تخوّف إيران من ائتلاف هجومي أميركي - إسرائيلي ضدها
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • يمكن توزيع الرسائل الصادرة عن إيران منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات على اتجاهين رئيسيين: التخوف من عودة حملة الضغط الأقصى، وإشارات إلى رغبة طهران في إجراء مفاوضات مع ترامب. لا يزال النظام الإيراني يتذكر السهولة التي أقدمت فيها إدارة ترامب على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020.
  • بالإضافة إلى ذلك، تتخوف طهران من أن يتوقف تجاهُل إدارة بايدن لتصدير النفط والالتفاف على العقوبات. أي إن طهران تتخوف من تعرُّض تصدير النفط، الذي بلغ أرقاماً قياسية في عهد بايدن، لضربة قاسية. مداخيل النفط هذه أدخلت إلى خزينة علي الخامنئي مليارات الدولارات، وهي مهمة جداً من أجل الاقتصاد الإيراني المتعثر، ومن أجل استمرار وصاية إيران على منظومة أذرعها في المنطقة.
  • بناءً على ذلك، بدأت تصدر الآن رسائل تصالحية من طهران، ومن الفريق المقرب من الرئيس مسعود بزشكيان إزاء ترامب، وليس من قبيل الصدفة أن يكون هذا الفريق مؤلفاً من مهندسي الاتفاق النووي مع إدارة أوباما في سنة 2015. لقد عيّن بزشكيان حوله أشخاصاً ينسجمون مع رؤيته في العودة إلى الاتفاق النووي، من أجل ترميم الاقتصاد في إيران، من خلال جذب الاستثمارات ومساعدة النظام الإيراني على رأب الصدع بينه وبين أغلبية الجمهور الإيراني.
  • في إطار هذه الرسائل، أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني في مقابلة في صحيفة "الفايننشيل تايمز" أن طهران تُبقي الباب مفتوحاً للمفاوضات مع ترامب. ودعا وزير الخارجية عباس عراقجي في تغريدة له ترامب إلى عدم ارتكاب "أخطاء الماضي"، وبدلاً من سياسة الضغط الأقصى رقم 2، عليه أن يتبنى سياسية جديدة، "التفهم الأقصى"، المفيدة للجميع، في رأيه.
  • كذلك أرسل نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف رسالة إلى الشعب اليهودي طافحة بالكراهية والسموم حيال إسرائيل الصهيونية، والغرض منها ليس الرد فقط على رسالة نتنياهو إلى الشعب الإيراني، بل أيضاً ليقدم مجدداً وجه طهران المبتسم. أيضاً شدد ظريف على احترام طهران للشعب اليهودي عموماً، ويهود إيران خصوصاً، وتحدث عن إيران كدولة تتطلع إلى السلام الإقليمي، وتبديد التوترات، وكدولة حضارية تحترم حقوق الإنسان.
  • الهدف من هذه الرسائل التصالحية والوجوه المبتسمة الرد على أكبر ثاني كابوس بالنسبة إلى النظام الإيراني، بعد كابوس الثورة الأهلية الوطنية في إيران، أي نشوء ائتلاف هجومي أميركي - إسرائيلي ضد إيران، يمكن أن يجذب نحوه أطرافاً أُخرى من المنطقة، ويساعد الشعب الإيراني على تحقيق تطلّعه إلى الحرية.
  • ومن المتوقع دخول طهران في الولاية الثانية من عهد ترامب، وهي في وضع أقل راحةً مما كانت عليه في بداية الولاية الأولى لترامب في سنة 2017؛ فحزب الله، الذراع الاستراتيجية الأولى في المنطقة، وفي أنحاء العالم، ضُرب بقوة على يد إسرائيل؛ وإيران نفسها في حالة تبادُل للضربات مع إسرائيل، وأرصدتها (وفي طليعتها النووي) عرضة لهجمات عسكرية، بعد أعوام طويلة حرص الخامنئي خلالها على إبقاء المشروع النووي خارج حلقة النار؛ وهناك تعمّق أزمة الشرعية الداخلية للنظام، حسبما ظهر من خلال نسبة التصويت الأكثر تدنياً  في تاريخ النظام؛ وكذلك تواجه الشرعية الدولية لإيران، مؤخراً، تحديات بسبب التوترات في العلاقات مع دول أوروبية؛ شكّل هجوم "حماس" في 7 أكتوبر ضربة قاسية إلى إسرائيل، وللمرة الأولى، جرى تفعيل كل منظومة الأذرع الإيرانية في آن معاً في الحرب ضد إسرائيل، لكن في الوقت عينه، زاد هذا الأمر في حدة الفهم الإسرائيلي لضرورة القضاء على تهديد، مصدره الأذرع الإيرانية والنظام الإيراني نفسه؛ وفي النهاية، الضربة القاسية التي وجّهتها إسرائيل إلى "حماس"، وإلى الجهاد الإسلامي، ألحقت الضرر بحلقة النار التي أقامتها إيران حولها، وأيضاً الضربات التي وُجهت إلى قيادة فيلق القدس منذ نشوب الحرب، تدل على تغيير جوهري في المواجهة الإسرائيلية المباشرة التي تخوضها ضد أذرع إيران.
  • في ضوء هذا كله، ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، اندفعت إيران نحو السلاح النووي، كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة النووية، وتفكر للمرة الأولى في تغيير صورة عقيدتها النووية، في ضوء التآكل الكبير في قوة ردعها في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخامنئي يبدو، حتى الآن، كأنه يعلم بالمخاطر التي تكمن في النظام، إذا قرر اتخاذ خطوة حاسمة كهذه، وخصوصاً بعد أن ألحقت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة الضرر بعتاد متطور في منشأة بارشين التي تمثل عنق الزجاجة في إنتاج السلاح النووي، حسبما تحدث عن ذلك مراسل "هآرتس" باراك رابيد، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين كبار.
  • بناءً على ذلك، فإن التخوف في طهران هو من الربط بين القدرات التكنولوجية والاستخباراتية الإسرائيلية وبين مجموعة القدرات الأميركية الكبيرة ضد إيران، سواء على المستوى الهجومي، أو على المستوى الاقتصادي. ويتضاعف هذا التخوف في ضوء التركيبة الصقرية التي أنشأها ترامب حوله حتى الآن، والتي تمتاز بأشخاص معروفين بعدائهم للنظام الإيراني وتأييدهم لإسرائيل.
  • في الخلاصة، على إسرائيل أن تبلور مع إدارة ترامب استراتيجيا شاملة لمعالجة التحدي الإيراني. ويجب أن تبدأ هذه الاستراتيجيا من المكان الذي فشلت فيه، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في سنة 2018، من دون أن يطرح استراتيجيا منهجية، إذا لم تتراجع إيران، على الرغم من الضغوط الاقتصادية عليها. ويجب أن تتضمن هذه الاستراتيجيا مبادىء تسمح بقيام نظام إقليمي جديد، يشكل تحدياً للتدخل الإيراني في المنطقة.
  • إلى جانب هذا، يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة استغلال ضُعف إيران الحالي، على الأقل من أجل الضغط على الخامنئي لدفعه إلى "شرب الكأس المسمومة" وقبول اتفاق محسّن، وفق شروط الولايات المتحدة وإسرائيل معاً. إن حملة من الضغط الاقتصادي الأقصى، مدعومة بتهديد عسكري موثوق به ومؤكد، يمكن أن تدفع الخامنئي إلى الزاوية.