حرب 2006 لا يريد أحد أن يتذكرها: الواقع ينبىء بسيناريو سيئ، وأن يعيد التاريخ نفسه
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • ماذا نتذكر فعلاً من حرب لبنان الثانية؟ الحرب التي جرت في صيف 2006، والتي وقعت قبل 18 عاماً، وتحولت إلى أكثر الحروب مرارةً.
  • لماذا كانت مريرة؟ لأنها كانت الحرب الأولى التي خاضتها إسرائيل، ولم تنتهِ بحسم مطلق، أو بانتصار واضح على الخصم، بل انتهت بنوع من التعادل (المر). لماذا الأولى؟ لأن هذه الحرب ونتائجها تحولت إلى نوع من نموذج من معارك مختلفة خاضتها إسرائيل في جبهات أُخرى، وخصوصاً على الجبهة الجنوبية مع "حماس". هذه المعارك لم تعرّف بمصطلح الحروب، بل "عمليات"، أو بالاسم الذي اتُّفق عليه "جولات".
  • عملية "الجرف الصامد" "العصف المأكول" [2014] كانت الأخيرة بين هذه الجولات، وسبقتها، بحسب الترتيب الكرونولوجي، "عمود سحاب" "حجارة سجيل" [2012] و"الرصاص المصبوب" "حرب الفرقان" [2008]، ومعارك صغيرة أُخرى انتهت كلها مثلما انتهت حرب لبنان الثانية، بنوع من التعادل، بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه "الجولات" شهدت قتالاً استمر أسابيع، تبادل خلالها الطرفان الضربات المتبادلةـ وعندما وصل العنف إلى درجة عالية، صرخ الطرفان كفى.
  • الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد حزب الله، قبل 18 عاماً، بدأت بضجة كبيرة لم تكن تنبىء قط بالنهاية المُرة التي وصلت إليها إسرائيل، بعد مرور 30 يوماً من القتال، والتي انتهت بصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن. بدأت الحرب بخطف جنود إسرائيليين، الحادث الذي شكّل إطاراً للحرب، ولقرار إسرائيل بشأن خوض القتال من أجل إعادة الهدوء إلى الشمال، والمخطوفين إلى منازلهم، لكن عملانياً، وهذه النقطة مهمة، بدأت هذه الحرب بنجاح كبير.
  • لقد نجح سلاح الجو في صنع ما لا يمكن تصديقه خلال 4 ساعات. إذ نجح في تدمير منظومة الصواريخ البعيدة المدى لدى حزب الله، الموجهة ضد إسرائيل، من خلال هجوم جوي استباقي. لكن منذ تلك اللحظة، تدهور الواقع العملاني، ومعه الواقع الاستراتيجي.
  • منذ تلك اللحظة، لم يعد لدى الجيش تفكير عملاني، بعكس الخصم، بعد مرحلة الصدمة الأولى. دخلت إسرائيل براً إلى الجنوب اللبناني من أجل "تنظيف المحميات الطبيعية" التابعة لحزب الله، والمقصود منظومات منشورة في القرى الجنوبية التي احتفظ فيها الحزب بأفضل قواته وسلاحه الذي هدد مستوطنات الشمال به.
  • كان الجيش في سنة 2006 أقل تدريباً على الحرب مما هو عليه في سنة 2024، فتورط في معارك في الجنوب اللبناني أكثر من مرة، جزء منها كان غير مفيد، ولا يقوم على فكرة نظامية ومنهجية.  لكن هذا لم يكن الأساس. حسن نصر الله الذي لم يعد في قيد الحياة، أدرك أنه من أجل الحصول على فكرة انتصار في الحرب، هو بحاجة إلى الالتفاف على الإنجاز الإسرائيلي الأول، وبينما كان الجنود يقاتلون في بنت جبيل (حيث ألقى نصر الله خطابه الشهير عن "خيوط العنكبوت")، شغّل حزب الله منظومة صواريخه القصيرة والمتوسطة، ليس من خط القتال في "المحميات الطبيعية"، بل من خط يقع أكثر إلى الشمال.
  • وبدأت هذه الصواريخ تتساقط بانتظام على خط حيفا وشمالها. وفي الواقع، كانت هذه الحرب حرب الصواريخ الأولى التي أصبحت فيما بعد نموذجاً مما ستقوم به "حماس" في قطاع غزة...
  • فقط قبيل نهاية هذه الحرب، فهم الجيش والمستوى السياسي أنه لا يمكن منع إطلاق الصواريخ من خلال سلاح الجو، والمطلوب توسيع المعركة البرية شمالاً من أجل تدمير مُطلقي الصواريخ وقيادات الحزب. لكن اتضح أن هذا الأمر أخرق ومتأخر جداً. وأدى سوء تنفيذ العمليات إلى تكبيد الجيش خسائر، ووصلت المعركة إلى مستوى دفع المستوى السياسي إلى التحرك، والعمل على اتفاق لوقف إطلاق النار، هو القرار 1701.
  • كانت هذه نهاية الحرب وبداية التبريرات الإسرائيلية التي أدت إلى إنشاء لجنة فينوغراد التي توصلت إلى ما سبق أن تحدثنا عنه أعلاه، ومَن لا يصدق، عليه العودة إلى القيام بجولة في صفحات التاريخ.
  • الحرب الحالية في لبنان ليست حرباً ثنائية، بين إسرائيل وحزب الله، بل هي حرب متعددة المعارك والساحات. لكن في الفترة الحالية، هناك أمور تبدو صدى للمواجهات التي دارت في سنة 2006، والتي لم يعد يتذكرها أحد. كانت بداية هذه الحرب أيضاً مواجهة ناجحة ضد حزب الله... عملية تفجير البيجر، واغتيال نصر الله وخليفته، فضلاً عن قتل مزيد من قادة السيطرة في الحزب، وضرب مخازن الأسلحة المهمة (في تقدير مصادر إسرائيلية، جرى تدمير ثلثي مخازن الصواريخ)، كل هذا أدى إلى بداية العملية البرية في الجنوب اللبناني، التي كان هدفها "تنظيف" القرى الجنوبية من السلاح، ومن الناشطين، وضمان عدم تكرار سيناريو 7 أكتوبر في شمال البلد.
  • الآن، وبعد هذا كله، بدأ يصل ردّ حزب الله، مع نصر الله، أو من دونه، وما يجري سبق أن شاهدناه (Deja Vu) في حرب لبنان الثانية: إطلاق الصواريخ على خط حيفا وشمالها، وأحياناً جنوبها، نحو منطقة هشارون وغوش دان. ويحدث هذا الإطلاق منذ بداية الحرب، لكنه ازداد وتوسّع في الشهر الأخير، وفي الأيام الأخيرة.
  • يشن الحزب غارات متواصلة يستنفد فيها مخزونه من السلاح، أو ما تبقى منه، وإسرائيل، مثلما فعلت في حرب لبنان الثانية، تواصل "تنظيف" المنطقة البرية المحاذية لمستوطنات الشمال، واصطياد مُطلقي الصواريخ وإحباط ناشطين ومهاجمة مخازن السلاح، لكنها تفعل كل هذا من دون أن تستطيع وقف إطلاق الصواريخ والقذائف على أراضيها، الأمر الذي يدل على تعافي الحزب من الضربات القاسية التي تعرّض لها.
  • هذا الواقع الذي يشبه الحرب الماضية، يضع الجيش والمستوى السياسي أمام معضلة، ويخلق واقعاً يمكن أن يتحول، بمرور الوقت، إلى واقع مزمن ومتواصل، يمكن أن يستمر أسابيع وشهوراً. هل يبني الجيش على استنزاف الطرف الخصم، وعلى واقع استنفاد مخازن السلاح، بحيث تصل إلى حافة "المسّ بالقدرات"، ويمكن أن يدفع القيادات الجديدة في حزب الله إلى القول لم نعد نتحمل أكثر؟
  • من المحتمل أن تكون هذه هي الفكرة، لكن يجب أن نأخذ في الحسبان أن الطرف الثاني لا ينوي أن يلعب وفق السيناريو الإسرائيلي، على الرغم من تآكل قدراته والضربات التي تلقاها. في مثل هذا الوضع، ستزداد حدة الوضع العملاني لإسرائيل في لبنان، وستجد نفسها أمام مسارين، هي تواجههما الآن فعلاً.
  • المسار الأول، توسيع العملية البرية بصورة كبيرة وتحويلها من عملية محدودة لا تتجاوز بُعد 5 كلم عن الحدود مع لبنان، حسبما جرى الالتزام أمام الأميركيين، إلى معركة كبيرة وضخمة تشمل مناورة في عمق لبنان، وجهداً لتفكيك وحدات حزب الله التي من الواضح أنها توجهت إلى الشمال، حفاظاً على قدراتها وأرصدتها. المسار الثاني، هو استهداف الدولة اللبنانية وضرب أرصدتها، وليس فقط التابعة لحزب الله، بل تلك التي تملكها الدولة اللبنانية نفسها، من أجل خلق كرة ثلج مزدوجة. الأولى سياسية في داخل لبنان من خلال الضغط على حزب الله للتوصل إلى تسوية، وداخلية شاملة تقليص قوة الحزب داخل الدولة اللبنانية؛ كرة الثلج الثانية سياسية وتتعلق بالمجتمع الدولي الحساس جداً (مثلما هو حساس أكثر إزاء الوضع الإنساني في غزة) حيال ما يحدث للمدنيين في دولة إسرائيل، وكذلك مستقبل لبنان "الدولة التي ليست دولة".
  • ينطوي هذان المساران على عدد من المشكلات الصعبة. وهناك تحدٍّ عسكري وإرهاق للجيش حتى الحد الأقصى وخسائر في الأرواح، وكل ما يمكن تصوُّره في مثل هذه المعركة، التي ستكرر فعلاً المعركة التي دامت عاماً كاملاً في القطاع (والتي لم تنتهِ بعد). بينما ينطوي خطر الضغط على إسرائيل ونزع الشرعية عنها من طرف النظام الدولي، وخصوصاً النظام الغربي الذي تحتاج إليه إسرائيل كثيراً في حربها ضد العدو الحقيقي من الشرق، إيران.
  • على الرغم من ذلك، فإن الواقع الحالي يمكن أن يذكّر بالسيناريو السيئ وتكرار تاريخ حرب لبنان الثانيةـ مع وقت مضاعف وجهد وإرهاق، واستنزاف ومعارك جانبية تجري في جنوب البلد، وفي شرقه، وفي الميادين العسكرية والسياسية والدولية والاجتماعية - السياسية الداخلية.
  • إذا كانت إسرائيل تطمح إلى "نظام جديد"، فيجب أن تُحدث في لبنان فوضى وضجة أكبر من أجل أن تتمكن في نهاية الأمر من خلق الظروف لخطوات مهمة تنهي فيها موضوع لبنان بنوع من "تسوية" تتوافق مع أمنها الوطني.

 

 

 

المزيد ضمن العدد