لا تطلقوا اسم العداء للسامية جزافاً
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يجب أن نضيف أمراً إلى الوصايا العشر: "لا تطلقوا اسم العداء للسامية والمحرقة جزافاً"، لأن إسرائيل الرسمية تستخدم هذين المصطلحين بصورة مضخمة ومسيئة، وتقوّض النضال الحقيقي ضد العداء للسامية وإنكار المحرقة.
- تشكل حادثة أمستردام تجسيداً للحاجة إلى مثل هذا الكلام: فور توارُد الأنباء بشأن الكمين الذي نصبه مؤيدون للفلسطينيين لمشجعي فريق "مكابي تل أبيب" لكرة القدم، جرى فوراً استخدام مصطلح "المذبحة"، حتى إنه جرى ذِكر "ليلة الكريستال" وآن فرانك. وأن المقصود ليس فقط "مذبحة" معادية للسامية، بل أيضاً حادثة أشبه بالمحرقة. وكان الرد الرسمي الإسرائيلي التالي: في صباح يوم الجمعة، تنافس الناطقون باسم الحكومة وبأسمائهم الشخصية فيما بينهم على اعتبار الحادثة تجربة محرقة وتحدياً وجودياً إسرائيلياً - صهيونياً. ووصل مسؤولان إسرائيليان رفيعا المستوى إلى هولندا من أجل ابتزاز السلطات الهولندية السياسية، بقدر استطاعتهما، من خلال الكلام عن "العداء للسامية"؛ أمّا الجيش الإسرائيلي، الذي كان من المفترض به إنقاذ المخطوفين من أنفاق غزة منذ أكثر من عام، فقد أرسل وفداً "إنقاذياً" إلى أمستردام. حتى إن الحريديم قرروا السماح لمشجعي فريق كرة القدم بالسفر خلال يوم السبت المقدس.
- السلوك العنيف لمشجعي كرة القدم من الضواحي معروف، وحقيقة وصول ما بين 5 و10 من ضحايا حادثة العنف إلى المستشفى، لا تجعل ما حدث "مذبحة" على مستوى يتطلب تعبئة كثيفة لدولة إسرائيل كي تقف موقفاً صارماً، كأنها في مواجهة تحدٍّ من نوع 7 أكتوبر الذي شهد "مذبحة" حقيقية على أرضها، وليس على أرض غريبة. من المعروف أن هولندا دولة ذات سيادة، وقادرة على معالجة العنف على أراضيها من دون مساعدة جيش أجنبي، ومن دون تدخّل دولة أجنبية، وهذا يتعدى الأطر المقبولة. والحساسون إزاء أسس الديمقراطية الليبرالية ليسوا في عجلة من أمرهم للتواصل مع خيرت فيلدرز اليميني المتطرف [عضو في مجلس النواب الهولندي وزعيم حزب من أجل الحرية] لنقل رسالة سياسية.
- لكن في أساس الأمر ما قمنا به نحن، والحافز على الهجوم على مشجعي "مكابي تل أبيب" هو حافز سياسي: منذ أكثر من سنة، يتفاعل الناس في كل العالم مع الأخبار والصور الواردة من قطاع غزة، ومن المناطق المحتلة. يردّ الفلسطينيون ومؤيدوهم بصورة منظمة، وأحياناً كثيرة بعنف. وهذا لا يقتصر على هولندا فقط. في إسرائيل، لا يذكرون غير 7 أكتوبر، ويتفاجأون عندما يكتبون عمّا جرى منذ ذلك الحين.
- الحجة الإسرائيلية "هم الذين بدأوا" تفقد قوتها كلما طالت الحرب في غزة، وكلما أدرك العالم أن إسرائيل هي التي تساهم في إطالة أمدها. لقد ازدادت المواجهة حدةً على خلفية الموضوع الفلسطيني خلال الحرب، والأذى الذي لحِق بمشجعي فريق كرة القدم الإسرائيلي عبارة عن "أضرار جانبية" لهذه المواجهة. إن المارة الذين يرون إسرائيلياً يمزق علم فلسطين، أو مشجعي كرة قدم ينشدون أناشيد نازية ضد العرب في شوارع أمستردام، لا يعرفون فقط ما يجري، بل يعرفون أيضاً كيف يمكن أن يتطور. فبمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها مشجّعو كرة القدم كثيراً، من السهل إعداد كمين. وما جرى هو انزلاق للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني إلى خارج الشرق الأوسط. وفي هذا الانزلاق، يشكل استخدام الفلسطينيين والمسلمين، أو المؤيدين لهم، العنف ضد المضطهدين جزءاً منه.
- ومن أجل الخروج من هذا الوضع، وبدلاً من التخفيف من حدة النزاع، يستخدم السلوك الآلي الإسرائيلي كلمتين سحريتين: العداء للسامية والمحرقة. وهذا ما نفعله هذه المرة أيضاً. والقرب من تاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر [ليلة الكريستال] يشكل أداة تكتيكية ممتازة من أجل إحياء عذاب الضمير لدى الأوروبيين عموماً، ولدى الهولنديين خصوصاً. وفي مثل هذا الوضع، لا يُطرح السؤال الأساسي: كيف يمكن أن تتحول الانتقادات الموجهة إلى السياسة الإسرائيلية إلى تقويض لشرعية قيام دولة إسرائيل، أو أن تصبح عداءً للسامية؟ تبذل إسرائيل الرسمية جهدها لكي تضع كل سلوك انتقادي حيالها (لا ننسى أن لاهاي موجودة في هولندا) ضمن إطار العداء للسامية، ومنع أيّ نقاش موضوعي في الأحداث وأسبابها.
- مَن يهتم بموضوع العداء للسامية يعرف أن هذا الأساس موجود في الموقف السلبي حيال إسرائيل. الأحكام المسبقة التي تصنَّف على أنها معادية للسامية تؤدي دوراً في الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل، وتزداد كلما وقعت حادثة عنف بين الطرفين، إسرائيل والفلسطينيين. وكذلك سمحت الحرب خلال سنة بعودة ظهور المواقف المعادية للسامية. ولهذا السبب تحديداً، في كل حادثة وكل نزاع عنيف، من الضروري إعادة فحص الحدود بين ما هو معادٍ للسامية، وما هو غير معادٍ لها. ويجب أن نعلم أن الاستخدام المبالغ فيه لمصطلحَي "العداء للسامية" و"المحرقة" يؤدي إلى تآكل تأثيرهما.
- يجب الاهتمام أيضاً بمصطلح آخر في الرد التاريخي الذي جرى التعبير عنه في يوم الجمعة الماضية: تقدم إسرائيل نفسها بصفتها دولة يهودية تمثل الشأن اليهودي حصرياً، وبذلك هي تسمح لمن يتوجه إليها، أو يرد عليها باستخدام مصطلح "اليهود"، بدلاً من "الإسرائيليين". إن مجرد هذه الحصرية تسمح للطرف الثاني، ليس فقط باستخدام مصطلح "يهودي"، بل تتيح له أيضاً التعامل معها بكلمات وأحكام مسبقة مستقاة من المخزون التاريخي المعادي للسامية.
- وهنا ذروة العبث. إسرائيل التي تدّعي أنها تمثل اليهود كلهم، تجعل اليهود في العالم أكثر عرضةً للأذى، ولا تحميهم بسبب وجود دولة إسرائيل والمستوطنات. لقد لاحظ اليهود في العالم ذلك، لقد أصبحوا رهائن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. هناك ما هو أكثر من ذلك، إن دولة إسرائيل التي لم تنجح في منع "مذبحة " طالت أكثر من ألف إسرائيلي على أراضيها، هم في أغلبيتهم من اليهود، هل يمكنها أن تضمن إنقاذ اليهود خارج أراضيها؟ أو أن تكون مرساة خلاص ليهود الشتات؟