الاتفاق مع لبنان يمنح إسرائيل تفوُقاً مهماً؛ على الطريق للوصول إلى الهدف الأكبر للحرب
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- حققت إسرائيل أغلبية الأهداف التي لم يكن حسن نصر الله مستعداً للتنازل عنها على مدار عقدين من الزمن وعام من الحرب. إن تحليل الاتفاق الذي يبدو أنه سيتم مع لبنان في مقابل أهداف الحرب وعلى الصعيد الاستراتيجي يوضح أن الحديث يدور بشأن اتفاق يتضمن إيجابيات مهمة لإسرائيل، ويسمح لها بترجمة الضربات الكبيرة التي وجهتها إلى حزب الله إلى واقع محسّن على الحدود الشمالية، وأيضاً على المستوى الإقليمي.
- إليكم 10 إيجابيات كامنة في الاتفاق، وتخدم أهدافنا الأمنية والدبلوماسية:
- حرّية الحركة لضبط الاتفاق بالقوة: إن الاتفاق مع لبنان، والأهم منه التفاهمات الجانبية مع الولايات المتحدة، يمنحان إسرائيل الشرعية لتفكيك البنى العسكرية التي سيحاول حزب الله إقامتها من جديد في جنوب نهر الليطاني إذا ما لم تقم قوات اليونيفيل أو الجيش اللبناني بمنعه من القيام بذلك [وفي الأغلب لن يفعلا ذلك]، ويمكن لمنظومة المراقبة الدولية للاتفاق بقيادة الولايات المتحدة أن تمنحنا أساساً صلباً للشكاوى الإسرائيلية بشأن خروقات القرار 1701. وإذا كان تهديد النيران الكثيفة التي لدى حزب الله سابقاً يردع إسرائيل من العمل في لبنان تخوُفاً من الانجرار إلى حرب شاملة، فإن هذه الحرب باتت وراءنا اليوم، وهذا ما سيمنح إسرائيل حرّية العمل والمبادرة إلى إحباط التهديدات والرد بقوة على أي هجوم علينا، وسيكون الضبط الإسرائيلي منوطاً باشتباك عسكري، وأيضاً مخاطر تصعيد كأيام قتال، لكن هذا سيكون على أساس شرعية محسّنة و"غطاء دبلوماسي" أميركي.
- تفكيك فكرة "وحدة الساحات" وفرصة جديدة لصفقة تبادل في غزة: في لحظة دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في لبنان، سيتم عملياً فصل العلاقة القتالية بين لبنان وغزة، وستتلقّى خطة إيران والمحور المتطرف، بإحاطة إسرائيل بحلقة نيران، ضربة قوية جداً، وتسقط على المدى المنظور. ومع انهيار حلم السنوار بتوحيد الساحات الذي كان أساس قراره المبادرة إلى الهجوم القاتل يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ستجد "حماس" نفسها معزولة في المعركة عن المحور المتطرّف الذي فيه إيران والتي لا تستعجل هي أيضاً المواجهة مع إسرائيل بعد الضربة الأخيرة التي تلقّتها من سلاح الجو، وبسبب تخوّفها من خطوات الإدارة الأميركية المقبلة. ويشكّل موقع الضعف الذي ستتواجد فيه "حماس" أوضاعاً محسّنة من وجهة نظر إسرائيل لتنفيذ التزامها الأهم الموجود على رأس سلّم أولوياتها القومي، وإعادة المخطوفين في أسرع وقت ممكن عبر صفقة.
- الدفع بترميم الشمال وإعادة السكان إلى منازلهم بأمان: وهذا بعد أن تمت إزالة التهديد باختراق قوات الرضوان وإطلاق النار مباشرةً ومن مسافة قصيرة، فضلاً عن تفكيك البنى العسكرية التابعة لحزب الله على طول خط القرى الأول، وإلى حدٍ ما الخط الثاني، هذا وسيسحب قواته وبقية أسلحته إلى شمال الليطاني. لقد تلقّى الحزب ضربات صعبة، وتقلّص بنسبة 75%، وقُتل الآلاف من مقاتليه، وتمت تصفية قياداته العسكرية والسياسية صاحبة الخبرة. هذا كلّه إلى جانب تقوية منظومة الدفاع في البلدات، والسياسة الفاعلة للجيش بهدف إزالة التهديدات إذا ما حاول حزب الله العودة، وكل ذلك ينشئ أوضاع أمان محسّنة لبلدات الشمال.
- الامتناع من حرب استنزاف: التصميم على أهداف حرب غير واقعية، كنزع سلاح حزب الله كما قال مؤخراً وزير الدفاع يسرائيل كاتس، سيكون خطأً كبيراً؛ فكما أثبتت الحرب في غزة، فإن هذا هو الهدف الأقصى الذي يمكن أن يسحب الجيش وإسرائيل كلها إلى جنوب لبنان والاستنزاف لمدة أعوام. إن الاستنزاف هو استراتيجيا العدو؛ أمّا رؤيتنا الأمنية، فهي الحروب القصيرة والحسم السريع والواضح، وعلى الرغم من ذلك، فسيكون من الصواب التوجّه دبلوماسياً إلى أطر معنية يمكن أن تدفع إلى القرار 1559، والذي طالب بتفكيك جميع المليشيات في لبنان كمصدر للشرعية وأفق للمستقبل.
- حزب الله في موقع دفاعي في السياسة الداخلية اللبنانية: إن وقف إطلاق النار سيفتح المجال أمام الجمهور اللبناني لمحاسبة حزب الله على المستوى السياسي على الأقل، وذلك لأنه جر لبنان إلى كارثة معروفة مسبقاً تقريباً أدت إلى دمار في الدولة واقتصادها الحساس أصلاً، وأرغم نحو مليون ونصف المليون من السكان على النزوح. وحتى لو بقي حزب الله القوة العسكرية الأقوى في لبنان، فإنه سيكون أمام تحدٍّ كبير لترميم مكانته في الطائفة الشيعية وفي الدولة عموماً، وهي مهمة ستكون منوطة بتجنيد موارد واسعة لإعادة الإعمار، سيتم تحميلها لإيران.
- العودة إلى التركيز على المخطط النووي الإيراني: نهاية الحرب في لبنان، وخصوصاً إذا ما كان هناك بعدها هدنة وتحرير مخطوفين في غزة، ستسمح لإسرائيل بتنظيف الطاولة تحضيراً لدخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض، وذلك لتركيز الحوار معه على معالجة التهديد الأكثر أهمية بالنسبة إلينا؛ إيران وجهودها النووية. وهنا يدور الحديث بشأن فرصة حقيقية؛ فإيران والمنظومة الدولية تتواجدان على مسار صدامي بسبب توسيع الخطة النووية الخاصة بها، وأيضاً بسبب النهج الحاد من جانب دول أوروبا تجاه طهران أساساً بسبب السلاح الذي تزوّد روسيا به من أجل حربها في أوكرانيا.
ويعلن المقربون من ترامب أنه بدءاً من اليوم الأول في المنصب سيفرض أقصى درجة ممكنة من الضغوط على إيران لتجفيف مواردها المخصصة لـ"الإرهاب" والصواريخ والبرنامج النووي، من أجل دفعها إلى العودة إلى الاتفاق النووي المحسّن. وسيكون على إسرائيل أن تذكّر ترامب أنه من دون تهديد عسكري أميركي - إسرائيلي حقيقي على إيران، والاستعداد لاستعماله، فإن الضغوط الاقتصادية لن تكون مجدية ضد طهران، كما حدث خلال ولايته الأولى. وفي هذه الأوضاع الجديدة التي تشكّلت، يتصاعد إمكان أن تقوم الولايات المتحدة بتفعيل ضغط عسكري فعّال على إيران، بعد زوال استعمال حزب الله في الحرب من جانب الأخيرة، وأيضاً وضوح القدرة على إلحاق الضرر بها خلال جولات القتال بينها وبين إسرائيل.
- تجديد جهود التطبيع مع السعودية: إن إطفاء الجبهة اللبنانية، وزيادة الضغط على إيران، وإضعاف التهديد الذي تفرضه على دول المنطقة سيقوّي من مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، إلى جانب طريقة عمل إسرائيلية بنّاءة في الساحة الفلسطينية، وسيساعدها في الدفع قدُماً بمسار تطبيع مع الدول العربية والعالم الإسلامي، وعلى رأسه السعودية.
- تخفيف العبء عن الاحتياط والاقتصاد: الاتفاق في لبنان سيكبح الاستنزاف المتصاعد والعبء الذي لا يُحتمل على منظومة الاقتصاد، وسيمنح الاقتصاد الإسرائيلي دفعة بعد تراجع التصنيف الائتماني خلال الحرب.
- تجديد المخازن وتحرير أسلحة: وقف القتال في الشمال سيسمح لإسرائيل بإعادة تعبئة مخازن الأسلحة الخاصة بها والأدوات القتالية الدفاعية والهجومية، فضلاً عن تحرير شحنات أسلحة مجمّدة في الولايات المتحدة، كالقنابل الثقيلة والأدوات الهندسية الثقيلة، وهو ما سيسمح بالتحضير والجاهزية بدرجة أفضل للتعامل مع التحديات العسكرية التي أمامنا.
- إلحاق الضرر بتهريب السلاح عبر سورية: إن الاتفاق مع لبنان، الذي يستند إلى تطبيق القرار 1701 بصورة محسّنة، والذي أحد أعمدته منع وصول السلاح إلى حزب الله، سيسمح لإسرائيل بتحرك دولي وإقليمي من أجل إغلاق الحدود اللبنانية السورية أمام مرور السلاح إلى الحزب. وإن خطوة كهذه ستتضمن ضغطاً دبلوماسياً وعسكرياً على نظام الأسد لمنع نقل أدوات قتالية عبر سورية، والابتعاد كلياً عن دائرة تأثير المحور المتطرّف بقيادة إيران.
- في نهاية المطاف، فإن الاتفاق مع لبنان يمنح إسرائيل سلسلة إيجابيات، وفرصة لترجمة الإنجازات العسكرية الواضحة إزاء حزب الله إلى وضع استراتيجي أفضل. وهذه خطوة صحيحة، وهذا طبعاً إذا ما قارنّاها بالبديل؛ حرب استنزاف طويلة وغرق في الوحل اللبناني خلال الشتاء القريب، ومن جهة رؤية أوسع لمجمل الجبهات ووضع الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، فإن الانتصار في الحرب في مقابل الحزب لن يتم التوصل إليه من دون ضبط عسكري استكمالي واستثمار حكومي بحجم تاريخي، وترميم الشمال وتطويره بصورة تضمن ازدهاره مستقبلاً. وفي نهاية المطاف، فإن ترجمة الإنجازات العسكرية إلى إنجازات دبلوماسية يجب أن تُستنسح في الجنوب أيضاً؛ التوصل إلى صفقة لتحرير جميع المخطوفين سريعاً، وإعادة الازدهار إلى النقب الغربي.