مَن يجرؤ على الخروج إلى الشوارع للمطالبة بوقف الضم في دولة لا توجد فيها معارضة حقيقية؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "ستكون سنة 2025 سنة السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة"، يتعهد وزير المستوطنات بتسلئيل سموتريتش، الذي ينوي المبادرة إلى إصدار قرار عن الحكومة يحوّل الرؤيا المجنونة إلى واقع.
  • ربما من المخيّب للآمال أنه اكتفى بالضفة، ولم يتطلع إلى نشر سيطرة إسرائيل على قطاع غزة، ولم يذكر إمكان التوسع اليهودي في الجنوب اللبناني. صحيح أن المكانة الأيديولوجية للقطاع ولبنان أقل أهميةً بكثير من الضفة الغربية، لكن عندما ينص الأساس الاستراتيجي الصهيوني على أنه حيثما يوجد يهود، يوجد الجيش الذي يدافع عن أمن الدولة، وأيّ تنازُل عن ذلك يشكل تهديداً حقيقياً للدولة ومواطنيها، ولن يبقى حينئذ سوى أن ننتظر أن تبدأ جرافات الجيش الإسرائيلي بتسوية الأرض، تحضيراً لاستيعاب جموع المستوطنين، وأن ننتظر إصدار مناقصات وتوزيع قطع الأرض في نافيه جباليا ورامات بيت لاهيا، والتي من المرجح أنها ستحمل أسماء جديدة، وستكون هناك شوارع بأسماء المخطوفين وتماثيل للذين سقطوا من أجل تحرير غزة.
  • ظاهرياً، تبدو وعود سموتريتش مجرد أوهام. لكن وزير الاحتلال متأكد من أنه سيقنع دونالد ترامب بالموافقة على الضم، إذا وضع بعض المستوطنات باسمه وبأسماء أفراد عائلته. لكن حتى لو رغب ترامب في ذلك، ثمة شك في أن نجد دولة أُخرى في العالم ستقبل إقامة علاقات مع إسرائيل، ويمكن الافتراض كذلك أن الدول العربية التي وقّعت اتفاقات سلام معها ستعيد مفاتيح سفاراتها.
  • لكن هذا التصور انهزامي يميز مَن لا يؤمن بالنصر المطلق. بعد عام تقريباً من العزلة الدولية، وإلغاء الرحلات، وهجمات المُعادين للسامية على مشجعي فريق كرة القدم الإسرائيلي، والمقاطعة في المجتمع الأكاديمي، وإلغاء صفقات مع شركات إسرائيلية، تعوّد الإسرائيليون على العيش كلاجئين في أرضهم، واستوعبوا أن هذا كله ممكن من دون قضاء عطلة في هولندا، أو فرنسا. ما دام السلام مع دول عربية لم يدافع عن مستوطنات "غلاف غزة"، ولم يمنع اقتلاع عشرات الآلاف من الإسرائيليين من منازلهم، فإنه من الممكن العيش من دونه.
  • صحيح أن الضم معناه ابتلاع أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في داخل إسرائيل الموسعة. لكن لا داعي للذعر، إن "خطة الحسم" لسموتريتش تقترح حلاً منظماً ومحكماً: "بالنسبة إلى العرب الذين سيختارون البقاء هنا كأفراد والاستفادة من كل ما يمكن أن تمنحه إسرائيل لهم، عليهم أن يحددوا نموذجاً للإقامة يتضمن إدارة ذاتية، بالإضافة إلى الحقوق والواجبات الفردية. يتعين على العرب في "يهودا والسامرة" إدارة حياتهم اليومية في البداية بأنفسهم بواسطة إدارات بلدية محلية لا تحمل أيّ طابع قومي... لاحقاً، ومع تقدُّم العملية واستيعابها، وعلى قاعدة الولاء والخدمة العسكرية، أو الوطنية، يمكن أن ندمج نماذج من الإقامة، وحتى الجنسية". هل يوجد ما هو أكثر إنسانيةً وديمقراطيةً من هذا؟
  • صحيح أنه حتى تكتمل "العملية"، ستضطر إسرائيل إلى أن تكرّس في قانونها وإجراءاتها نظام فصل عنصري رسمياً شاملاً على كل أراضيها، وليس فقط على أراضي الضفة، وسيكون هذا موقتاً لعشرات السنوات، فقط حتى يجري إدخاله في الوعي الوطني الفلسطيني. أكثر من ذلك، لمنع التمييز بين الجماعات الفلسطينية، فإن وضع المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين سيكون مساوياً لوضع الفلسطينيين "الجدد"، ولأن الدين والعرق هما اللذان سيحددان الحقوق. لا يوجد في هذا ابتكار كبير، لأن أساس النظرية العنصرية اليهودية وُضعت من خلال قانون القومية، وفي النهاية، يجب فقط توسيعه قليلاً لكي يتوافق مع المعايير التي وضعها سموتريتش.
  • لن نجد وقتاً أفضل للضم من الآن، في دولة لا تشبع رغبتها في الانتقام، وتتخطى فيها معارضة حل الدولتين الحدود الحزبية والاجتماعية والاقتصادية، وفي دولة ليست مستعدة لإنهاء حرب لا ضرورة لها من أجل إنقاذ مخطوفيها، مَن يجرؤ على الخروج إلى الشوارع لوقف الضم؟

 

 

المزيد ضمن العدد