الولايات المتحدة تأمل في أن يكون صعباً على نتنياهو الانسحاب من الصفقة بعد الدفعة الأولى
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- اتسمت الأيام الأخيرة بتجدد التحركات والمساعي بين إسرائيل و"حماس" من أجل صوغ صفقة لتحرير المخطوفين؛ فالإدارتان الأميركيتان، المنتهية ولايتها والجديدة، تضعان الآن كل ثقلهما كي تفرضا على الطرفين اتفاقاً قبل التبدل الرئاسي، أي قبل شهر تماماً، وسبق أن شهدنا هذا عدة مرات السنة الماضية، لكن في هذه المرة، فإنهم يؤكدون لنا أن النهاية ستكون مختلفة، وأكثر تفاؤلاً.
- إن نقطة ضعف الصفقة الآخذة في التبلور ناجمة عن نية الذين صاغوها تقسيمها على دفعتين. وتعتقد الولايات المتحدة والدول الوسيطة، مصر وقطر، أنها ستنجح في دفع إسرائيل إلى نوع من مكان لا عودة عنه، بحيث من اللحظة التي سيبدأ فيها تحقيق الدفعة الأولى، سيكون من الصعب على حكومة بنيامين نتنياهو الانسحاب من الاتفاق؛ فتفجير الصفقة في الفترة الانتقالية بين الدفعتين سيؤدي إلى تجدد الحرب، وبقاء سائر المخطوفين في قطاع غزة، ولن يكون في إمكان الحكومة مواجهة الضغط الذي سيمارَس عليها من الخارج ومن المجتمع الإسرائيلي.
- لكن التخوف الذي بدأت عائلات المخطوفين التعبير عنه علناً وبقوة أكبر هو ألاّ يتم التوصل في نهاية الأمر إلى صفقة شاملة. وبحسب العائلات، فإن المفاوضات بين إسرائيل و"حماس" ستنفجر خلال الانتقال من الدفعة الأولى إلى الثانية، بسبب الصعوبة التي ستواجهها إسرائيل في تلبية المطالب المبالَغ فيها للتنظيم "الإرهابي".
- وفي سيناريو كهذا، سيبقى المخطوفون الذكور، الجنود والمدنيون الشبان، في القطاع، وسيعود الجيش إلى القتال من أجل إنقاذهم. لقد مات عشرات المخطوفين منذ الصفقة الأولى التي جرت في الأول من كانون الأول/ ديسمبر الماضي؛ بعضهم بقصف إسرائيلي عن طريق الخطأ، والبعض الآخر بسبب المرض، ومنهم "قُتلوا بدم بارد" على يد خاطفيهم من "حماس". وسيكون هناك مصير مشابه لهذا في انتظار المخطوفين الذين لن يحرَروا في الدفعة الأولى من الدفعتين المخطط لهما.
- إن التقدير أن المفاوضات من المنتظر أن تفشل في قسمها الثاني يعود إلى فهم اعتبارات الطرفين، فالموضوع الحاسم بالنسبة إلى "حماس" هو إنهاء الحرب والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من القطاع، ومن أجل التوصل إلى هذا الهدف، وفي ظل الوضع الذي وصلت إليه قيادة الحركة، فمن المرجح أن توافق على أن تكون مرنة في الدفعة الأولى، وستقبل بقاء الجيش الإسرائيل جزئياً في القطاع طوال فترة تنفيذ الصفقة التي سيطلَق خلالها سراح النساء والمرضى والمتقدمين في السن من المخطوفين في مقابل عدة مئات من الأسرى الفلسطينيين، لكن نتنياهو وشركاءه من الصعب أن يدفعوا الثمن الباهظ الذي تطالب به "حماس" في مقابل تحرير الجنود والمدنيين الباقين (بالإضافة إلى استعادة جثامين المخطوفين). وفي أوضاع كهذه، فمن المتوقع توقُف الاتصالات وتجدُد الحرب، وهذا سيكون بمثابة كارثة بالنسبة إلى عائلات سائر الأسرى.
- شهدت الأسابيع الأخيرة تغييرات مهمة من وراء الكواليس طرأت على أسلوب العمل في طاقم النضال من أجل تحرير المخطوفين؛ إذ غادر عدد من المستشارين الاستراتيجيين الذين تولوا مهمات مركزية في النضال، وانتهجوا خطاً معارضاً لنتنياهو وحكومته مناصبهم. والآن، تتحرك العائلات على عدة قنوات عمل متوازية، بالإضافة إلى تنظيم التظاهرات والاحتجاجات، محاوِلةً التأثير في نشطاء اليمين، وحتى نشطاء اليمين المتطرف، وإقناعهم بالتخفيف من معارضتهم للصفقة.
- والفكرة هي أن اليسار والوسط وحتى الأحزاب الحريدية ستوافق على أي صفقة يوافق عليها نتنياهو، بَيْدَ أن الصعوبة تكمن في التخفيف من معارضة اليمين بهدف الحصول على أقصى حد من التأييد. وليس سراً أن البقاء السياسي لرئيس الحكومة مرتبط بشركائه من اليمين الذين عارضوا طوال السنة الأخيرة تقديم تنازلات، وشكّلوا العقبة الأساسية في وجه الصفقة.
- ويظهر جزء من هذه المساعي ضِمن خطوات علنية؛ إذ جرى نشر رسائل الحاخامين من حزب الصهيونية الدينية (المعسكر وليس الكتلة) أعربوا فيها عن تأييدهم المبدئي لإطلاق المخطوفين بصفقة، كما جرى تنظيم زيارات للحاخامين والصحافيين إلى كيبوتسات غلاف غزة. ومع ذلك، فإن أغلبية عائلات المخطوفين تأتي من كيبوتسات الغلاف ومن معسكر أيديولوجي بعيد جداً عن اليمين، لذا، فهي تجد صعوبة في الحوار مع الحاخامين من حزب الصهيونية الدينية، ولهذا السبب، فإن هذه الخطوات تتركز في مجموعة صغيرة من الناشطين.
- وحجة هؤلاء الناشطين هي أن اليمين العميق (الصهيونية الدينية، وقوة يهودية، وجزء من أعضاء الكنيست من الليكود) يصرون على العودة إلى القتال بعد انتهاء الدفعة الأولى، ليس من أجل إقامة المستوطنات من جديد في القطاع، إنما لأنه في رأيهم، فإن الأهداف الجوهرية للحرب لم تتحقق، وهذه هي نظرية "النصر المطلق" الكامنة وراء الفكرة والأهداف والتي يروج لها نتنياهو من دون تقديم توضيحات حقيقية، والتي يتحدث عنها مؤيدوه من دون نقاش حقيقي. وفي الخلفية، هناك أيضاً رغبة اليمين في تصحيح ما يعتبرونه ظلماً تاريخياً شهده القطاع؛ اتفاقات أوسلو، والانفصال عن غزة [2005]، وصفقة شاليط التي لم تحرر فقط 1027 "مخرباً"، بل أيضاً أعادت يحيى السنوار إلى القطاع، وأدت إلى "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر السنة الماضية.
- كما يتحرك اليمين أيضاً انطلاقاً من الشعور بأن الخطوات الحازمة لإسرائيل في غزة ستمنع تجدد الخطر من هناك، وستضمن أمنها لفترة طويلة. وفي الوقت الذي تتحدث فيه أهداف الحرب في قطاع غزة بحسب تعريف الجيش عن "منع تهديد لوقت طويل"، فإن اليمين يطالب بضمان الأمن للعقود المقبلة، وهذه المطالبة يرسخها شعور الجمهور الديني - القومي بأنه قدّم كثيراً من التضحيات، فمئات عائلات الجنود الذين قُتلوا (من مجموع أكثر من 800 قتيل) هي أعضاء في "منتدى البطولة" الذي يتحدث عن أهداف مشابهة للحرب، وأغلب هؤلاء الأعضاء من التيارات الدينية. في هذا الوقت، يعتبر المستوطنون أنفسهم المجموعة الأساسية المعرضة للخطر نتيجة تحرير "مخربين" في الصفقة، ولأن جزءاً كبيراً من عمليات المنظمات "الإرهابية" تحدث في الضفة الغربية.
- وانطلاقاً من هذا التفكير، يرفض اليمين انتهاء الحرب من دون القضاء على "حماس"، أو من دون التلميح بالعودة إلى القتال بعد العثور على حجة مناسبة. ولا يكتفي اليمين بالتركيز الوطني على الأعداد للهجوم على المنشآت النووية في إيران، بل أيضاً يطالب باستمرار الحرب على جبهتين. لكن على الرغم من الضجة التي تثيرها دانيالا فايس [ناشطة متطرفة تدعو إلى ضم الضفة الغربية]، فإن في الإمكان كبح تحقيق هذه التطلعات الاستيطانية عبر التوصل إلى أغلبية كبيرة مؤيدة للصفقة.
- وبناء على ذلك، يقول نشطاء في طاقم تحرير المخطوفين إنه يجب السعي لصفقة تأخذ في الاعتبار الخطوط الحمراء التي وضعها اليمين العميق، وتتضمن إعادة كل المخطوفين كشرط للانسحاب شبه الكامل من القطاع، وإنشاء نطاق صارم على الحدود مع القطاع وداخل الأراضي الفلسطينية، بحيث كل من يدخله يُطلق النار عليه، بالإضافة إلى فصل القطاع عن مصر بالكامل (بواسطة إغلاق تكنولوجي محكم لمحور فيلادلفيا، من دون وجود إسرائيلي مادي، وإقامة معبر حدودي تحت سيطرة إسرائيلية في كرم أبو سالم). هذا فضلاً عن منع مشاركة "حماس" أو ممثلين عنها في الإدارة المستقبلية في القطاع، والإصرار على عدم عودة "المخربين" الذين سيطلَق سراحهم إلى الضفة الغربية أو القدس الشرقية، وطردهم إلى القطاع أو إلى الخارج...
- هذه أفكار بعيدة المدى تتطلب نظرة مختلفة تماماً إلى الاتصالات بشأن الصفقة. للوهلة الأولى، يمكن أن نجد نقطتَي ضعف مركزيتين، من دون الدخول في ماهية الخطوط الحمراء التي رسمت: أولاً، يدور النقاش كله الآن بشأن الصفقة وفق الخطوط العريضة التي يقترحها الأميركيون، أي على دفعتين بينما يبدو أن الدفعة الثانية لن تتحقق. والنقطة الثانية هي أنه حتى لو جرى تطبيق الخطوط الحمراء، فليس من الواضح مَن هي الجهة في اليمين العميق التي ستوافق عليها في نهاية الأمر، أم إن كان المعارضون للتنازلات هم الذين سيحسمون الأمر.
- وعلى الرغم من الشعور الإنساني السائد وسط أجزاء من الجمهور الديني - القومي بشأن ضرورة إنهاء مأساة المخطوفين، فإن زعاماتهم تتصرف بصورة مختلفة؛ فالوزير بتسلئيل سموتريتش خرج من ذلك بصورة تستحق التقدير عندما وافق على الصفقة الأولى للمخطوفين. فهل سيتصرف بهذه الطريقة إزاء الصفقة الثانية، بينما تهديد نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة يحوم فوق رأسه؟