تفكُّك الخطة المركزية الإيرانية إلى أجزاء صغيرة، والخطوة المقبلة ستقرر ما سيتبقى منها
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • تنهي إسرائيل عاماً من حرب متعددة الجبهات ومركّبة وصعبة، بدأت بكارثة، وجرى بعدها نهوض من جديد، وتصاعدت قوتها، وحققت سلسلة من الإنجازات العسكرية الاستثنائية.  لكن على الرغم من ذلك، فإنه لم يتم، حتى الآن، تحقيق أيّ هدف من أهداف الحرب، فسلطة "حماس" لا تزال قائمة في غزة، وقوتها العسكرية التي جرى تفكيكها بدأت بالنهوض من جديد، ولم تتم إعادة المخطوفين، وعلى الرغم من النجاحات في لبنان، فإن عودة النازحين لا تبدو قريبة. أمّا على الصعيد الدبلوماسي، فإسرائيل بدأت الحرب بشكل ممتاز، وهي الآن في أسوأ وضع تشهده منذ تأسيسها، لقد باتت معزولة، وتعيش خطر فرض عقوبات دولية. آن الأوان لنقل الجهد العسكري وتحويله إلى إنجاز دبلوماسي، فنحن لم نحقق أياً منها حتى الآن.
  • كان يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر اليوم الأسوأ في تاريخنا، إذ لم تفشل أجهزة الأمن برمتها في الدفاع فقط، بل انهارت رواية الأمان الشخصي والثقة الجماهيرية بالجيش الذي لم يكن موجوداً هناك في أثناء المأساة. ففي يوم واحد فقط، تبخرت رواية القوة الإقليمية والدولية لإسرائيل. وحده التحليل الواسع من خلال لجنة تحقيق مستقلة يمكن أن يشرح الحقيقة، وكيف جرى لنا هذا في يوم واحد، بشكل يمكّننا من قبول تفسير هذا الحدث الكارثي والمذل في تاريخنا.
  • من الواضح أن ما حدث كان نتيجة تقاطُع عدة عوامل من عدم الفهم العميق ومسارات التقليص العسكرية - وخفض الجاهزية والاستعداد للدفاع لدى الجيش على حدود غزة، حيث كان التركيز على الضفة الغربية؛ ومستوى سياسي معزول عن الواقع الأمني منذ الانتخابات؛ واستعلاء وانغلاق في كافة مستويات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى عدو رأى في الانقسامات الداخلية في إسرائيل فرصة له. وفي الوقت نفسه، هناك محاولات بن غفير إشعال المسجد الأقصى ورغبة نتنياهو في المضيّ في صفقة مع السعودية من دون الفلسطينيين، أمور كلها شكلت عاملاً مسرعاً بحد ذاته. والأهم من هذا كله وجود خط مشترك واحد يربط ما بين تشرين الأول/أكتوبر 1973 واليوم، وهو الحمض النووي الاستعلائي الواثق بنفسه، والذي يقول "إن هذا لن يحدث لنا".
  • السؤال الأكثر أهميةً في سياق الحديث عن يوم "السبت الأسود"، وبعد أن انهار الدفاع وتفككت منظومة السيطرة والقيادة كلياً: أين كانت البنى القديمة والجيدة لدى الجيش، أين كانت سرعة الرد، وأين اختفى الدخول في الاشتباك، والمبادرة؟ لماذا لم يكن هناك أيّ شجاعة؟ العمود الفقري للمنظومات الهجومية التي استند إليها الجيش أعواماً طويلة اختفت في اليوم نفسه. ورفضت القيادة التكتيكية أن تصدق ما تراه، ولم يستطع الجيش أن يستوعب أن هذه هي الحرب، وعليه أن يسعى للاشتباك بكل قوته، وأن يقوم بكل ما هو ممكن لمنع ذبح المواطنين أمام عينيه. لقد تجمد، في أغلبيته، في مواقعه، ولم يتصرف كما يجب، ولم يساعد الأشخاص الذين ذُبحوا. الحديث يدور حول فشل عظيم، حتى لو كان هناك شجاعة وبطولة في حالات كثيرة. التحقيق الذي أشار إلى أن جنود الاحتياط لم يصلوا إلى الجبهة لأنهم لم يجدوا مَن يفتح لهم مخازن السلاح، أو انتظروا وصول الأوامر، مستفزة جداً.
  • وأكثر من الكارثة الكبيرة، فإن الضرر الأكبر هو أزمة الثقة الكبيرة والفجوة. لقد فقد المواطنون الثقة بقدرة الجيش على حمايتهم ومساعدتهم في وقت الحاجة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأهم هو أن الجيش نهض سريعاً من الضربة التي تلقاها، وخلال أيام قليلة، استطاع "تطهير" الميدان من 1500 "مخرب" اخترقوا الجدار، وخلال 3 أسابيع، بدأ هجوماً أخضع "حماس" في نهاية المطاف.

من حرب عسكرية إلى معركة دبلوماسية

  • هذه الحرب مركّبة جداً، ويخوضها الجيش منذ أكثر من عام في 3 جبهات مركزية: غزة، ولبنان، والضفة الغربية. هذا بالإضافة إلى وجود جبهات ثانوية: سورية، إيران، اليمن، والعراق. حتى الآن، تم تسجيل بعض الإنجازات المهمة جداً. "حماس" فُككت عسكرياً، وحزب الله الذي كان حتى قبل شهر يشكل رعباً في المنطقة، تم ضربه، وأصيب إصابة صعبة جداً، حتى باتت قيادته "فوضوية وضعيفة". إيران تلقت ضربات صعبة، وتبدو أضعف من أيّ وقت مضى. لذلك، يمكن القول إن عقيدة الأذرع التابعة لإيران قد فُككت، وباتت أكثر ضعفاً. صحيح أنها تستطيع إطلاق كمية كبيرة من الصواريخ، لكنها في حالة "مخجلة" بسبب الفجوة التكنولوجية ما بينها وبين إسرائيل. هذه المرة الثانية التي تفشل فيها هجماتها على إسرائيل، ولا تؤدي إلى أيّ نتائج.
  • على الرغم من جميع الإنجازات، فإن الجيش وصل إلى حدود القوة الخاصة به، بعد عام من الاستنزاف، ومن دون المخزون الاحتياطي المطلوب. البقاء في غزة والقيام بعمليات اقتحام لمنع تجدُّد قوة "حماس" لا يخفي "حماس" فعلياً، ومع الوقت، ستنجح في إعادة بناء نفسها، ما دام لم يتم بناء بديل، ولا يزال الميدان تحت سيطرتها. أمّا في لبنان، فحتى لو تفكك حزب الله إلى تنظيمات أصغر، فإنه من دون جيش لبناني كبير وقوي، سيغرق الجيش الإسرائيلي في منطقة لا يملك القدرات اللازمة للسيطرة عليها، وخصوصاً أنه يستعمل كل موارده. الضفة مشتعلة، ونحتاج إلى كثير من القوة للسيطرة عليها. هذا بالإضافة إلى وجود 4 جبهات بعيدة يجب العمل فيها عسكرياً. الآن، باتت الحرب من دون هدف، ومن دون استراتيجيا، ومن دون نهاية في الأفق، باستثناء استنزاف الجيش والدولة إلى أقصى حد.
  • هذا هو وقت نقل ثقل الحرب من حرب عسكرية إلى معركة دبلوماسية.
  • هذه الأزمة تخلق أيضاً فرصاً، وتسمح بالدفع بترتيبات إقليمية جديدة بقيادة الولايات المتحدة. هذه الإمكانية حقيقية لإعادة البناء من جديد، بعد حالة التفكك التي شهدتها الدول سابقاً لمصلحة التنظيمات "الإرهابية" خلال الأعوام العشر الماضية. في لبنان، هناك للمرة الأولى، فرصة لإعادة بناء الجيش اللبناني، وأن يتحمل المسؤولية الداخلية، وتتعالى الأصوات المطالِبة بتشكيل حكومة قوية ودفع حزب الله خارج الحياة السياسية في لبنان، وإمكان نشر قوات الجيش في الجنوب اللبناني، ومنع حزب الله من الوصول إلى الحدود مع إسرائيل.
  • وفي سورية أيضاً، يمكن تفكيك و"تنظيف" تأثير إيران وحزب الله، ويبدو أن الأسد يبحث في ذلك.
  • وفي المقابل، يجب الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة، والتوصل إلى صفقة لإعادة المخطوفين، وتشكيل حكومة في غزة لا ترتبط بحركة "حماس"، وتكون مرافقة للجنة دولية تكون مهمتها: إعادة إعمار غزة بمساعدة الدول العربية المعتدلة، وتساعد في الحفاظ عليها منزوعة السلاح، وتمنع عودة "حماس".
  • التخوف الكبير والشعور بالخوف في إيران يسمحان بالدفع قدماً باتفاق جديد تلتزم فيه إيران إعادة الخطة النووية إلى الوراء، مع مراقبة أكبر. فضلاً عن وقف كلي لإرساليات السلاح إلى التنظيمات "الإرهابية" والدول الخارجية.

يوجد لدى إسرائيل كثير مما يمكن ربحه

  • يمكن لخطة استراتيجية كهذه، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، أن تؤدي إلى دفع الإقليم إلى الاستقرار مدة 3 أعوام، والدفع إلى تطبيق اتفاق سلام مع السعودية وبناء حلف دفاعي إقليمي إلى جانب خطة حقيقية للدفع بمشاريع إقليمية تعزز اقتصاد السلام والعلاقات بين دول المنطقة. طبعاً، سيكون على إسرائيل، أولاً: استعادة ثقة العالم بها، لكن العالم أيضاً يحتاج إلى قيادة إسرائيل التي لا تتردد في قتال "الإرهاب" الذي تحول إلى مشكلة عالمية، وليس فقط إقليمية. المشكلة أن هذه المسارات كلها لا يمكن أن تجري لأنه لا يوجد أيّ استراتيجيا في السياسة الشخصية التي تدير حياتنا، ولا يوجد أيّ قائد في العالم يصدق نتنياهو، أو مستعد للقيام بأيّ خطوة حياله، حتى لو كانت بسيطة.
  • تحتاج إسرائيل إلى مسيرة علاج كبيرة جداً، تبدأ بانتخابات وتشكيل حكومة وحدة قوية تكون مهمتها الأساسية تحصين المنظومة القضائية والأساسات الصهيونية والديمقراطية والليبرالية في إسرائيل. المطلوب إعادة تعريف وثيقة الاستقلال والاعتراف بها كدستور. وعلينا أن نفرض قيوداً على قوة الحكومة، وتنظيفها من الأمراض السياسية، وعلينا أيضاً تقوية التعليم الحكومي وإعادة ترميم العلاقة والأخوّة في داخل المجتمع، بعد الانقسامات التي جرت فيه، وتشجيع الكراهية الذي حدث، وكذلك الرغبة في الانتقام التي زُرعت في داخله. يجب أن تنهض إسرائيل برمتها من جديد من هذه الحرب المؤلمة.
  • الاقتصاد الإسرائيلي الذي لحِق به ضرر كبير، في الأساس، بسبب انعدام السياسة الخارجية والإدارة السيئة، سيربح كثيراً من إعادة الاستقرار الإقليمي، وهو ما سيسمح له بالنهوض من جديد بسرعة نسبياً. سيكون من الصعب إعادة الاستثمارات الأجنبية، ويجب البحث عن المال اليهودي في الخارج وتجنيده في إطار الفصل الجديد من الصهيونية الذي يبدأ بعد استخلاص العبر خلال العام الماضي.
  • القدرة على الصمود أمام أزمة كهذه، وفي مقابل كثير من الكوارث، هي من دون شك جزء من الرواية والقوة الخاصة بشعب إسرائيل على مدار أجيال، وهو الذي أثبت التزامه وقتاله بطريقة مذهلة في كل المجالات طوال العام الماضي. وهذا ما يشهد على أننا جميعاً سنبقى هنا ونقاتل معاً من أجل مستقبل أفضل لأولادنا.