الهجوم أُنجز، لكن هناك تحدٍ آخر ينتظر إسرائيل
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • بعد فترة انتظار استمرت قرابة الشهر، في هذه الليلة انتهت فترة الانتظار المتوتر لرد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني في 1 تشرين الأول/ أكتوبر. وما جرى هو حدث غير مسبوق لهجوم إسرائيلي على إيران مع تحمُل المسؤولية، وللمرة الأولى منذ حرب إيران العراق، تدخل طهران حلقة النار.
  • وبعد عام على كارثة عيد سمحات هتوراه، ما حدث هو نجاح باهر آخر لإسرائيل سيساعدها في ترميم صورة الردع إزاء إيران والمنطقة. ويجب أن نتذكر أن هذه الإنجازات العسكرية لم يترجمها المستوى السياسي بعد إلى تسويات تحسّن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، وفي جميع الأحوال يجب ألاّ نشعر بالنشوة أكثر من اللازم، وخصوصاً فيما يتعلق بإيران، الدولة الكبيرة ذات القدرات الصاروخية المذهلة، والصبر الاستراتيجي، والاستعداد للتضحية.
  • وفي إطار الهجوم، أظهر الجيش الإسرائيلي قدرة عملانية تملكها الدول الكبرى فقط، ولا سيما فيما يتعلق بالتخطيط المعقد والاستخبارات النوعية والسلاح بكميات كبيرة خلال هجمات على أهداف بعيدة جداً تقع على مسافة 1400-1600 كيلومتر، بحيث تمر طائراته بدول، وتزودت بالوقود من الجو. وقد نجحت طائرات سلاح الجو في اختراق منظومات الدفاع الإيرانية، وضرْب الأهداف بدقة، والعودة بسلام، بعد أن أصابت قرابة 20 هدفاً عسكرياً وأمنياً سرياً.
  • وتُظهر المقارنة بين الهجوم الإيراني والرد الإسرائيلي عدم التكافؤ بين الطرفين على خلفية القدرات الكبيرة لإسرائيل وتفوقها التكنولوجي وتفوق منظومات سلاحها، التي جزء منها من الولايات المتحدة وجزء آخر يجري تصنيعه في الصناعات الأمنية الإسرائيلية. وتهاجم إيران بواسطة الصواريخ والمسيّرات، وتحاول أغراق المنظومات الدفاعية والتسبب بأضرار. وجزء كبير من هذه الصواريخ يجري اعتراضه بواسطة منظومة دفاعية مبتكرة، وبعضها غير دقيق يصيب أحياناً مناطق مدنية.
  • وفي المقابل، تهاجم إسرائيل بصورة دقيقة ومحدودة، وكل السلاح الذي يُطلَق يصيب أهدافه، ولديها تفوق واضح أيضاً في الدفاع وجهوزية الجبهة الداخلية. وبسبب الفجوات الجغرافية بين الدولتين، تنجح إيران في إدخال عدد كبير من السكان في إسرائيل الملاجئ، بينما لا يحدث هذا في إيران بسبب مساحتها الضخمة، وبسبب عدم وجود أجهزة إنذار منظمة.
  • وعلى الرغم من الضربة القوية التي تلقتها إيران، فإنه يبدو أن منطق إسرائيل في هذه الضربة "إغلاق" الحادثة، ولم يكن في إمكان إسرائيل عدم الرد على الهجمات الإيرانية في نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر، لكنها امتنعت من مهاجمة أهداف نووية، أو لها علاقة بالطاقة، وأعلنت أنها ضربت أهدافاً عسكرية فقط، كقواعد لإطلاق وتصنيع الصواريخ والمسيّرات التي تم تدميرها، الأمر الذي يخدم الغرب على خلفية تزويد إيران روسيا بهذه المسيّرات في إطار حربها على أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، فقد هوجمت مواقع الدفاع الجوي لتأكيد مدى اختراق إيران وتعرضها للهجوم، وذلك كرسالة تحذير لكل من سيقرر الاستمرار في تبادل الضربات.
  • إن اختيار الأهداف ومنطق الهجوم هما ثمرة حوار وثيق مع واشنطن، وضغط من جانبها من أجل عملية محدودة، وهما أيضاً ثمرة مصلحة إسرائيلية تقضي بالحؤول دون فتح جبهة فاعلة أُخرى قبيل الانتخابات الأميركية. وبناء على ذلك، فإن الهدف من الهجوم في نهاية الأمر هو ترميم الردع إزاء إيران وإخراجها من دائرة المواجهة المباشرة، وهذا ليركز الجيش على تعميق الإنجاز في الشمال، وزيادة الضغط على "حماس" في الجنوب.
  • على الصعيد الإقليمي، فإن أحد الأسئلة المركزية بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة فيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي المعلَن ضد إيران كان دائماً الجبهة التي سيفتحها حزب الله ضد إسرائيل من لبنان، ومن الواضح اليوم أن حزب الله لا يقدر أن يكون رافعة استراتيجية لإيران ضد إسرائيل بعد أن وظفت فيه إيران عشرات المليارات في العقود الأخيرة، وذلك بسبب الضربات الإسرائيلية القاسية التي تلقّاها حزب الله في الأشهر الأخيرة.
  • قبل الهجوم، هدد الإيرانيون بردّ سريع كي تكون لهم "الكلمة الأخيرة"، وحتى لو أدى هذا إلى المخاطرة بردّ إسرائيلي آخر، لكن تبيّن بعدها أن النظام الإيراني قرر أن يفحص مرة أُخرى رده. وفي محاولتهم عدم إجبار أنفسهم على الرد، يصف الإيرانيون الهجوم الإسرائيلي بـ "الضعيف"، ويبذلون جهدهم للتقليل من خطورته عبر التأكيد الكاذب أن أغلبية السلاح الذي أُطلق جرى اعتراضه، ولم يتسبب بضرر كبير للأهداف في إيران.
  • وفي هذه المرحلة، يمكننا أن نرسم 3 سيناريوهات للرد الإيراني:
  • أن تقرر إيران وقف تبادل الضربات مع إسرائيل، أو ترد بصورة تسمح بإغلاق الموضوع.
  •  أن تغير إيران منطقها وتختار استراتيجيا الاستنزاف عبر إطلاق صواريخ متفرقة ضد إسرائيل لفترة طويلة. وهذا هو السيناريو الأكثر إشكالياً بالنسبة إلى إسرائيل، لكن في ضوء ما جرى وتحقق في هجوم الليلة، يمكن ردع إيران عن السير في هذا الاتجاه، وربما استغلال ذلك لمهاجمة أهداف إضافية.

ج- أن تقرر إيران التصعيد وتوسيع الهجوم ضد أهداف إسرائيلية، وحتى ضد دول أُخرى في المنطقة تعتبرها تؤيد الهجوم الإسرائيلي.

  • بعد الهجوم على إيران، فإن التحدي الذي تواجهه إسرائيل هو منْع نشوب حرب استنزاف في مواجهة إيران، واستخدام الإنجاز الأخير من أجل إغلاق الحساب معها ولجم التدهور نحو حرب إقليمية متعددة الجبهات يثيرها المستوى السياسي في إسرائيل بيديه. حان الوقت لترجمة النجاحات العسكرية في الحرب إلى إنجازات استراتيجية وسياسية قابلة للحياة، وخصوصاً في غزة ولبنان، مع التشديد على إعادة المخطوفين. وحده العمل السياسي يستكمل العمل العسكري، والترتيبات السياسية هي التي تسمح بالمحافظة على الإنجازات العسكرية وتمنع "تبددها".
 

المزيد ضمن العدد