نحن على الجبل، وسنبقى على الجبل. هذا كلّ شيء
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- نحن على الجبل، ويحظر على الجيش ورئيس الحكومة نتنياهو النزول عنه مجدداً: إن احتلال جبل الشيخ السوري، ونقاط أُخرى مهمة وحيوية للدفاع عن الجولان الإسرائيلي، على امتداد الحدود في المنطقة العازلة، داخل مناطق النظام السوري السابق، هو أكثر من عملية ضمّ أراضٍ موضعية، أو "صورة نصر"، إنه حدث استراتيجي، يستغل واقعاً أمنياً وسياسياً غير مسبوق منذ خمسين عاماً.
- هذا الواقع، الذي يرسّم واقعاً جديداً في ميدان من الفوضى والقلق، وفي ضوء العبر المستقاة من "مجزرة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأحلام بقية أعدائنا المشابهة بتكرار ما حدث آنذاك، يجعلنا نصرّ على أن ما كان لن يتكرر، وأن إسرائيل لن تسمح بفرصة جديدة للأحلام الجهنمية التي يسعى جيراننا لتحقيقها على بقية حدود البلد.
- في 31 أيار/مايو 1974، تم توقيع اتفاق بين إسرائيل وسورية بشأن وقف إطلاق النار، وفصل القوات، وإطلاق سراح أسرى الحرب، والانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب "يوم الغفران" (بمساحة عرضها نحو 20 كيلومتراً ومساحتها نحو 400 كيلومتر مربع). وكان السوريون شنّوا هذه الحرب، جنباً إلى جنب، مع جيوش عربية أُخرى، في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، في إطار هجوم مفاجئ، بهدف القضاء على إسرائيل في ظل غفلتها. وفي مقابل الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها، "حصلت" إسرائيل على تعهّد بإنشاء منطقة عازلة بمساحة تقارب الـ 235 كيلومتراً مربعاً، تديرها قوات أجنبية تابعة للأمم المتحدة تُعرف باسم "أوندوف"، والتي تم نشرها على الجانب السوري من الخط.
- في حزيران/يونيو 1974، اكتمل الانسحاب الإسرائيلي، وبعد خمسين عاماً، انهارت المنطقة العازلة مع سقوط النظام السوري الذي كان ملتزماً بالاتفاق. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، وطوال اليوم، دخلت القوات الإسرائيلية إلى المنطقة لضمان عدم إهمال أمن سكان الجولان مرة أُخرى، مثلما حدث على الحدود مع لبنان تحت سيطرة قوات "اليونيفيل"، أو على حدود غزة تحت سيطرة حركة "حماس". ومن بين النقاط التي أُعيدت السيطرة عليها: قمة جبل الشيخ السوري، ومعبر القنيطرة. وقد جاءت استعادة هذه المناطق، التي يمثل بقاء العدو فيها خطراً على مواطنينا، خشية وقوعها في أيدي نظام المعارضة المهتز، الذي تسيطر عليه تركيا وأردوغان. تزامن هذا التحرك مع موجة هجمات شنّتها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي على بنى تحتية للإرهاب والصواريخ، وفقاً لتقارير عربية، في مطارات في دمشق وجنوب سورية، بالإضافة إلى المناطق الريفية في درعا والسويداء.
- لا يبدو أن الجيش الإسرائيلي متحمس كثيراً (هذا إذا شئنا تلطيف القول) للحدث التاريخي الذي يُفترض أن يغيّر الواقع. لقد أوضح الجيش اليوم لمراسلنا العسكري، يوآف زيتون، أن الانتشار ليس سوى انتشار دفاعي وموقت في المنطقة العازلة، وذلك نتيجة ظهور مسلحين سوريين مجهولي الهوية في المنطقة خلال عطلة نهاية الأسبوع. لكن، مثلما شهدنا في الأشهر الماضية محاولات العديد من كبار المسؤولين في الجيش بشأن التوصل إلى تسوية سياسية مع حزب الله لتجنّب عملية برية قد تكشف عدداً لا يُحصى من مواقع الهجوم والإطلاق المخصصة لاحتلال الجليل، آمل أن تتبدد أيضاً هذه التوضيحات بشأن "الانتشار الموقت" في اختبار الواقع. ومثلما هي الحال دائماً، سيُجبَر الجيش والمستوى السياسي-الأمني على مواجهة الواقع وفرض حقائق على الأرض، بدلاً من الاكتفاء بالرد على التهديدات التي نتمكن من اكتشافها في مناطق العدو.
- ومثلما هي حال المنطقة العازلة التي تحتلها إسرائيل بحكم الأمر الواقع الآن في سورية، عليها القيام بالأمر نفسه في تلك النقاط التي يحتلها الجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية، إذ إن سكان مستوطنات خط المواجهة لن يوافقوا على واقع أمني مختلف.
- وإليكم ما ينبغي أن يكون واضحاً للجميع، وما يجب علينا المطالبة بتحقيقه: بقاء قوات الجيش الإسرائيلي متمركزة في المناطق الأمنية الحيوية للغاية لحمايتنا على الحدود السورية في الجولان، الآن وإلى الأبد، إلى أن يتم العثور على شريك في الجانب الآخر لا يسعى لقتلنا واحتلال أرضنا. وبما أنه لا توجد في الوقت الراهن أيّ جهة أُخرى، يمكن للجيش أن يفكر في "تسليمها" المنطقة العازلة في المستقبل المنظور، فعلى الجيش الإسرائيلي عدم الانسحاب من هذه المناطق، أو نقل المسؤولية عنها إلى أيّ طرف، ومن المؤكد ليس إلى "جبهة النصرة" (التابعة لتنظيم القاعدة) التي تتربع الآن على رأس النظام الناشئ، ولا إلى أيّ فصيل من فصائل المعارضة الأُخرى الموجودة في الجانب السوري من الجولان.
- في ظل الواقع الحالي، لا توجد أيّ جهة حكومية مستقرة في سورية يمكنها أن تطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بسحب قواتنا من هناك، أو نشر قوات "أوندوف" في مواقع الجيش السوري المنهار. هذه القوات الأممية نفسها تحتاج، الآن بشكل خاص، إلى حماية الجيش الإسرائيلي، لأن العشرات من أفرادها يدينون بحياتهم لإسرائيل، التي أنقذتهم بعد سقوط موقعهم القريب من قرية الخضر في يد المتمردين، وتم نهب جميع أملاكهم. إن الاتفاق على فصل القوات، الذي تم توقيعه مع انتهاء حرب "يوم الغفران" في 31 أيار/مايو 1974، أصبح اليوم بلا قيمة، وفقد كل شرعيته، بعد "محو" الطرف السوري من الاتفاق وغياب "الجمهورية العربية السورية" من كتب التاريخ، وهي تغيّر الآن ملامحها. عندما نتحدث عن التاريخ، فهذا الحدث تاريخي بامتياز، ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بتفويت مثل هذا الحدث.