الكذبة الكبرى تتكشف: "حماس" تُعزَّز في الوقت الذي تفقد إسرائيل السيطرة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مقابلة أجرتها معه صحيفة "وول ستريت جورنال"، إنه لن يوافق على وقف الحرب "قبل القضاء على حركة حماس"، على حد تعبيره. وأضاف نتنياهو: "لن نتركهم في السلطة في غزة، على بُعد 50 كيلومتراً عن تل أبيب، هذا لن يحدث"، وجاء تصريحه ذاك في معرض الحديث عن الصفقة التي تتبلور لإطلاق سراح الأسرى.
  • لا يوجد هراء، أو كليشيه، أكبر من تصريح رئيس الوزراء هذا. فبمرور الوقت، تفقد إسرائيل قدرتها على القضاء على حركة "حماس"، أكثر فأكثر، واليوم، تسيطر الحركة على قطاع غزة بقبضة حديدية، ويختبئ الآلاف من مقاتليها في أنفاق تحت الأرض، تمتد مئات الكيلومترات. ومؤخراً، رفدت الحركة جناحها العسكري بتعزيزات تضم 3000 مقاتل شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و20 عاماً.
  • أنفاق "حماس" مليئة بالمؤن بفضل المساعدات الإنسانية التي تسيطر عليها الحركة، التي تواصل الحصول على الذخيرة ووسائل القتال من سيناء، عبر الأنفاق التي تمر تحت محور فيلادلفيا، وكذلك، عبر الطائرات المسيّرة القادمة من مصر، حتى إن الأنفاق الواقعة تحت محور "نيتساريم" لم تُغلق، وهو ما يسمح بمرور الأسلحة ومقاتلي "حماس" إلى شمال القطاع بحُرية.
  • إن جميع الادعاءات التي يعرضها المستويان السياسي والعسكري بشأن سيطرتنا على محورَي فيلادلفيا و"نيتساريم" ليست سوى أوهام. صحيح أننا موجودون فوق الأرض، لكن يجري كثير من الأمور التي تستمر تحتها في الأنفاق من دون أيّ سيطرة فعلية للجيش الإسرائيلي عليها. إذ لا تزال "حماس" تدير قطاع غزة، وها نحن نضطر، للمرة الخامسة، إلى العودة إلى اجتياح جباليا، وتكرر هذا في مناطق أُخرى. لقد خسرنا عدداً كبيراً من الجنود والجرحى المصابين بإصابات خطِرة (في الاجتياح الخامس لجباليا وحده، خسرنا ما يقارب الأربعين جندياً!
  • الجيش الإسرائيلي لا يملك القدرة على القضاء على "حماس" بسبب نقص الاحتياطي البشري للقوات الإسرائيلية. إن جنود الجيش لا يبقون في المناطق التي يسيطرون عليها فترات طويلة، وهذا هو السبب الكامن وراء الفشل في القضاء على حُكم "حماس" وتدمير أنفاقها بشكل جدّي. ينفّذ الجيش غارات، مراراً وتكراراً، من دون أيّ هدف واضح، وهذه الغارات لا تساهم في إسقاط "حماس".
  • وهكذا، وفي إطار هذه الحلقة المفرغة من الكليشيهات، يضحّي بنيامين نتنياهو بإنقاذ الأسرى الذين يعانون في أنفاق "حماس". هذا كله يخدم مصلحته العليا المتمثلة في استمرار الحرب من أجل البقاء في السلطة.
  • يمثل التخلي عن الأسرى وترْكهم للموت في أنفاق "حماس" انتهاكاً خطِراً لكل القيم الأساسية التي تربت عليها أجيال من الجنود والمواطنين. هذا التخلي يُعد خيانة من الدولة لمواطنيها. وستكون عواقب أفعال نتنياهو وأعوانه المشينة تلك كارثية. إذ سيُظهر المواطنون والجنود، الذين تخلت عنهم الدولة في أحلك أوقاتهم، عدم رغبتهم في تقديم أيّ مساهمة للدولة، ومن المؤكد أنهم سيفقدون الرغبة في الانضمام إلى الجيش.
  • كلنا نتذكر صيحات الفرح التي أطلقها المستويان السياسي والعسكري والمحللون في وسائل الإعلام لدى الحديث عن القضاء على نصر الله وأعوانه، وعن انتصارنا على حزب الله. لقد سمعنا تحليلات كثيرة في الإعلام بشأن "الشرق الأوسط الجديد"، عبارات على غرار أننا على وشك الحسم في المنطقة بأكملها، وأننا قضينا على حزب الله، وقضينا على قدراته تماماً.
  • لا أحد، سوى العبد الفقير كاتب هذه السطور، قال إننا أضعفنا حزب الله، لكننا لم نقضِ عليه. وفعلاً، لم يكد يمرّ وقت طويل، ليستمر حزب الله في قتالنا في حرب استنزاف. وعلى الرغم من تصفية كبار قادته، فإنه واصل القتال بشراسة أكبر بعشرات الأضعاف، مقارنةً بالسنة الأولى من الحرب. لقد أطلق الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة إلى عمق إسرائيل، متسبباً بأضرار جسيمة في الأملاك والأرواح، من الحدود الشمالية، وصولاً إلى تل أبيب. لقد قرر المستوى السياسي قبول وقف القتال، الذي يعني الاستسلام لشروط حزب الله، وأعاد الجيش الإسرائيلي إلى داخل إسرائيل، بعد أن أدرك أنه لا يملك القدرة على حسم المعركة ضد الحزب.
  • إذاً، ما الذي حدث بالضبط، بعد أن بدا للجميع كأن الجيش الإسرائيلي حسم المعركة ضد حزب الله؟ القصة بسيطة جداً، وأنا أتحدث عنها منذ أعوام عديدة. خلال العشرين عاماً الماضية، قام الجيش الإسرائيلي بتقليص حجم قواته البرية، فجرى تقليص آلاف الدبابات، وخفض 50% من كتائب المدفعية، وتقليص ألوية المشاة، وإجمالاً، تم إلغاء ست فرق. هذا هو سبب افتقار الجيش الإسرائيلي إلى الاحتياط البشري اللازم للمناورة بعمق داخل صفوف العدو، والبقاء في المناطق التي يسيطر عليها، والانتشار في عدة جبهات في الوقت نفسه.
  • هذا هو السبب الذي يجعل الجيش الإسرائيلي عاجزاً عن حسم المعركة، لا مع "حماس"، ولا مع حزب الله. هناك فرق شاسع بين ما يحدث على أرض الواقع وبين الأكاذيب التي يروّجها المستويان السياسي والعسكري في محاولة لخلق صورة إيجابية على حساب الحقيقة. لكن هذا ليس كل شيء.
  • بعد أن بسط الجهاديون المتطرفون سيطرتهم على سورية، سمعنا مرة أُخرى صيحات الفرح الصادرة عن المستويَين السياسي والعسكري، وعن شرائح واسعة في المجتمع. جوهر هذه الصيحات كان: لقد ألحقنا أضراراً جسيمة بـ"محور الشر" الإيراني بفضل الجيش الإسرائيلي، ولم يعد لدينا أعداء أو أخطار تهددنا.
  • هذا يذكّرني بما شهدناه من غطرسة وغرور وانعدام مسؤولية في السنوات التي سبقت هجوم "حماس" على "غلاف غزة" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين كان يُقال إننا الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، وأن الدول العربية مرتدعة. لقد تحدثتُ عن الحقيقة المُرة التي تحققت في نهاية المطاف، وهو ما أصاب بالحزن كلّ مَن يحاول تضليل الجمهور. والآن، ها نحن نعود إلى ظاهرة الرضا عن الذات نفسها، من دون أن نفهم، أو نستعد للتهديدات المستقبلية التي ستكون أشد خطورةً بأضعاف.
  • سأقتبس تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة: "الرئيس أردوغان، الذي وقف إلى جانب المتمردين في الثورة السورية، صرّح بأنه سيساعد القائد الجولاني على بناء دولة جديدة، وهدد إسرائيل بضرورة إنهاء الاحتلال في سورية، وأعلن أن القدس لنا". أردوغان يخطط لتعزيز مكانته في سورية ومساعدة قائد المتمردين الجولاني على بناء دولة جديدة، ومن المتوقع أن يزور دمشق خلال الأسبوعين المقبلين.
  • يمكن لأيّ شخص عاقل أن يفهم أنه على الرغم من أن "محور الشر" الإيراني وأتباعه تعرضوا لضربة، فإن "محور شر" أكثر خطورةً بعشرات المرات قد ينشأ مكانه، وهو "محور شر" مكون من دول إسلامية متطرفة بقيادة الأتراك. هذا المحور قد ينشأ في سورية، التي يمكن أن تتحول إلى دولة جهادية متطرفة، دولة "إرهاب" تقع على حدود إسرائيل. ومن المحتمل أن ينضم إليه الأردن أيضاً، الذي يوجّه الإيرانيون أنظارهم نحوه.
  • علاوةً على ذلك، مؤخراً، نلاحظ تراجُع التزام مصر اتفاقية السلام، وتقارُبها مع دول معادية لنا، مثل تركيا، وحتى إيران. اليوم، تمتلك مصر الجيش الأقوى في الشرق الأوسط. فلديها 4000 دبابة، منها 2000 دبابة حديثة، ومئات الطائرات المقاتلة المتطورة، وأقوى قوة بحرية في الشرق الأوسط. وجميع تدريبات الجيش المصري موجهة ضد إسرائيل. لقد أنشأ المصريون أكثر من مئة ممر تحت قناة السويس وفوقها لتسهيل نقل قواتهم بسرعة إلى سيناء. وشيّدوا طرقات سريعة جديدة داخل سيناء في اتجاه إسرائيل، وأنشأوا مستودعات وقود، ونقلوا الذخيرة إلى سيناء، وينشرون عديد قوات في سيناء يفوق كثيراً العدد المسموح به بموجب اتفاقية السلام مع إسرائيل.
  • ليس هذا فحسب، بل إن الرئيس الأميركي جو بايدن قرر، مؤخراً، تقديم "هدية" لمصر قبل انتهاء ولايته (وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، وبلّغ الكونغرس موافقته على الصفقة). وقرر بيع معدات لـ 555 دبابة من طراز "أبرامز M1A1" بقيمة 4.69 مليار دولار، و2183 صاروخ جو-أرض من نوع "هيلفاير" بقيمة 630 مليون دولار، وذخيرة موجهة بقيمة 30 مليون دولار.
  • هذه القدرات الهائلة قد تُستخدم في إطار حرب إقليمية شاملة ضد إسرائيل. أمّا في إسرائيل، فلا شيء يحدث، اللامبالاة نفسها، والغرور نفسه، والرضا عن الذات نفسه، والتي كانت موجودة على مدار العشرين عاماً الماضية، قبل أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
  • لا تملك إسرائيل ترف الانتظار إلى أن يتحقق هذا التهديد الوجودي بكل فظاعته. وبالتالي، هناك حاجة فورية إلى تعزيز الجيش البرّي، وشراء وسائل قتالية مناسبة لحروب المستقبل، بدلاً من حروب الماضي، وإصلاح العلاقات مع دول العالم، وإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي، وإعادة تأهيل المجتمع المريض الذي يقف على شفا حرب أهلية. يجب ألّا نغرق مجدداً في أوهام "اجلس ولا تفعل شيئاً"، وألّا نصل إلى الوضع الذي كنا عليه عشية اندلاع حرب "السيوف الحديدية"، أو ربما إلى ما هو أسوأ منه.
  • لا أمل لدولة إسرائيل في ظل القيادة السياسية والقيادة العسكرية العليا الحالية. ولن نتمكن من إنقاذ الدولة وفتح أفق جديد لها إلّا من خلال استبدالهما فوراً بجيل جديد من القادة.