"حماس" أمام معضلة: ماذا ستفعل بالخطة الكبرى للسنوار؟
تاريخ المقال
المصدر
- مقتل السنوار زاد في توقعات أن مقتله سيؤدي إلى تحسين فرص تحرير الخطوفين. ونظراً إلى أن هذا لم يحدث، فإن كثيرين يسارعون إلى تأكيد أن اغتيال السنوار لم يلبِّ التوقعات التي علقت عليه، وهذا تأكيد متسرع جداً، وككل شيء في هذه الحرب، فإن المطلوب هو الصبر. إن قتْل السنوار هو حجر أساسي ومهم، والتغييرات المنتظرة من بعده يمكن أن تكون مهمة جداً، سواء على المدى القصير أو على المدى البعيد، بالنسبة إلى الحرب عموماً، وصفقة المخطوفين بصورة خاصة.
- إن استراتيجيا السنوار التي أدت إلى هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر جرت بلورتها عندما كان "أمير الأسرى" لا يزال في السجن الإسرائيلي، واعتبرت هذه الاستراتيجيا إسرائيل عدواً قوياً على الصعيد العسكري، لكنه ضعيف على الصعيد الاجتماعي، كـ "خيوط العنكبوت". وفي قلب هذه الاستراتيجيا، كانت تكمن النظرة إلى المجتمع الإسرائيلي كمجتمع استيطاني استعماري لا جذور له في هذا البلد. ومن هنا السعي لتحطيم الروحية وإثارة معضلات داخلية تقسم المجتمع وتؤدي إلى انهيار إسرائيل من الداخل بواسطة الخطف والهجمات المفاجئة. وكون السنوار جهادياً تقليدياً، فقد افترض أنه إذا لم ينجح في تحقيق خلاص الشعب الفلسطيني وتحرير أرضه كلها فوراً، فإنه على الأقل سيجري الدفع بذلك قُدُماً. ولقد تأمل السنوار والقيادة العسكرية التي خططت لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر أن النموذج الذي سيتركونه لمن سيأتي بعدهم سيؤدي إلى سقوط الحصن الإسرائيلي حجراً تلو الحجر حتى انهياره.
- وهذه النظرة الاستراتيجية هي التي كانت وراء تعنُت السنوار طوال الحرب، وبقي على تعنته حتى عندما رأى جيش "المخربين" القوي الذي أقامه يدمره الجيش الإسرائيلي بصورة منهجية. وقد فوجئ كثيراً من خوض إسرائيل حرباً طويلة إلى هذا الحد، فالصمود كان ميزة بارزة من ميزات"حماس"، وليس إسرائيل. لم يعتقد السنوار أن إسرائيل ستصمد في وجه الضغط الدولي الذي سينشأ بسبب الأذى الكبير الذي لحق بالمدنيين الغزيين، وكان متأكداً من أن إسرائيل ستلاقي صعوبة في مواجهة المعضلات التي فرضها عليها في مسألة المخطوفين. وفي هذه الأيام، فإن أغلبية الصحف العربية تعالج انهيار استراتيجيا السنوار، وخصوصاً فشله في التنبؤ بصورة مسبقة بموقف إسرائيل والتحديدات التي تمثلها قضية المخطوفين.
الهدف والفشل في تقسيم إسرائيل من الداخل
- في الأشهر الأخيرة، ظهرت مؤشرات تدل على أن السنوار أدرك أنه خسر، سواء مع صفقة أو من دونها، وليس من قبيل الصدفة أنه قطع الاتصال لأسابيع طويلة قبل أن يُقتل، كما ليس صدفة أنه في الأيام الأخيرة كان يتحرك وكأنه يتمنى الموت، وكان موجوداً بين رجاله، بعكس المنطق الذي يقضي بأن يعمل كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية في مكان آمن من أجل مواصلة القتال. صحيح أن الجيش الإسرائيلي قام بإغلاق الأنفاق في منطقة رفح بصورة منهجية بصورة كاملة، لكن يمكن افتراض أن السنوار كان قادراً على إيجاد مكان يختبئ فيه أفضل من المنزل الذي قُتل فيه. وفي وضع ذهني قدريّ كهذا، لم يبق أمام السنوار سوى أن يحرص على أن يترك وراءه إرثاً يكون فيه صلاح الدين الفلسطيني، والاستمرار في تقسيم الإسرائيليين من الداخل.
- وكما فتح اغتيال نصر الله الباب أمام نائبه وخليفته نعيم قاسم كي يقترح وقفاً لإطلاق النار من دون اشتراط وقف الحرب في غزة، فإن مقتل السنوار كذلك سيسمح لخليفته بفرصة انتهاج توجه أكثر براغماتية في المفاوضات. ومن الورثة الممكنين: خليل الحية، وخالد مشعل، ومحمد السنوار، وهؤلاء لا يقلون تشدداً عن [يحيى] السنوار. ومع ذلك، فعلى افتراض أنهم لا يريدون إنهاء حياتهم كهاشم صفي الدين، الذي خَلَف نصر الله لأيام قصيرة، وهم يريدون إنقاذ حركتهم، فإن إمكان أن ينتهجوا مقاربة براغماتية لا تزال قائمة. وإذا فهمنا أن مرونة كهذه، إذا حدثت، فهي تتطلب مزيداً من الوقت، فسيكون من السابق لأوانه اعتبار نتائج اغتيال السنوار مخيبة للأمل.
- بحسب كل المؤشرات، وبصورة تتطابق جيداً مع استراتيجيته، فقد خطط السنوار لمواصلة القتال والاحتفاظ بالمخطوفين كبطاقة تأمين من أجل المحافظة على بقاء حركته، وكأداة للضغط على إسرائيل طول سنوات حتى بعد الصفقة. وليس صدفة أنه رفض تسليم قائمة بالمخطوفين الذين على قيد الحياة، كما ليس صدفة أن "حماس" ادعت بشدة أنها لا تعرف مكان كل المخطوفين، وليس صدفة أنها كذبت بشأن الموت المفترض لمخطوفين تبيّن أنهم على قيد الحياة؛ كنواه أرغماني. جميع هذه الوسائل كان من المفترض أن تمنح "حماس" القدرة من وقت إلى آخر على تحرير مخطوف خلال سنوات والمتاجرة به، والهدف من ذلك كان كبح هجوم مستقبلي على غزة، وابتزاز إنجازات أُخرى، والاستمرار في تعذيب المجتمع الإسرائيلي بالمعضلات الناتجة من هذا الابتزاز. ومن هنا، فإن القضاء على السنوار يحمل إمكان حدوث تغيير في استراتيجيا الاحتفاظ بالرهائن إلى الأبد.
الوضع الجديد يدفع بالمنطقة نحو التسوية
- على الصعيد الجيو - سياسي، يفتح القضاء على السنوار الباب أمام تغيير جوهري في موازين القوى داخل "حماس"، وخصوصاً بين القيادة في الخارج والقيادة في غزة التي وصلت إلى حد الانهيار مع مقتل السنوار. وتحت قيادة السنوار، تحولت الحركة في السنة الأخيرة إلى تنظيم شديد المركزية، وهذه العملية تتناقض بصورة جذرية مع الحمض النووي للحركة، الذي يعتمد على التشاور الدائم (مجلس الشورى) والتوصل إلى "إجماع" بين القادة، وغياب السنوار يمكن أن يسمح لقيادة الخارج بالتأثير أكثر في اتخاذ القرارات، وهذا يتعلق إلى حد كبير بقدرة خليفة السنوار على التخلي عن الأوامر التي تركها وراءه، وانتهاج سياسة أكثر براغماتية. وكنعيم قاسم نائب نصر الله وخليفته، فإن ورثة السنوار يمكن أن يستنتجوا أن الزمن لا يعمل لمصلحة المخطوفين فقط، بل أيضاً ضدهم شخصياً، وضد حركتهم.
- إن الوساطة التي تقوم بها قطر ومصر تزداد أهمية في الوضع الحالي، ويمكن أن تؤدي إلى صفقة، وإسرائيل، كما يبدو من مهمة رئيس الموساد، تجس النبض بشأن صفقة جديدة؛ فقد تغيرت الأوضاع لمصلحتها من زاوية غزة، سواء عبر الاعتماد الفاشل على حزب الله الذي يقاتل الآن دفاعاً عن وجوده، أو عبر الاعتماد على إيران التي اضطرت إلى دخول مواجهة مباشرة مع إسرائيل. إن الحرية العملانية لإسرائيل في قطاع غزة تسمح لها الآن بالقبول بالانسحاب انطلاقاً من فهم واضح بأنها ستعود عند الحاجة إلى منع "حماس" من الظهور مجدداً، ويجب الأخذ في الحسبان إطلاق سراح عدد محدود من الأسرى الفلسطينيين، والامتناع من إطلاق التصريحات الضيقة الأفق كـ"الكل في مقابل الكل"، فإطلاق عدد كبير من الأسرى سيسمح لـ"حماس" بالتعافي بسرعة عبر التحاق آلاف "المخربين" من ذوي التجربة بها. يجب علينا ألاّ نتصرف كسائح غربي ساذج في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما أن "حماس" لم تضع هذا الشرط للإفراج عن الأسرى.