الخطط التركية لإنشاء ممرات جديدة للطاقة في سورية، كيف ستؤثر في طموحات إسرائيل الإقليمية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية
تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
- أطلق انهيار نظام الأسد، في كانون الأول/ديسمبر 2024، من جديد، عدداً من المشاريع المهمة للطاقة، من أجل ربط دول المنطقة التي أُهملت في الماضي بسبب الحرب الأهلية المستمرة في سورية. وعلى الرغم من أن جزءاً من هذه المشاريع يمكن أن يقوّض المصلحة الإسرائيلية في أن تصبح إسرائيل "جسراً للطاقة" بين الشرق الأوسط وأوروبا، فإن بعضها يتضمن إمكانات لتطوير أسواق جديدة أمام إسرائيل لبيع الغاز الطبيعي ونقل الوقود والكهرباء إلى دول المنطقة. وسيتحدث المقال عن 3 مشاريع لا تزال في بداية الطريق، وسيفحص تداعياتها على المصالح الإسرائيلية:
- مشروع إنشاء أنبوب غاز بين قطر وتركيا، عبر سورية.
- ربط تركيا بأنبوب الغاز العربي، عبر جزئه السوري.
- إنشاء أنابيب نفط دائمة في سورية تحل محلّ شحنات الوقود الإيرانية.
1- إنشاء خط الغاز بين قطر وتركيا، عبر سورية
- منذ سقوط نظام الأسد، تحدثت وسائل الإعلام التركية عن رغبة شديدة لدى الحكومة التركية في إحياء مشروع إقامة خط للغاز من قطر، يمر عبر سورية. تم إعلان المشروع أول مرة في سنة 2009، فدفعت به تركيا، لكن قطر تخلّت عنه، بعد بروز عدد كبير من المشكلات التقنية والسياسية. وشملت هذه المشكلات الحرب الأهلية في سورية، والنزاع السياسي بين قطر والسعودية، وانهيار أسعار النفط في سنة 2014، الأمر الذي جمّد كثيراً المشاريع الخاصة بإقامة خطوط نقل للطاقة في المنطقة برمّتها. الآن، وبعد سقوط نظام الأسد وعودة الحرارة إلى العلاقات بين قطر والسعودية، يعود الاهتمام التركي مجدداً بالدفع بمشروع خط الغاز القطري.
- ويخدم خط الغاز المشترك مع قطر عدة مصالح تركية مهمة، فهو يسمح لتركيا بتعزيز مكانتها، كدولة بديلة أساسية من الغاز الروسي، بالنسبة إلى أوروبا، وسيوفّر لها مصدراً أساسياً للغاز الزهيد الثمن الذي يمكن أن تستخدمه منطقة جنوب شرق تركيا التي تعاني جرّاء انقطاع الكهرباء في الشتاء، وهو يساعد أيضاً على تقوية العلاقات بين تركيا وقطر التي لديها مصلحة مشتركة مع تركيا في استقرار النظام الجديد في سورية.
- وفي هذه المرحلة، لا يوجد موعد محدد لإنشاء الخط، ولا تقديرات بشأن التكلفة الممكنة للمشروع. ومن المعقول الافتراض أن قطر تريد الانتظار لترى كيف سينجح الحُكم الجديد في سورية في العمل على استقرار وضعه وتحقيق السيطرة على وسط الدولة، لكي تقرر استثمار مبلغ كبير في إنشاء الخط العابر للدول. عموماً، لا تستثمر الدول مليارات الدولارات في إنشاء خط غاز خارج حدودها إذا كانت غير متأكدة من أن دولة العبور مستقرة، وتثق بها، على الأقل خلال الأعوام العشرة المقبلة، من أجل استعادة تكلفة الخط، وأنه لا يوجد خطر لابتزازها ورفع تكلفة العبور أكثر. وهذا أمر مهم، وخصوصاً في المناطق التي يمر فيها الخط، والتي سيكون جزء منها عرضةً لهجمات من تنظيم "داعش"، أو تنظيمات مشابهة، وهذا يتطلب تكاليف حماية مرتفعة.
- وفي غضون ذلك، تفضل قطر التركيز على ضمان خطوط النقل البحري لتوريد الغاز المسال إلى أوروبا، إذ ازداد الطلب عليه بصورة كبيرة منذ نشوب الحرب في أوكرانيا. أيضاً، تستثمر قطر كثيراً في تعميق دورها في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي يمنحها مدخلاً قريباً جداً من أوروبا، وتفوقاً في النزاع المستمر بين تركيا وقبرص بشأن المناطق البحرية. وتتضمن هذه الاستثمارات شراء 23% من حقول الغاز في مصر والشراكة في التنقيب في بئرَين جديدَتين في المياه القبرصية.
- بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الارتباط على مستوى الطاقة بين تركيا وقطر حول سورية، يمكن أن يقوّض فكرة الممرات البرّية بين دول الخليج وإسرائيل، والمعروفة بـ"IMCEIndia- Middel East- Europe Corridor". وفي حال نجاح إنشاء هذا الخط، فسيصبح من السهل إضافة بنى أخرى إلى خطوطه، مثل الطرقات والسكك الحديدية وخطوط الكهرباء. وفي وضع كهذا، سيكون من الأسهل على دولة الإمارات الانضمام إلى الخط، لكي تصدّر، عن طريقه، الغاز الجاف وسلعاً أُخرى إلى تركيا وأوروبا، من إقامة ممر وبنى تحتية جديدة، عبر الأردن وإسرائيل، من أجل الوصول إلى شرق البحر المتوسط. ومن الواضح أن الإمارات لا ترغب في أن تكون تابعة لقطر وتركيا في نقل بضائعها، لكن مع استمرار الحرب في غزة وخسارة إسرائيل موقعها كجزيرة استقرار إقليمي، فإنها ستنجذب أكثر نحو إقامة بنية تحتية بديلة تصل إلى أوروبا. يجب على إسرائيل أن تفهم أن استمرار الحرب وعرقلة التطبيع مع السعودية يمكن أن يؤديا إلى ضياع الفرص الاقتصادية الإقليمية تماماً، ويجب عليها مواصلة الدفع قدماً، مع قبرص واليونان، بميزة انتقال الطاقة عبرهما، وخصوصاً في مواجهة مستثمرين ممكنين في أوروبا والولايات المتحدة، والإدراك أن الممرات البديلة يمكن أن تتحقق إذا استمر التأخير.
2- ربط تركيا بخط الغاز العربي في سورية الذي يتدفق عبره الغاز الإسرائيلي إلى الأردن ومصر
- بالإضافة إلى الخطة التركية لبناء خط أنابيب غاز مشترك مع قطر قد يقوّض الطموحات الإسرائيلية، هناك خطة تركية أخرى قد تساعد إسرائيل على فتح أسواق جديدة لصادراتها من الغاز. في الشهر الماضي، بدأت تركيا بدرس فكرة أخرى كانت مجمدة منذ فترة طويلة، وهي إمكان الارتباط بـ"خط الغاز العربي" من خلال الجزء الذي يمرّ في سورية. تجدر الإشارة إلى أنه تم افتتاح خط الغاز العربي في سنة 2003، وكانت تستخدمه، في الأساس، مصر لتصدير الغاز إلى شمال الأردن وسورية. وفي الفترة 2006-2008، جرى توقيع اتفاقات لتمديد خط الأنابيب إلى تركيا، لكن تم التخلي عن المشروع في سنة 2009، بسبب نضوب الغاز الذي يمكن تصديره من مصر. اليوم، تستخدم إسرائيل هذا الخط بصورة أساسية، وتبيع عبره الغاز للأردن، ومن هناك إلى جنوب مصر، بينما لم يُستخدم القسم السوري من الخط. حالياً، يستطيع هذا الخط نقل نحو 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، ويمكن زيادة الكمية حتى تصل إلى 15 مليون متر مكعب، إذا تم تحديث الخط وتركيب مضخات ضغط إضافية.
- إذا تمكنت تركيا من الاتصال بخط الغاز العربي بقسمه السوري، فستتمكن إسرائيل، نظرياً، من نقل الغاز إلى شمال تركيا، ومن هناك إلى أوروبا (بصورة مباشرة، أو عبر صفقات مبادلة مع تركيا Swap Deal). ويمكن الافتراض أن مثل هذه الخطة لا يمكن أن تمضي قدماً من دون تحسُّن العلاقات بين إسرائيل وتركيا، بالإضافة إلى التطبيع بين إسرائيل والنظام الجديد في سورية. لكن لا حاجة إلى هذين السيناريوهين من أجل رؤية وصول الغاز الإسرائيلي إلى تركيا، لأن إسرائيل قادرة على بيع الغاز الطبيعي للأردن، أو مصر، بصفتهما "عملاء نهائيين"، وهاتان الدولتان تبيعان الغاز لتركيا. وهذا الترتيب موجود منذ عامين، إذ تبيع إسرائيل الغاز إلى مصر التي تحوّله إلى غاز مسال، وتبيعه لعدد من الدول، بينها تركيا.
- لكن على الرغم من ذلك، فإنه يجب على إسرائيل الأخذ في اعتبارها أن أيّ ترتيب تبيع بموجبه الغاز الجاف، عبر خط أنابيب الغاز، إلى تركيا، ولو بشكل غير مباشر، قد تعتبره قبرص واليونان تقويضاً لمصالحهما، وقد يشكل خط الأنابيب الجديد تحدياً لأهداف منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) لأنه قد يجعل من غير المجدي بناء البنية التحتية البحرية الباهظة التكلفة لنقل الغاز وتسييله، عبر شرق البحر المتوسط. وتجدر الإشارة إلى أن الخطة التركية للارتباط بالخط العربي تأتي بالتزامن مع إعلان رغبتها في تعزيز مشاريع إضافية من البنى التحتية للطرق وسكك الحديد والمواصلات بينها وبين سورية. هذه المشاريع يمكن أن تخدم تركيا من أجل تعميق نفوذها في سورية، ومحاولة صوغ اتفاقات جديدة للحدود البحرية معها قد تشكل تحدياً للمطالب القبرصية في المياه البحرية.
- يجب على إسرائيل العمل من أجل تهدئة مخاوف قبرص واليونان، فإذا كان هناك فرصة لإسرائيل في تصدير الغاز إلى تركيا، من المعقول أن يصطدم هذا مع رغبتها في تعزيز البنى الأساسية لإنتاج الغاز والنقل في شرق البحر المتوسط. ولن ترغب الشركات الإسرائيلية في الاعتماد على سورية وتركيا كدولتَي عبور أساسيتين لغازها، وبالتالي ستكون حذرة فيما يتعلق بكميات الغاز التي ستلتزم نقلها عبر مثل هذا الخط. علاوةً على ذلك، لا ترغب شركات الغاز في الاعتماد على مصر أيضاً والأردن كعملاء نهائيين لبيع الغاز لتركيا، ويعود ذلك، جزئياً، إلى سداد الديون، وفي جميع الأحوال، ستفضّل الدفع ببنى تحتية إضافية من أجل تنويع مصادر التصدير وزيادة الأرباح إلى الحد الأقصى، مثل منشأة تسييل الغاز في قبرص.
3- بناء خطوط نفط وخطوط كهرباء في سورية تحلّ محلّ الإمدادات الإيرانية
- بالإضافة إلى استخدام سورية كدولة عبور لخطوط الغاز، فإن النظام الجديد في سورية يحتاج الآن إلى أنابيب نفط جديدة تحلّ محلّ الإمدادات من إيران، بعد أن أصبحت سورية الآن من دون إمدادات منتظمة بالنفط الخام والوقود. في عهد نظام الأسد، كانت سورية تحصل على 90% من إمداداتها بالنفط من إيران (60-70 ألف برميل يومياً)، و10% كان يأتي من الإنتاج المحلي لحقول النفط في سورية. في هذه الأثناء، كان حزب الله يقوم بتهريب المشتقات النفطية من لبنان إلى سورية، على الرغم من الأزمة الحادة التي كان يعانيها لبنان في النفط. لكن إيران قطعت شحنات الوقود إلى سورية فور انهيار نظام الأسد. وفي الوقت عينه، قصفت إسرائيل طرق تهريب حزب الله إلى سورية، وبهذه الطريقة، منعت تهريب الوقود من لبنان.
- في ظل هذه الظروف الجديدة، تسعى سورية الآن لإقامة شراكات جديدة من أجل استيراد النفط بشكل منتظم. والحل الأكثر توفراً هو الحصول على شحنات نفط بالشاحنات، عبر الحدود، من إحدى دول الجوار، لكن هذا الحل موقت ومكلف. في المدى البعيد، ستسعى سورية للاتصال بخط أنابيب نفط جديد لضمان الحصول على إمداد دائم ومنتظم. والخيار الأكثر وضوحاً هو خط أنابيب النفط الموجود بين سورية وكركوك في شمال العراق، والذي توقف عن العمل في ثمانينيات القرن العشرين. لكن حقيقة أن الموارد النفطية هي الآن تحت سيطرة الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، من شأنها أن تثير معارضة تركية. بالإضافة إلى ذلك، تدرس قطر والإمارات والسعودية الآن إمكان أن تصبح هي المزوّد الجديد لسورية بالنفط، كجزء من اللعبة الإقليمية، للحصول على موطىء قدم سياسية في النظام الجديد. ومن المتوقع أن تشهد الشهور المقبلة العديد من التحركات في هذا الاتجاه، مع إصرار السعودية على توريد النفط إلى سورية، بدلاً من قطر، وبذلك، منع خطط قطر من تعزيز وجودها في سورية إلى جانب تركيا.
- يبدو أن إسرائيل لم تتخذ، حتى الآن، قراراً واضحاً بشأن طبيعة علاقاتها مع النظام الجديد في سورية. وهذا الحذر مفهوم، في ضوء كل السيناريوهات التي يمكن أن تحدث في سورية، وتغيّر حسابات الدول المجاورة بالكامل. ومع ذلك، فيما يتعلق بالإمكانات الكامنة في اتفاق بشأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وسورية، يمكن الحديث عن فتح ممرات جديدة للطاقة وفرص اقتصادية كبيرة لإسرائيل، سواء من خلال تصدير الغاز الطبيعي، أو المساعدة في التزود بالنفط، وبناء توربينات رياح مشتركه في هضبة الجولان، وغيرها.
- إذا تأخرت إسرائيل في الرد على التطورات الكثيرة التي لها علاقة بإقامة بنى تحتية للطاقة في سورية، وخصوصاً تلك التي تقوم بها تركيا، فقد تخسر فرصاً اقتصادية وسياسية ثمينة جداً، وتصبح جزءاً لا يتجزأ من الممر الجديد للطاقة في المنطقة.