى تغيير المنظومة الإقليمية كلها، وهو ما سيؤثر، بدوره، في النظام الدولي.
  • إذا كان اختبار الاستراتيجيا يكمن في حجم التغيير الذي تُحدثه وقدرتها على الدفع نحو بلورة الواقع بصورة تخدم مصالح إسرائيل الحيوية وقدرتها على المراوغة وعمليات التعلم، وتحسّن القدرة على رؤية الفرص والاستفادة منها، فخلال العام الماضي، يمكننا رؤية استراتيجيا إسرائيلية ناجحة. الآن، حان الدور الكبير للسياسيين، الذين من واجبهم ترجمة هذه الإنجازات المذهلة إلى خطة سياسية، حينها، يمكننا أن نشهد استراتيجيا كبرى بكل مجدها.