الحسم أولاً، ثم التسوية
المصدر
معهد القدس للاستراتيجيا والأمن

معهد يقدم مشورة سياسية وأمنية للقيادة الإسرائيلية، ويطرح سياسات براغماتية تهدف إلى المحافظة على أمن إسرائيل. تأسس في العام 2017. رئيسه الحالي هو إفرايم عنبار.

المؤلف
  • ازداد الحديث، في الأيام الأخيرة، عن تسوية محتملة في لبنان. ويوضح تقرير نُشر في 18/11/2024 تفاصيل التسوية المرتقبة المتمثلة في: انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي يعمل فيها في الجنوب اللبناني، وتطبيق قرار الأمم المتحدة الرقم 1701 الذي ينص بشكل أساسي على حظر أيّ نشاطات، أو وجود لحزب الله جنوبي نهر الليطاني، وإنشاء آلية لضمان تنفيذ الاتفاق من خلال لجنة دولية تشرف على تطبيق القرار، والتوصل إلى تفاهُم مشترك، مفاده أن الجيش الإسرائيلي يمكنه التدخل، إذا فشلت اللجنة في عملها. وسيترأس اللجنة جنرال أميركي، وستضم أيضاً جنرالاً فرنسياً.
  • تنص الاتفاقية، الجاري التفاوض بشأنها، على دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب اللبناني على مراحل، بحيث يكون الجهة الوحيدة المسموح لها بالعمل في المنطقة لتنفيذ الاتفاق، إلى جانب قوة من الـ"يونيفيل" التي سيتم تعزيزها. بالإضافة إلى ذلك، سيجري تجديد اللجنة الثلاثية (المؤلفة من كلٍّ من إسرائيل، ولبنان، والـ"يونيفيل") لمناقشة مطالب حزب الله المتعلقة بالتعديلات على الحدود في 13 نقطة.
  • لقد كشف دخول الجيش الإسرائيلي إلى القرى الواقعة في الخطين الأول والثاني حجم شبكات الأنفاق التي حفرها حزب الله، تحت إشراف إيراني، على مر السنين. لقد أنشأ الحزب بنية تحتية "إرهابية" في أنفاق كبيرة تم تخزين أسلحة وذخائر فيها بكميات هائلة، بهدف تمكين قوات الرضوان من التوغل في الجليل، واحتلال مستوطنات ومعسكرات الجيش الإسرائيلي، واستهداف المدنيين، بما يشبه أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في "غلاف غزة". وتشير المعلومات الاستخباراتية إلى أن المخطط الذي أطلق عليه الحزب اسم "اجتياح الجليل"، شمل غزواً استهلالياً ينفّذه نحو 10 آلاف مسلح، مع تعزيزات تصل إلى عشرات الآلاف من المقاتلين لاحقاً. لقد بُنيت هذه البنية التحتية من دون عوائق، على مرأى من قوات الـ"يونيفيل" والجيش اللبناني. وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يعمل حالياً على تحديد وتدمير هذه البنية التحتية، لكن من الواضح أن المعلومات الاستخباراتية غير مكتملة، ومن المحتمل وجود أنفاق وتجمعات أُخرى في القرى الحدودية لم تُكتشف بعد.
  • وبالإضافة إلى الأنفاق في الجنوب، بنى حزب الله بنية تحتية واسعة في عُمق المنطقة الواقعة في جنوب الليطاني وحتى شماله. لقد تعرّضت هذه البنى التحتية لقصف جزئي حتى الآن، لكنها لا تزال قائمة من دون وجود جهة فعالة تعمل على تفكيكها. ومن غير المرجح أن يتولى الجيش اللبناني، أو قوات الـ"يونيفيل" هذه المهمة، وخصوصاً أن هناك وحدات من الجيش اللبناني تُظهر تعاوناً مع حزب الله. وبالتالي، فإن الجهة الوحيدة القادرة على تفكيك هذه البنى هي الجيش الإسرائيلي.
  • في سنة 2015، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة تُظهر تفاصيل جزء من البنية التحتية التابعة لحزب الله في المنطقة الشرقية من الجنوب اللبناني. من الواضح أن الحزب وسّع نطاق هذه البنى التحتية في القرى، وفي مناطق الجنوب خلال الأعوام الأخيرة. ويُظهر حجم وانتشار البنى التحتية "الإرهابية" مدى تعقيد وصعوبة هذه المهمة. ومن الصعب الافتراض أن الجيش اللبناني وقوات الـ"يونيفيل" قادران على القيام بهذه المهمة. علينا أيضاً أن نتذكر أن الجيش اللبناني يضم "وحدات شيعية"، بعضها تعاون مع حزب الله على مر السنين، كذلك، لا يمكن العثور على أيّ دوافع لدى الجيش اللبناني تدفعه إلى الشروع في تفكيك البنى التحتية لحزب الله في المنطقة.
  • في غياب وجود الجيش الإسرائيلي عن المنطقة، سيعود سكان القرى الشيعية في الجنوب اللبناني بالتدريج، ومعهم عناصر حزب الله الذين سيندمجون بالسكان المحليين في القرى، وهو ما سيمكّنهم من العودة إلى نشاطاتهم السابقة، وبناء بنى تحتية "إرهابية" من جديد، حيث بدأ حزب الله، فعلاً، فور انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، بعد صدور القرار 1701 (سنة 2006)، بانتهاك هذا القرار، تحت غطاء القرى الشيعية.
  • تشمل آلية الإنفاذ المقترحة حالياً تشكيل لجنة تهدف إلى الحؤول دون انتهاك الاتفاق من جانب حزب الله. ومع ذلك، فقد تعلمنا من دروس الماضي (مثل الدرس المستقى من تشكيل اللجنة المستند إلى تفاهمات عملية "عناقيد الغضب") أن مثل هذه اللجنة ليس لديه أيّ فرصة لتحقيق الفعالية. وهكذا، ستجد إسرائيل نفسها غارقة في نقاشات لا تنتهي مع أعضاء اللجنة بشأن تفسير النقاط. أيضاً، هذه اللجنة ستزيد التوتر بين إسرائيل وبقية أعضائها، بمن فيهم ممثلو الولايات المتحدة وفرنسا.
  • سيتعين على أيّ آلية معالجة أن تشمل ثلاثة مجالات رئيسية: أولاً، منع دخول الأسلحة إلى لبنان، عبر الطرق البرية، من سورية، أو عبر البحر والجو. ثانياً، تدمير البنى التحتية "الإرهابية" القائمة في كافة أنحاء لبنان، وخاصة في جنوبه. وأخيراً، منع عودة مقاتلي حزب الله إلى الجنوب اللبناني. ويبدو أن إسرائيل ستكون في موقف ضعيف في هذه المجالات الثلاثة، بينما ستعمل إيران بكل قوتها على إعادة بناء قدرات حزب الله وجعله مرة أُخرى ركيزة أساسية في استراتيجيتها لتدمير إسرائيل والدفاع عن برنامجها النووي.
  • من غير الواضح تماماً ما إذا كان في الإمكان تشغيل آلية الإنفاذ هذه لتدمير البنى التحتية "الإرهابية" أيضاً، وكيفية ذلك. فهل يمكن التوقُّع أن يدخل الجيش اللبناني وقوات الـ"يونيفيل" إلى القرى، والبحث عن البنى التحتية فوق الأرض وتحتها، ويقومان بتدميرها؟ يبدو أن الجميع يعلم بأن هذا السيناريو غير واقعي. وهذا يعني أن المئات من المواقع "الإرهابية" ستبقى في المنطقة، من دون معالجة، وهو ما سيسمح لحزب الله بإعادة تنظيم صفوفه.
  • هل تستطيع إسرائيل تدمير هذه البنى التحتية من الجو، علماً بأن مثل هذه العمليات تتطلب إجلاء السكان لحمايتهم؟ يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال واضحة أيضاً. لن تتمكن إسرائيل من تنفيذ عمليات منهجية ضد هذه البنى التحتية من مسافة بعيدة، فضلاً عن صعوبة الحصول على شرعية دولية لمثل هذه العمليات
  • قبل أيام قليلة، نُشر تقرير يشير إلى محاولة إشراك روسيا في اتفاق التسوية. ووفقاً لهذا التقرير، أكد مسؤول رفيع في الكرملين أن روسيا لن تتدخل مباشرة في لبنان، لكنها ستساعد على منع إعادة تسليح حزب الله. وذكر التقرير أن روسيا ستعمل مع سورية على منع تهريب الأسلحة إلى حزب الله، وستمارس ضغطاً على الرئيس السوري بشار الأسد لمنع مرور الأسلحة الإيرانية عبر أراضيه.
  • هذه الفكرة تشبه، إلى حد كبير، الاتفاق الذي وُقِّع بين إسرائيل ومصر، برعاية الولايات المتحدة ودول أوروبية، بعد عملية "الرصاص المصبوب" في شتاء 2008-2009، والذي كان هدفه منع تهريب الأسلحة إلى غزة، عبر الأنفاق في أسفل محور فيلادلفيا ومعبر رفح. نعرف جميعنا مدى فعالية هذا الاتفاق؛ إذ تمكنت "حماس" من التسلح حتى أقصى الحدود، قبل أن تشنّ هجومها الدموي في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ومن المتوقع أن يلقى هذا الجهد، المتمثل في الاعتماد على أطراف أُخرى لمنع مرور الأسلحة بين سورية ولبنان، مصيراً مشابهاً.
  • إن إخضاع حزب الله يمرّ عبر توجيه ضربة قاسية إلى راعيه الإيراني. إذ يتطلب التغيير الاستراتيجي المطلوب استهداف البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى زعزعة استقرار النظام الإيراني من خلال الضغط على الاقتصاد، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية للكهرباء والمشتقات النفطية، وضرب رموز الحكم. ومن الواضح أن هذا يتطلب تنسيقاً وثيقاً مع إدارة ترامب.
  • لا تزال أمام إسرائيل أيام صعبة في التعامل مع إدارة بايدن. ومن المستحسن تأجيل أيّ محاولة للتوصل إلى تسوية قد تؤدي إلى مواجهة أُخرى مع حزب الله في المستقبل القريب. كما يجب على إسرائيل ألّا تنطلي عليها خدعة الهدوء في المدى القصير، بينما من الواضح للجميع أن حزب الله سيتمكن من إعادة تسليح نفسه وتجديد التهديد في غضون سنوات قليلة.
  • إن الاستجابة لفكرة تحقيق الهدوء في المدى القصير تشبه إعطاء مسكن آلام لمريض بالسرطان. لا يمكن لدولة إسرائيل الاعتماد على دول أُخرى لضمان أمنها. لم تكن إسرائيل هي التي دعت "حماس" إلى تنفيذ هجومها في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن بما أن الهجوم وقع، فعليها استغلال الفرصة الاستراتيجية التي نشأت إلى أقصى حد. ولا يمكن مناقشة أيّ تسوية، إلّا بعد حسم مسألة حزب الله، على الأقل في المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني (وفي بعض المواقع شمالي الليطاني). وفي أيّ تسوية، يجب على إسرائيل إنشاء منطقة أمنية عازلة خالية من السكان الشيعة حتى نهر الليطاني. 
  • إلى متى؟ إلى أن يتم نزع سلاح حزب الله بالكامل من جميع أنحاء لبنان.