من الأفضل لنا أن نتعامل مع "الشيطان الذي لا نعرفه"
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إن مصائب المحور الإيراني تأتي تباعاً؛ فالتقدّم السريع لقوات المتمردين الجهاديين في سورية الذين احتلوا مدينة حلب المهمة ويتقدمون نحو حماة يشكّل ضربة قوية إضافية إلى "محور الشر" في الشرق الأوسط، وقد تلقت منظومة الأذرع بقيادة إيران في المنطقة خلال الأشهر الماضية سلسلة ضربات أسقطتها عليها إسرائيل في غزة ولبنان واليمن وفي الأراضي الإيرانية نفسها، والآن تواجه تهديداً آخر له أهمية مصيرية بالنسبة إلى إيران على الصعيد الجغرافي الاستراتيجي الذي يضمن لها تواصلاً جغرافياً مع البحر المتوسط كجبهة في مقابل إسرائيل، ومكوناً أساسياً كي تتمكن من إعادة بناء القوة العسكرية لحزب الله في لبنان. يبدو أن الضربات القوية التي وجهتها إسرائيل إلى المحور الإيراني تقود إلى موجات ارتدادية في المنطقة برمّتها، ومن الواضح أن هناك علاقة لذلك أيضاً بتوقيت هجوم المتمردين.
- وبعكس التخوفات من التغييرات المتوقعة في سورية، والتي تنتشر في الإعلام، ويتم تسريبها من "الكابينيت" منذ بدء هجوم المتمردين، فإن الفرص الكامنة على صعيد المصالح الاستراتيجية لإسرائيل تزيد على المخاطر.
- وهناك إمكان لأنْ تدفع الأحداث في سورية حزب الله وإيران إلى استثمار موارد اقتصادية وعسكرية بهدف المحافظة على النظام في سورية في سورية كساحة عبور وحيدة إلى لبنان، ومن المرجح أن يقوم النظام، بالتشارك مع إيران وحزب الله وروسيا، بإعادة تنظيم ذاته من أجل كبْح هجوم المتمردين والحرب الأهلية المتجددة في الدولة، ويمكن أن يستمر هذا لوقت طويل.
- خلال السنوات التي سيطر "داعش" فيها على مناطق في العراق، تم إغلاق الطريق البرّي الإيراني من هناك إلى سورية، والآن، من المتوقع أن نشهد إغلاقاً شبيهاً بذلك للمعابر البرّية من سورية إلى لبنان، في الوقت الذي ستكون فيه لدى إسرائيل حرّية العمل الواسعة ضد الشحنات الجوية عبر سورية. صحيح أن اعتماد النظام السوري على إيران وحزب الله من أجل نجاته سيتعمق، لكنه سيمتنع من أي مواجهة مع إسرائيل...
- وفي ضوء هذه الأوضاع، تزداد فرص الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً في كبح جماح قوات حزب الله على المدى البعيد، وذلك نتيجة تباطؤ مسار إعادة ترميم قوته العسكرية بعد الحرب مع إسرائيل، كما أنه من الممكن أن تتحول بقايا قوته إلى الحرب الأهلية السورية. وفي الوقت نفسه، فإن شهية إيران للاستمرار في جولات التهديد والضرب مع إسرائيل يمكن أن تتراجع أكثر بعد أن أدت الهجمات الفعّالة الإسرائيلية على أراضيها في تشرين الأول/أكتوبر إلى تهدئة حماستها.
- وعندما يضعف المحور برمّته ويتغير سلّم أولوياته، ويغدو تركيزه على سورية، فإن "حماس" في غزة ستهبط إلى أسفل القائمة بعد أن تم فصل علاقة غزة بلبنان، وعلى إسرائيل أن تستغل ضعف "حماس" وعزلتها لتحقيق التزامها الأهم المتواجد على رأس سلّم أولوياتها القومي؛ وهو إعادة المخطوفين بصفقة.
- وفي مقابل الإيجابيات الواضحة لإسرائيل نتيجة ما يحدث في سورية، هناك من يرى أن النظام في سورية هو "الأقل سوءاً"، ويدّعي أنه من الأفضل لإسرائيل أن تتعامل مع "الشيطان الذي نعرفه"، وبحسبهم، فإن هذا النظام هو عنوان يمكن إجراء حوار ردع فعال معه (يسمح لسلاح الجو بحرّية حركة)، كما أنه يقمع القوات الإسلامية البعيدة عن كونها "محبة لصهيون"، ويحافظ على استقرار معيّن في سورية، وعلى السلاح غير التقليدي، وخصوصاً في أراضيها.
- أمّا نحن، فنعتقد العكس؛ فالأسد لا يحافظ فعلاً على الاستقرار في البلد، إنما هو مركّب مركزي في المحور الذي يشكّل التهديد الاستراتيجي الأكبر على إسرائيل، وأغلب سلاح حزب الله وصل من مصانع السلاح الخاصة به، أو من إيران عبر المناطق السورية. إن علاقات النظام السوري بنظام إيران عميقة، وكل جهود إسرائيل والدول العربية المعتدلة والقوى الغربية على مدار عشرات الأعوام لإبعاده عن إيران فشلت.
- وفي الجهة الأُخرى، فإنه من المستبعَد أن تقوم مجموعات المتمردين السنية الكثيرة في سورية بتوجيه سلاحها إلى إسرائيل، والمؤكد أنه ليس على المدى المباشر أو المتوسط، فحساب الدم الخاص بهم مع النظام السوري وإيران وحزب الله أكبر كثيراً من حسابهم مع الدولة اليهودية، بالإضافة إلى نزاعاتهم الداخلية. والأهم من هذا، فإنهم، بعكس إيران والنظام السوري، لا يملكون مشروعاً نووياً أو صواريخ باليستية أو مصانع متطوّرة لتصنيع السلاح، ولا توجد وراءهم قوى عظمى عالمية أو إقليمية مستعدة لاستثمار المليارات فيهم.
- يخيفون شعب إسرائيل هنا من أن المتمردين سيسيطرون على السلاح الكيماوي الذي تبقّى في سورية، والمهم في هذا السياق هو أن نفهم أن أغلب هذه الأسلحة تم إتلافه، أو أُخرج من سورية سنة 2013، وقدرة المتمردين على السيطرة على مسارات التجهيز والتفعيل لهذه الأسلحة المركّبة محدودة. وفي جميع الأحوال، فقد تمتعت إسرائيل خلال الأعوام الـ10 الماضية بحرّية الحركة، وأظهرت قدرات على إحباط كل تهديد استراتيجي من سورية.
- في الخلاصة، ومع توخّي الحذر المطلوب، يبدو أنه من الأفضل لإسرائيل في ضوء الأوضاع الحالية أن تتعامل مع "الشيطان الذي لا تعرفه"، بشرط أن يقود هذا الأمر إلى عملية إضعاف للمحور الشيعي وإيران في سورية بصورة عامة، وهو ما يعني تغييراً دراماتيكياً وإيجابياً لمصلحة إسرائيل في ميزان القوى الإقليمية. وفي هذا السياق، يجب ذكْر المقولة المشهورة لرئيس الحكومة مناحم بيغن بشأن حرب إيران - العراق التي استمرت 8 أعوام: "تمنيت النجاح للطرفين."