إسرائيل قررت: بقاء الجيش في غزة طوال الأعوام المقبلة
تاريخ المقال
المصدر
- طوال فترة الحرب، تكررت التساؤلات عمّا إذا كان لدى دولة إسرائيل استراتيجية خروج من القتال مع "حماس"، والمستمر في غزة منذ أكثر من عام. إذا أعدنا استخدام السؤال الذي استُهلك كثيراً، يمكننا أن نتساءل: هل لدى إسرائيل خطة "لليوم التالي للحرب" في غزة؟
- في الأسابيع الأخيرة، ومن خلال تحليل نشاط الجيش الإسرائيلي وطبيعة وجوده المستمر في قطاع غزة، بدأت الإجابة عن هذا السؤال تتضح، شيئاً فشيئاً - نعم، لدينا خطة. لكنها تثير مجموعة من التحديات والأسئلة التي يجب أن تُناقش بشكل علني، نظراً إلى آثارها الواسعة.
- باختصار: وفقاً للمسار الحالي، فإن الجيش الإسرائيلي لن يغادر غزة في الأعوام المقبلة. الواقع الأمني الحالي في غزة هو الواقع الذي سيرافقنا في المستقبل المنظور. لذلك، من الضروري تعديل التوقعات لدى الجمهور الذي يتطلع العديد من أفراده إلى اليوم الذي تنتهي فيه الحرب ويعود الجنود من غزة. حسبما يبدو الآن، هذا لن يحدث؛ نحن في حالة "نهاية ممتدة" - وهذا هو الوضع الثابت.
- من الناحية العملياتية، حالياً، يتمركز الجيش الإسرائيلي حول قطاع غزة، وكذلك داخل منطقة محددة على طول الحدود، جزء منها داخل القطاع، وتُعتبر منطقة عازلة. بالإضافة إلى ذلك، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بشكل دائم بسيطرته على محور "فيلادلفيا"، ويتواجد في منطقة واسعة تقسّم القطاع عند محور "نيتساريم"، الذي يُعد قاعدة متقدمة للعمليات. يبدو أنه تم اتخاذ قرار بشأن البقاء في هذه المناطق فترة غير محددة، لاستخدامها كقواعد انطلاق لعمليات مداهمة وعمليات خاصة ينفّذها الجيش وقوات الأمن داخل المناطق المبنية، حتى يتم القضاء على حركة "حماس" بشكل جذري من الناحية العسكرية.
- في ظل هذا الواقع الجديد، يتمثل التحدي في تطبيق هدفَي الحرب اللذين لم يتم تحقيقهما بعد، وهما إعادة المختطفين والقضاء على حُكم "حماس".
- وفيما يتعلق بإعادة الأسرى، من الواضح أن الضغط العسكري لم يعد مجدياً، بل قد يعرّض حياتهم للخطر. لقد استخلصت حركة "حماس" الدروس من نجاحات الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك في تحرير أسرى أحياء في الماضي، ومن المرجح أن العمليات المشابهة لتلك التي نُفّذت سابقاً أصبحت أكثر تعقيداً بكثير. لا توجد وسيلة عسكرية لإعادة جميع الأسرى البالغ عددهم 101، من رجال ونساء، عبر عمليات عسكرية. وبات الخبراء والمتخصصون في المفاوضات، في معظمهم، يدركون أن صفقة تبادُل الأسرى هي السبيل الوحيد إلى إعادتهم إلى الوطن، أحياء كانوا، أم أمواتاً.
- أمّا فيما يتعلق بهدف الحرب المتمثل في إسقاط الحكم المدني لحركة "حماس"، فلا يبدو أن هناك خطة عملية وقابلة للتنفيذ تنوي إسرائيل تطبيقها. مردّ ذلك إلى أن السلطة الفلسطينية تُعتبر، سواء من طرف صانعي القرار، أو لدى قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، كياناً فاقداً للشرعية. وبما أن دول الخليج العربي والمجتمع الدولي لن يتدخلوا في قطاع غزة من دون ضمان أن تكون السلطة الفلسطينية عنصراً مركزياً في إدارة القطاع، فإن الخطط الطموحة المتعلقة بـ"اليوم التالي" تبدو بلا جدوى.
هذا يُبقي في أيدينا حلّين منطقيَّين:
- فرض الحكم العسكري: تُعدّ هذه الخطة فعالة من الناحية التكتيكية، لكنها سيئة جداً من الناحيتين السياسية والاستراتيجية، بالإضافة إلى تكلفتها الباهظة، سواء من حيث الميزانية، أو تخصيص الموارد البشرية.
- "الفوضى الموجهة": بمعنى استمرار الوضع الراهن عملياً. بحيث لن تعمل إسرائيل على إعادة إعمار القطاع، لكنها ستواصل إدخال المساعدات الإنسانية من دون أيّ قيود، وبما يتوافق تماماً مع مطالب المجتمع الدولي.
- لكن، ماذا عن حركة "حماس"؟
- فعلى الرغم من أن سيطرتها على توزيع المساعدات الإنسانية تعزز مكانتها، فإن العمليات العسكرية التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي ضدها تُضعفها. وما سيحسم هذا التناقض بين هذين الاتجاهين هو المدة الزمنية المتاحة لإسرائيل للعمل. إذا حصلت إسرائيل على سنوات كافية للعمل، فسيتم الوصول إلى وضع يصبح فيه وجود "حماس" غير ذي صلة، ويجري القضاء عليها كتهديد. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل سيسمح المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي للحكومة الإسرائيلية بالحصول على هذا الوقت؟
- ونظراً إلى أن إسرائيل أوضحت مراراً، بما في ذلك من طرف رئيس الوزراء، أنها لا تعتزم التوجه نحو إدارة عسكرية، فإن الخيار الثاني هو ما تبقى لنا، ومن المرجح أنه الخيار الذي يتم تطبيقه.
المزايا:
- حرية العمل العسكري: توفر هذه الحرية القدرة على مواصلة إضعاف القدرات العسكرية لحركة "حماس" في المدى الطويل، وربما يؤدي ذلك إلى تقليص صفوفها بشكل ملحوظ.
- من منظور الحكومة الإسرائيلية: سيؤدي الامتناع من اتخاذ قرار بشأن الجهة المسؤولة عن إدارة الشؤون المدنية في قطاع غزة إلى التقليل من التحديات السياسية، كما أن تجنُّب دفع ثمن صفقة الأسرى يخفف من التوترات داخل الائتلاف الحكومي.
- لمؤيدي السيطرة المدنية الإسرائيلية على غزة: يعزز استمرار الوضع الحالي فرص العودة إلى السيطرة الإسرائيلية المدنية (إعادة احتلال القطاع والاستيطان فيه).
العيوب:
- استنزاف عسكري دائم لقوات الجيش الإسرائيلي: يتجلى ذلك في خسائر بشرية وجسدية، واستنزاف أفراد قوات الاحتياط، بالإضافة إلى تدهور الانضباط والأخلاقيات لدى القوات النظامية نتيجة الضغوط الهائلة.
- استمرار العزلة الدولية: ستزداد عزلة إسرائيل أمام الديمقراطيات الليبرالية الغربية، وخصوصاً في أوروبا، وفي المجالين الاقتصادي والتجاري، وكذلك أمام الولايات المتحدة.
- موت الأسرى في الأسر: ما دامت الحملة مستمرة، وفقاً لهذه الرؤية، فلن يكون هناك أيّ صفقة لتحرير الأسرى.
- ازدياد النقد الشعبي والاحتجاجات الاجتماعية: على خلفية الأثمان التي سيدفعها المجتمع الإسرائيلي، قد تتصاعد الانتقادات والاحتجاجات، وهو ما يزيد في الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، والاستقطاب السياسي، والعنف في المجال العام، ويؤجل عملية التعافي الاجتماعي المطلوبة.
- على الرغم من المزايا التي تنطوي عليها الخطة المختارة، فإن عيوبها أكثر وأثقل. والثمن الذي سندفعه من خلال استنزاف الأمن القومي سيتجاوز المكاسب العملياتية التي يمكن تحقيقها. قد نضحي بالتماسك الاجتماعي، ونستنزف قدرات الجيش الإسرائيلي، ونعرّض استقرار إسرائيل الاقتصادي للخطر، ونُضعف مكانتها الدولية، وذلك في مقابل تعميق الإنجاز في أحد أهداف الحرب (القضاء على "حماس")، بينما يتم التخلي تماماً عن هدف آخر (إعادة الأسرى).
- وعلى الرغم من تعقيد البديل الذي تم التخلي عنه، إذا ما عرضت إدارة ترامب المستقبلية العودة إلى حل يشمل التطبيع مع السعودية وحكومة فلسطينية بديلة في غزة (لا تشمل "حماس")، فإن تبنّي هذا الخيار قد يكون مناسباً.
- في المحصلة النهائية، إذا كنا قد قررنا أن هذا هو مستقبلنا في غزة، ويفصلنا شهران عن دخول ترامب إلى البيت الأبيض، ربما يكون من الحكمة التوقف فترة قصيرة، الانسحاب لبضعة أسابيع، ووقف إطلاق النار في مقابل فرصة إعادة أسرانا إلى الوطن (جميعهم، وعلى الفور). يمكننا دائماً العودة إلى هذه الخطة لاحقاً. صحيح، قد لا ينجح ذلك، وقد لا توافق "حماس"، وحتى لو وافقت، من المحتمل ألّا تعيد الجميع. لكننا على الأقل، نكون قد قمنا بالتصرف الصحيح من الناحية الأخلاقية، ومن المؤكد أن "حماس" ستوفر لنا أسباباً كافية للعودة إلى القتال. إدارة ترامب ستدعمنا، ولن توقفنا في أيّ حال. إذاً، لماذا لا نحاول؟