عودة بوتين: المصلحة الروسية الأساسية للتوسط بين إسرائيل ولبنان
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • شهدنا في الأيام الأخيرة خطوات مهمة في اتجاه وقف إطلاق نار محتمل في لبنان. حدث هذا في وقت تحولت روسيا إلى وسيط له دور أساسي في الاتفاق الذي تجري بلورته. تستند الاعتبارات الإسرائيلية إلى احتمال أن يُصدر مجلس الأمن في الأمم المتحدة قراراً يطالب بوقف الحرب في لبنان لا ينسجم مع الشروط التي تريدها إسرائيل في هذا الإطار، والتخوف من امتناع الولايات المتحدة من استخدام الفيتو.
  • هذا بالإضافة إلى الافتراض أن الضغوط السياسية ستستمر في الشهرين المقبلين، بعد تبدّل السلطة في واشنطن ودخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. مع ذلك، يبدو هذا القرار متهوراً ويتناقض مع مصالح إسرائيل في المعركة الحالية ضد المحور الإيراني.
  • في هذا  الإطار، وبحسب الاتفاق الذي تجري بلورته بوساطة روسية، يبدو أن هذه الوساطة ستعطي دفعاً كبيراً للتحالف الاستراتيجي في المنطقة بين روسيا وإيران، وسيؤثر سلباً في مكانة إسرائيل في المنطقة.
  • لقد تحول التحالف السياسي - العسكري مع إيران إلى ركيزة استراتيجية، بالنسبة إلى الروس في الشرق الأوسط، تستخدمها روسيا من أجل خلق توازُن قوى كبير في مواجهة تحالفات غربية أُخرى في المنطقة. ويترسخ هذا التحالف، ويزداد قوةً منذ نشوب الحرب في أوكرانيا في سنة 2022، كما أن العقوبات الغربية المفروضة على الدولتين عززت حاجتهما إلى تعاون متبادل، فبدأت إيران بتزويد روسيا بالسلاح المتطور، وبالمسيّرات من نوع "شاهد" التي استخدمها الروس في حربهم في أوكرانيا. كما حصل الروس على صواريخ باليستية قصيرة المدى، سمحت لهم بمواصلة الهجمات على أوكرانيا، وهو ما جعل هذه الشراكة الاستراتيجية ضرورية من أجل الجهود العسكرية الروسية.
  • بالإضافة إلى ذلك، وضمن إطار التحالف مع إيران، عززت روسيا علاقتها بأذرع الحرس الثوري الإيراني، وبينها حزب الله. لقد ازداد التعاون بين روسيا وبين التنظيم "الإرهابي" بسبب مصالحهما المشتركة في سورية. منذ بدء التدخل الروسي في سورية في سنة 2015، عمل حزب الله بالتنسيق مع القوات الروسية من أجل الدفاع عن النظام السوري. والتنسيق الناجح بين سلاح الجو الروسي وبين قوات حزب الله البرية أثبت نفسه في المعركة الحاسمة التي دارت في حلب في سنة 2016.
  • لاحقاً، تعمّق التعاون أيضاً خارج سورية عندما ساعدت روسيا حزب الله بالسلاح، وقدمت له معرفة تكتيكية حصلت عليها خلال الحرب في أوكرانيا، وهذا السلاح وهذه المعرفة يستخدمهما حزب الله الآن في الحرب ضد إسرائيل. كذلك، زودت روسيا حزب الله بصواريخ "ياخونت" القادرة على ضرب أهداف بحرية من مسافة بعيدة، وبسرعة كبيرة، الأمر الذي شكّل تهديداً للقوات البحرية الأميركية في البحر المتوسط. هذه الشراكة مع حزب الله رسّخت موطىء القدم الروسية من الناحيتين العسكرية والسياسية في لبنان، وساعدت روسيا على الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من خلال استخدام الشبكات المالية غير القانونية للحزب من أجل تحويل المساعدات والتمويل.
  • في المقابل، يحظى الحوثيون أيضاً بدعم روسيا. ومؤخراً، وعلى الرغم من المساعي الدبلوماسية الأميركية لمنع ذلك، فإن روسيا نجحت في ترتيب تحويل شحنة من السلاح إلى الحوثيين من خلال استخدام إيران كوسيطة. وهكذا سيحصل الحوثيون على مساعدات عسكرية تزيد في نفوذ روسيا في منطقة البحر الأحمر، وتعطي  الحوثيين القدرة على ضرب السفن الغربية.
  • وكلما تعمّق القتال بين إسرائيل وبين المحور الإيراني، كلما قويَ الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه روسيا إلى إيران وأذرعها في المنطقة. وبالإضافة إلى المساعدة العسكرية، دعمت روسيا إيران وحزب الله سياسياً، وحرصت على إدانة إسرائيل على كل عملية قامت بها ضد إيران وأذرعها، على سبيل المثال، عملية اغتيال نصر الله التي وصفتها روسيا بالجريمة السياسية، واتهمت إسرائيل أكثر من مرة بأن عملياتها ستؤدي إلى تصعيد شامل في المنطقة.
  • مع هذا كله، تقدم روسيا نفسها كوسيطة محتملة بين إسرائيل ولبنان، وفعلاً طالب لبنان بذلك. بالنسبة إلى روسيا، إن دورها كوسيط مهم لأنه يعطي دفعاً للعلاقات بين روسيا وإيران وأذرعها، ويجعل منها حليفاً استراتيجياً. ويدل هذا السلوك على سياسة مزدوجة: من جهة، روسيا تموضِع نفسها كوسيط محتمل ولاعب سياسي شرعي في المنطقة، ومن جهة ثانية، فإنها تقدم المساعدة للأطراف المعادية للغرب ولإسرائيل.
  • إن المساعي لوقف إطلاق النار مع روسيا كوسيطة هي إشكالية، ولا تخدم المصالح الإسرائيلية الطويلة الأمد، لعدة أسباب، هي:
  • أولاً، هي تمنح روسيا المكانة التي تطمح إلى تحقيقها كدولة عظمى عالمية ذات نفوذ في المنطقة، وتُضعف، أكثر فأكثر، نفوذ الولايات المتحدة ووجودها اللذين تراجعا كثيراً خلال فترة حُكم بايدن.
  • ثانياً، سيعطي هذا الأمر دفعاً  للتحالف الاستراتيجي بين إيران وروسيا، وسيعزز روسيا كحليفة استراتيجية في المنطقة، الأمر الذي سيدفع دولاً أُخرى إلى التفكير في السعي لتوثيق العلاقات مع روسيا وحلفائها أكثر مما هي عليه مع الولايات المتحدة، الأمر الذي سيُضعف المكانة الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة.
  • ثالثاً، كون المستوى السياسي يعترف بالمساعدة التي تقدمها روسيا لحزب الله وإيران، يمكن التشكيك كثيراً في احتمال أن تمنع روسيا تسلّح حزب الله. في مثل هذه الحالة، تجدر الإشارة إلى أهمية سورية والإمكانات السياسية والعسكرية التي لدى إسرائيل لخلق أدوات ضغط سياسية على روسيا. خلال العام الماضي، عمل الروس على إبعاد الحرس الثوري عن مناطق استراتيجية في سورية كي لا يتعرضوا لخطر هجمات سلاح الجو الإسرائيلي. بالنسبة إلى روسيا، يمثل وجودها في سورية مصلحة عليا، وله أهمية حاسمة في تأثيرها في المنطقة. ويمكن لإسرائيل أن تستغل ذلك لمصالحها.
  • في الخلاصة، الفترة المقبلة لتبدّل السلطة في الولايات المتحدة  تنطوي على مخاطر كثيرة. من جهة، لدى إسرائيل فرصة وهامش للمناورة السياسية التي يمكن بواسطتها زيادة الضغط على لبنان واستخدام إنجازاتها بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض. بافتراض أنه سيعزز النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من جديد.
  • ضمن هذا الإطار، على إسرائيل تكثيف عملها السياسي مع الإدارة الأميركية الجديدة لترامب، وأن تعرض عليها "حلقة النار" الروسية - الإيرانية الموجودة في المنطقة، وتشدد على المصلحة الأميركية في التضييق على إيران، وعلى أذرعها وحلفائها في الشرق الأوسط.

 

 

المزيد ضمن العدد