في إمكان إسرائيل تجاوُز الرد الإيراني على الهجوم، والتركيز على أهدافها في لبنان وغزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • أعلن المتحدثون الرسميون ووسائل الإعلام الإيرانية أن قواتهم تمكنت من صد الهجوم الإسرائيلي، وأن الأضرار التي لحقت ببعض المواقع كانت طفيفة. وهذا الإعلان، الذي يمتاز به النظام الإيراني في إخفاء الحقيقة، والذي يمكن أن يكون بمثابة مخرج للنظام من جولات المواجهة مع إسرائيل.. لكن من المشكوك فيه أن تنهي إيران تبادل الضربات في ظل الأجواء المتوترة والمتعصبة المرتبطة بالكرامة القومية، ومكانة إيران، وافتراض أن الردع القائم بين البلدَين متبادل.
  • وكان الهجوم الإسرائيلي الليلة الماضية على 3 موجات استمرت نحو 3 ساعات بمشاركة عشرات المقاتلات الجوية، إلى جانب طائرات التزويد بالوقود وطائرات الاستطلاع. ووفقاً لتقارير إيرانية، فقد شاركت أيضاً طائرات مسيّرة إسرائيلية في الهجوم. ويُعتبر هذا الهجوم ذا أهمية تاريخية، فمن المرجح أنه في الماضي قامت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي والطائرات المسيّرة بالتحليق فوق إيران لأغراض جمع المعلومات، لكن إسرائيل لم تعترف بذلك علناً.
  • وللمرة الأولى، تشن إسرائيل هجوماً جوياً على أهداف في إيران في عدة مواقع، بما يشمل أهدافاً قريبة من العاصمة طهران (نُسبت إلى إسرائيل سابقاً ردة فعل محدودة على الهجوم الصاروخي الإيراني الأول في نيسان/ أبريل، والذي استهدف راداراً لمنظومة بالقرب من مدينة أصفهان).
  • ولقد أزال هذا الهجوم الضغط الذي كان يتراكم على إسرائيل لسنوات؛ فقد كان فحوى الخوف الذي صورته السيناريوهات الكارثية، والذي شارك كاتب هذه الأسطر أيضاً في رسمه عبر مقالاته الماضية، أن تنفيذ هجوم جوي إسرائيلي على إيران يمكن أن يؤدي إلى إسقاط طائرات وأسر الطيارين أو حتى مقتلهم، لكن هذا لم يحدث، وأثبتت إسرائيل مرة أُخرى، وبما لا يدع مجالاً للشك هذه المرة، تفوُقها الجوي والاستخباراتي.
  • وكان الهجوم يهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية وأُخرى دعائية؛ فمن الناحية الدعائية، أثبتت إسرائيل مرة أُخرى لقادة إيران وقادتها العسكريين أن استخباراتها رصدت العديد من القواعد والمقرات ومنظومات الدفاع الجوي ومستودعات الصواريخ، وكذلك مراكز القيادة والسيطرة الإيرانية. وعلى الرغم من تباهي القادة الإيرانيين بقدراتهم، فإنهم يعرفون حقيقة حجم قدراتهم، كما يعرفها الكثيرون من الشعب الإيراني. فَهُم يعيشون في دولة مخترقة من الناحية العسكرية والاستخبارية، وهي بمثابة كتاب مفتوح تقريباً أمام الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية اللتين تتعاونان معاً منذ سنوات لمواجهة الجمهورية الإسلامية.
  • ولم تكن الأهداف التي تم اختيارها مفاجئة، وكان من الواضح أن إسرائيل ستستهدف في الموجة الأولى منظومات الدفاع الجوي الإيرانية لتقليل خطر استهداف الطائرات في الموجات اللاحقة. وتملك إيران منذ سنوات منظومات الدفاع الجوي S300 الروسية، والتي يعرفها سلاح الجو الإسرائيلي جيداً، والتي قام بتدمير بعضها في سورية. وعلى مدى العقد الماضي، تسعى إيران للحصول على منظومات S400 الأكثر تطوراً من روسيا، لكن هذه المساعي قوبلت بالرفض.
  • ومؤخراً، ومع تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين على خلفية الحرب في أوكرانيا، وردت تقارير عن موافقة روسيا على تزويد إيران بمنظومات الدفاع الجوي المطورة، وأفادت تقارير قبل أسابيع قليلة بوصول شحنة من بطارية S400 على متن طائرة شحن روسية مدنية إلى طهران، لكن لم يتم تأكيد هذه الأنباء من أي مصدر رسمي. وفي كل الأحوال، حتى لو تم إرسال بطارية واحدة، فسيستغرق الأمر وقتاً كي تتمكن إيران من نشرها وتدريب فرقها على تشغيلها.
  • وتمثلت أهداف الموجتين الثانية والثالثة في منشآت الإنتاج والمستودعات تحت الأرضية التي تم فيها تخزين الصواريخ الباليستية الطويلة المدى والطائرات المسيّرة. وصرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن الضربات كانت دقيقة، ومن المرجح أن هذه المعدات دُمرت أو تضررت بشدة، وهو ما قلل من مخزونها وقدرتها على إلحاق الضرر إذا قررت إيران الرد.
  • ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن هذا الهجوم كان محدوداً، وشمل 20 هدفاً؛ إذ لم تستهدف إسرائيل المنشآت النفطية أو المواقع النووية أو البنى التحتية الاقتصادية الأُخرى أو رموز الحُكم، وبذلك استجابت لطلبات الولايات المتحدة، التي تخشى اندلاع حرب إقليمية ربما تمتد إلى ضربات إيرانية على جيرانها؛ المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
  • وهذا الأمر يشير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على الرغم من ارتفاع منسوب ثقته بنفسه مؤخراً، وميوله المسيانية، وأحياناً تصريحاته الحادة التي يطلقها ضد واشنطن، والتي فيها أكثر الإدارات الأميركية دعماً لإسرائيل عبر التاريخ، فهو يدرك تماماً حدود قوة إسرائيل واعتمادها على الولايات المتحدة وأهمية احترامها.
  • ومن جهة أُخرى، ها هو الجمهور الإسرائيلي يعود مرة أُخرى ليعيش حالة الانتظار لمعرفة ما إذا كانت إيران سترد. وتشير سوابق العام الماضي إلى أن إيران تجعل الهجوم يمر بهدوء، والسؤال الكبير هو ما إذا كانت إيران ستكتفي بإطلاق بضع عشرات من الصواريخ على أهداف عسكرية، فإذا حدث ذلك، فمن المتوقع أن يتم اعتراض معظمها بفضل منظومات الدفاع الجوي الفاعلة، كبطاريات "حيتس" [السهم]، ومقلاع داود، والطائرات الإسرائيلية، جنباً إلى جنب مع بطاريات "ثاد" الأميركية المنتشرة في إسرائيل.
  • وفي هذه الحالة، أفترض أن إسرائيل يمكنها أن تتحلى بالصبر، وألاّ تردّ بجولة ثالثة من سلسلة تبادل الضربات هذه، وكونها دولة قوية تعرف قدراتها، يمكن لإسرائيل أن تعلن أنها تفضل التركيز على أهداف الحرب في لبنان وغزة، من منطلق رغبة صادقة في إنهاء حرب مكلفة بالأرواح، وتضر بالاقتصاد، وتعيق حياة مواطنيها.
  • لكن إذا ما ردت إيران بقوة (إذ أشار قائد الحرس الثوري قبل بضعة أيام إلى أن هجوماً إسرائيلياً على بلده سيؤدي إلى إطلاق 1000 صاروخ)، فإن إسرائيل ستدخل، مرة أُخرى، دائرة ردات الفعل المتبادلة، حتى حافة نشوب حرب شاملة مع إيران، والخوف من أن تقرر إيران، نتيجة للضربات المتواصلة، أن عليها تجميع سلاحها النووي.
 

المزيد ضمن العدد