ترامب، من دون كوابح
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- يبشّر انتصار دونالد ترامب الساحق في الانتخابات الرئاسية بمرحلة جديدة في أميركا، داخلياً، وأيضاً في الساحة الدولية. فبعكس انتصاره في سنة2016، هذه المرة، فاز ترامب أيضاً بعدد الناخبين العام بفارق غير متوقع، وبفجوة، على منافسته، وهو ما يمنحه شرعية كاملة كقائد منتخب بشكل ديمقراطي، ولا يمكن الطعن بذلك.
- حقيقة أن الجمهوريين سيسيطرون أيضاً على مجلسَي النواب والشيوخ ستسمح لترامب بحُرية عمل كاملة لتطبيق سياساته، وضمنها السياسات الخارجية للولايات المتحدة، مع التشديد على الشرق الأوسط، وطبعاً العلاقات مع إسرائيل.
- نحن نتحدث هنا عن 4 أعوام من السياسة الخارجية الفاشلة لواشنطن، والتي تجلت في غياب الردع لروسيا بعد اجتياحها أوكرانيا، والتخلي عن الحلفاء في أفغانستان، وطبعاً، الفشل المطلق في تحرير المخطوفين ووقف القتال في غزة ولبنان، وفي مواجهة إيران. خلال الأعوام الأربعة، فقدت الولايات المتحدة قدرتها على الردع في مقابل أعدائها إلى حد بعيد، وأيضاً تأثيرها في حلفائها.
- ترامب الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته سيكون متحرراً الآن من جميع الضغوط السياسية خلال ولايته الثانية. إنه يفهم الآن أن التاريخ سيحكم عليه، استناداً إلى الأفعال، وليس إلى أقوال الحملات الانتخابية، وحصل على فرصة ثانية لن تتكرر من أجل مسح سجلّه المظلم، والعمل على استقرار كوني. شرط ذلك هو تجديد وتقوية قوة الردع الأميركية التي ستستفيد أيضاً من تصرفات ترامب غير المتوقعة، ولديه لهجة تهديد ستدفع الحلفاء، وأيضاً الأعداء، إلى الانصياع. لذلك، ستتميز إدارة ترامب، على ما يبدو، بميلها الانعزالي، لكن الحاجة إلى التدخل الأميركي في مناطق التأثير سيتقلص مع تجدد قوة الردع. هذا ما سيمنع، على سبيل المثال، حالات التردد بشأن إرسال قوات أميركية إلى مناطق مختلفة في العالم.
- أمّا بخصوص تعامُل ترامب مع إسرائيل عموماً، ومع نتنياهو بشكل خاص، فلا يجب أن نتوقع سلوكاً عاطفياً، مثلما جرى مع بايدن، إنما السعي لتحقيق إنجازات تاريخية يمكن أن تغيّر الشرق الأوسط بشكل جوهري: توسيع اتفاقات أبراهام والتطبيع مع السعودية، وتقوية التحالف الداعم لأميركا، إلى جانب عزل إيران، وهو ما سيمنح إسرائيل أفضلية كبيرة جداً، بثمن محتمل، هو عملية سياسية حيال الفلسطينيين. وفي هذا السياق، من المهم التذكير بما تتجاهله حكومتنا المتطرفة، وهو أن "صفقة القرن" الخاصة بإدارة ترامب السابقة (2019) تضمنت رؤيا "حل الدولتين". وسيكون هامش الحركة لدى نتنياهو مع ترامب محدوداً، مقارنةً بما كانت عليه الحال خلال ولاية بايدن.
- ترامب أيضاً سيعزز مكانة إسرائيل في العالم، مثلما جرى في ولايته الأولى. هذا سيتجلى في أنه لن يسمح للأمم المتحدة والمنظمات الدولية بإذلال إسرائيل - ونذكر في هذا السياق أنه هدد بوقف تمويل المنظمات الدولية التي تعامل إسرائيل بطريقة سيئة، حتى إنه أخرج الولايات المتحدة من اليونسكو. وعندما تدافع الولايات المتحدة عن إسرائيل أمام التحريض والإدانات، فإن أغلبية دول العالم تتماشى مع هذا الخط، وبصورة خاصة دول أوروبا.
- يبدو أن المساعدات العسكرية لإسرائيل ستواجه تحديات مع إدارة ترامب. فالرئيس الجديد رجل أعمال مخضرم، وسيطالب بدفع ثمن هذه المساعدات بالكامل. وسيكون من الأفضل لإسرائيل ألّا تنتظر حُكم ترامب، وأن تبادر بنفسها إلى وقف هذه المساعدات بالتدريج، في مقابل تعميق التعاون العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي مع واشنطن. هذه القضايا كلها ستكون في صلب العلاقات بيننا وبين الولايات المتحدة بشكل يؤثر في مكانتنا الإقليمية والدولية، وأيضاً من الممكن أن تؤثر في مكانتنا السياسية الداخلية في إسرائيل.
- إنها بداية جديدة، تتضمن مفاجآت غير متوقعة، لكن هناك فرصة كبيرة أيضاً. التحديات الكبيرة أمام إسرائيل في مجالات الأمن والاقتصاد والقضايا السياسية والاجتماعية الداخلية تتطلب سياسة حكومية جريئة وذكية، وفي الأساس، نظرة بعيدة المدى، معنية بحل الإشكالات الأساسية وإبعاد المخاطر.