الثمن الذي ستدفعه إسرائيل في مقابل صفقة المخطوفين باهظ، لكن لا مفرّ منه
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- المفاوضات بشأن صفقة المخطوفين توشك على الوصول إلى نهاية إيجابية: قطعت إسرائيل شوطاً طويلاً، بضغط أميركي كبير، والآن، نضجت لإعلان التوصل إلى اتفاق، قبل تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، بعد 6 أيام. مع ذلك، وكالعادة، هناك تحفّظان. الأول، أن في إمكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التراجع عن الاتفاقات، مثلما جرى في مرات كثيرة طوال فترة الاتصالات. والتحفظ الثاني هو أنه على الرغم من الإشارات الإيجابية، فإنهم ما زالوا حتى الأمس ينتظرون الرد النهائي من "حماس"، وخصوصاً زعيم الحركة في جنوب القطاع محمد السنوار.
- بافتراض احتمال التوصل إلى صفقة، فمثلما كتبنا قبل شهر، إن العامل الأساسي هو تأثير ترامب. فالرئيس المنتخب لديه أدوات كثيرة جداً للضغط على نتنياهو والدولتين الوسيطتين مصر وقطر، مقارنةً بالرئيس المنتهية ولايته بايدن. وأفضل مثل لتأثير ترامب تجلى في اللقاء الخارج عن المألوف، صباح يوم السبت، بين نتنياهو وموفد الرئيس ترامب ستيفن ويتكوف. لقد شرح الموفد لنتنياهو، بلهجة لا لبس فيها، أن ترامب يتوقع منه الموافقة على الصفقة. والمسائل التي سبق أن قال نتنياهو إنه مستعد للموت من أجلها، مَن يتذكر كيف أصبح محور فيلادلفيا حجر أساس وجودنا، اختفت دفعة واحدة.
- يجب ألّا نستخف بالتغيّرات التكتونية السياسية والاستراتيجية التي تحدث هنا. وافق نتنياهو في أيار/مايو الماضي، وبضغط من بايدن، على مخطط يشمل انسحاباً تدريجياً كاملاً من القطاع، ووقف الحرب، وإطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين. لكنه تراجع عن ذلك، وجعل من محور فيلادلفيا ذريعة، وراكم العقبات في وجه تقدُّم الصفقة طوال أشهر (وللأمانة، أيضاً "حماس" أثارت مشكلات). خلال هذه الفترة، توفي ما لا يقل عن 8 مخطوفين، يبدو أن اثنين منهم قُتلا جرّاء قصف الجيش الإسرائيلي، وقضى ستة مخطوفين على يد "حماس". كذلك، قُتل 133 جندياً إسرائيلياً في تلك الفترة، أكثر من ثلثهم في العملية العسكرية في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، والتي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. من المؤكد أن توجيه ضربات عسكرية أُخرى إلى "حماس" مهم، لكن الحسم لم يتحقق هنا، والنصر المطلق ليس قريباً. حجة نتنياهو التي حظيت أحياناً بدعم من كبار المسؤولين في الجيش، والتي تفيد بأن الضغط العسكري وحده سيؤدي إلى تحرير المخطوفين، تبين أن لا أساس لها.
- الآن، رئيس الحكومة يتراجع. ويمكننا أن نراقب، بسرور، أزمة الثقة التي يعانيها مناصروه في القنوات الإعلامية واضطرارهم إلى الاختيار الآن بين الوقوف مع الرسائل الجديدة الواردة من مكتب رئيس الحكومة (لم نتنازل؛ الاتفاق هو جزء من تسوية استراتيجية مهمة جداً)، أو البقاء مخلصين للخط الذي تحدثوا عنه قبل يومين، والذي يعتبر أن أيّ اتفاق يشكل خطراً مباشراً على أمن إسرائيل. وتتسلل إلى قلبي فكرة أنه منذ الإخفاق الاستخباراتي المريع في 7 أكتوبر، تشكل فرحة اليمين والمستوطنين بفوز ترامب في الانتخابات خطأً كبيراً آخر في التقدير. ليس لأن ترامب لا يحبنا، بل لأن لديه مصالح أُخرى. إبرام صفقة ضخمة مع السعودية تشمل تطبيعاً إسرائيلياً - سعودياً، واتفاق نووي جديد مع إيران، وجائزة نوبل للسلام، وثمة شك في أن كل هذه الأمور هي أكثر أهميةً، بالنسبة إليه، من عودة الاستيطان إلى شمال القطاع، أو رؤيا ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية.
- إن نقطة الضعف التي من المهم التوقف عندها فيما يتعلق بتقسيم الاتفاق إلى دفعتين. في اليوم السادس عشر لتوقيع الاتفاق، وخلال تنفيذ الدفعة الأولى، من المفترض أن تبدأ المفاوضات بشأن الدفعة الثانية. التخوف المفهوم لعائلات المخطوفين من فشل هذه المفاوضات، وعودة أفراد المجموعة الإنسانية، التي تتكون من النساء والرجال الكبار في السن والمرضى والجرحى، إلى إسرائيل، بينما يبقى الجنود والرجال من الشباب في قبضة "حماس" وقتاً طويلاً، كبطاقة تأمين، للدفاع عن قادتها. من الممكن الافتراض أن ترامب يعتقد أنه سينجح في إدخال نتنياهو إلى نوع من "مسار" لا عودة فيه إلى الوراء، وما أن تنفّذ المرحلة الأولى، سيستخدم ضغطاً كبيراً على الحكومة من أجل تحرير ما تبقى من مخطوفين أحياء واستعادة جثامين الأموات منهم.
- ستضطر إسرائيل إلى قبول الاتفاق الجارية بلورته على مضض. وكما شككنا منذ البداية، لا يضمن الاتفاق القضاء على حُكم "حماس"، على الرغم من وعود نتنياهو ووزرائه. إن الحاجة إلى إنقاذ 50 مخطوفاً حياً قبل أن يموتوا في الأنفاق، معناه التخلي عن الهدف المعلن للحرب، التدمير الكامل لحكم "حماس". ولا شك في أن "حماس" ستستغل إطلاق سراح هذا العدد الكبير من الأسرى من أجل تحصين موقعها وسط الجمهور الفلسطيني، وفي الضفة الغربية. فالانسحاب من نتساريم، ثم في المرحلة الأولى، الانسحاب بصورة جزئية من محور فيلادلفيا، سيقيّدان سيطرة الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة. ولا يضمن الاتفاق رقابة حقيقية على حركة السكان الفلسطينيين العائدين إلى شمال القطاع.
- هذه التنازلات كلها فرضها ترامب، وهي مطلوبة أيضاً من أجل البدء بإعادة المخطوفين إلى منازلهم، الأحياء منهم والأموات. إنه ثمن باهظ، لكن يبدو أن لا مفرّ منه. لا يمكن أن نتجاهل ما حدث في الحرب: الضرر الذي لحِق بحركة "حماس" وقيادتيها السياسية والعسكرية وبناها التحتية العسكرية والدمار الهائل في القطاع، أمور سيتذكرها الفلسطينيون طوال سنوات، كذلك، سيتذكرون الثمن الجماعي الذي دفعوه جرّاء "مذبحة" 7 أكتوبر.
- لاحقاً، وفي السيناريو المتفائل، سيترافق الهدوء البعيد المدى في القطاع مع خطة إعادة إعمار دولية، سيجري في إطارها تدفُّق الأموال من دول الخليج، بشرط أن تترك "حماس" الحكم. وستكون السلطة الفلسطينية، مع كل مشكلاتها، شريكة في ترتيبات الحكم الجديد في غزة. ويمكن أن يكون هذا جزءاً من حل شرق أوسطي واسع النطاق يتطلع إليه ترامب، يشمل خطة التطبيع مع السعودية...
- الآن، وبصورة تدعو إلى الدهشة، يتحدث شريكا نتنياهو من اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، علناً، ضد صفقة تبادُل المخطوفين، لكنهما لا يعلنان الاستقالة من الحكومة. في المدى الأبعد، إذا قدمت الإدارة الأميركية خطة محددة وروّجتها، فسيكون لذلك تداعيات كبيرة على المنظومة السياسية في إسرائيل. وسيضطر نتنياهو إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينوي التوجه نحو انتخابات جديدة، أم سيتوجه نحو الوسط السياسي ويفرط التحالف الذي دام سنوات مع المتطرفين...
- إذا فشلت المفاوضات بشأن الصفقة وانهارت، فسيبدأ نقاش عاصف في إسرائيل بشأن أهمية الاحتفاظ بالورقة الإقليمية لشمال القطاع. يسعى اليمين المتطرف لحلول أُخرى، مثل إنشاء مستوطنات، وإقامة حُكم عسكري، واستخدام مقاولين أجانب من أجل توزيع الغذاء على الجمهور الفلسطيني. في الجيش، يحذّرون من فشل مثل هذه الخطوة، وأن المهمة ستقع في النهاية على عاتق الجيش الإسرائيلي بصورة تؤدي إلى مقتل الجنود في أثناء توزيعهم القمح على المدنيين الفلسطينيين.
- في الواقع، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها "حماس"، فإنه من الواضح أن العملية لم تؤدّ إلى نتيجة حاسمة. المعارك في جباليا تراجعت، ويُفترض أنه بقيَ هناك عدة عشرات من "المخربين" الناشطين، وعدد مشابه لا يزال ناشطاً في بيت حانون، لكن على الرغم من ذلك، فإنهم نجحوا في تكبيد الجيش خسائر جسيمة نسبياً، وعلى ما يبدو، يستخدم "المخربون" أنفاقاً لم يُكشف عنها بعد، ويعتمدون على كميات من الغذاء والسلع التي خزّنتها "حماس" في الأنفاق شهوراً طويلة.