إذا جرى الضم، فلن يكون هنا دولة يهودية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يمكن أن يكون الضم هو الوحيد الذي يمكنّنا من الوصول إلى دولة إسرائيلية في نهاية المطاف. تكون دولة متجذرة في المكان، وجزءاً من المنطقة التي تقع فيها. دولة لا تغرق في الفجوة المتزايدة بين ما هي عليه فعلاً وما تقوله عن نفسها. هذا لن يحدث فوراً، ومن غير الضروري أن يكون بطريقة جيدة، لكنه ممكن في نهاية المطاف.
- في الحقيقة، لا توجد أيّ أفعال تخطر في البال، حتى تلك التي ترفض اليد كتابتها، يمكن أن تؤدي إلى اختفاء الأشخاص الذين يعيشون بيننا، ملايين الأشخاص يعيشون على أرضهم، مثلما هي أرضنا. لا يهم عدد القرارات القانونية وغير القانونية التي سيتم اتخاذها، وليست مهمة شخصيات المبعوثين الذين سيرسلهم ترامب، أو مَن سيأتي بعده، ولا يهم ما يقولون، لا يهم أيضاً عدد الدبابات والطائرات و"الجدران الحديدية" لدينا.
- فالسياسة، حتى لو حوّلناها إلى إله، لن تستطيع تغيير الواقع قط. وداخل هذا الواقع يوجد أشخاص مع أحلام ومشاعر وطموحات ومصالح وخير وشر وقوة وجود. وهذا الزمن الذي نعيش فيه، كل شيء يخرج إلى الخارج، ويجب التعامل معه. إن قضية الضم ليست سوى نموذج، فلا يمكن الإنكار أنه قائم فعلياً، وأن المناطق المحتلة في اللاوعي الإسرائيلي هي ليست فقط جزءاً من أرض إسرائيل، إنما أيضاً من دولة إسرائيل (على الرغم من أن هذا غير صحيح قانونياً). ولا يمكن أيضاً إنكار أنه على مدار السنين، وتحت حُكم حكومات إسرائيل جميعها، قمنا بتطوير الكذب على النفس بشأن الضفة الغربية، حتى بات أحد الفنون الحقيقية.
- أحد أفضل الأشياء في هذه الأوقات التراجيدية هو حقيقة أن الألعاب المزدوجة تنهار. لم تعد تعمل محاولات الإنكار والحصول على كل شيء وإنكاره، ويجب الحسم في مسألة من أنت وما هي القيم التي تحملها ومن أجل ماذا أنت مستعد للنضال. هذا دائماً مخيف ومؤلم جداً، لكنه أيضاً الوقت الذي تستطيع المجتمعات فيه فحص نفسها من جديد وفحص الرواية والهوية والقيم الخاصة بها.
- وفي هذا السياق، يجب الاعتراف بأن الضم هو ما نقوم به فعلاً، قبل أن يظهر سموتريتش بوقت طويل في حياتنا. وعلى الرغم من أن الإسرائيليين، في أغلبيتهم، لا يعبرون وراء الخط الأخضر، وعلى الرغم من أنهم لا يهتمون بما يحدث هناك، وأن الصورة النمطية هي أنه مكان متدين وهوياتي، فإن إسرائيل ضمت الضفة الغربية منذ وقت طويل في اللاوعي، برعاية المحكمة العليا التي نقاتل من أجلها، وبرعاية الجيش الذي نكون حذرين جداً بشأن الحفاظ على احترامه، وبرعاية الصورة الليبرالية الغربية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الضم المعلن، إذا حدث، لن تكون هنا دولة يهودية، ولا دولة اليهود في المدى البعيد. هذه حقيقة أبسط من حساب اثنين زائد اثنين.
- يمكن أن يكون هذا المزيج الفاسد بين الدين والدولة هو ما سيدفع اليهودية نفسها إلى دفع ثمن ثقيل جداً، أشك فيما إذا كانت تستطيع تحمّله (على الرغم من أنها نجحت في تخطّي أزمات مشابهة على مدار التاريخ). يجب أن يكون هذا واضحاً لكل مَن يشهد التراجع المعرفي والروحاني لليهودية منذ تحولت إلى أداة لخدمة الدولة. وفي هذا السياق، سيوضح الضم في المدى المتوسط أن الثمن الكبير الذي ستدفعه اليهودية بسبب امتزاجها بالدولة سيكون ثقيلاً جداً. ويمكن أن يصل خداع النفس هذا إلى نهايته.
- وكي لا يكون هناك شك- يجب محاربة أفكار، مثل الضم، وكل ما تتضمنه هذه الأفكار. لكن لا يجب أن تكون المحاربة من أجل الحفاظ على ما هو قائم، ولا من أجل البقاء عالقين في الوضع الراهن، الستاتيكو الذي فشل، المرة تلو الأُخرى. إن المعركة الحقيقية ضد الضم يجب أن تكون معركة من أجل بناء روحية إسرائيلية ترتبط بالمكان، ومن أجل خلق حوار يهودي مستقل يدعم محاسبة حادة لجميع المسارات والأخطاء التي أوصلتنا إلى هنا.