حقبة ترامب الثانية هي حقبة تغيير دراماتيكي وعميق
تاريخ المقال
المصدر
- ما حدث يوم الاثنين الماضي في واشنطن، كان حدثاً لا يمكن تخيُّله: رجل الأعمال المثير للجدل، والذي اتُّهم أنصاره باقتحام قبة الكابيتول، وواجه 4 لوائح اتهام، نُصِّب (للمرة الثانية) رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. لم نشهد مثل هذه العودة من ذي قبل. ولم نرَ قبلها رجل مقاولات محنكاً ومتلوناً يسيطر على الحزب الأميركي الأكبر، ودخل في صراع مع النخبة الأميركية القائدة، وعاد إلى المكتب البيضاوي، بعكس كل التوقعات. لم نشهد شخصاً أنانياً ومهووساً بعظمته الشخصية، وغير متوقّع، يسيطر على البيت الأبيض، وعلى مجلس الشيوخ، ومجلس النواب، وأيضاً على المحكمة العليا. لذلك، فإن حقبة ترامب الثانية هي حقبة تغيير عميق، ودراماتيكي. حقبة ثورية. حقبةُ ما كان سابقاً لن يكون.
- فاز ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بسبب ثلاث مشكلات لم تفهمها المؤسسات القديمة: الهجرة، والتقدم، والتضخم؛ خلال سنوات حُكم بايدن، ارتفعت الأسعار كثيراً، وجعلت حياة أسرة أميركية من الطبقة الوسطى غير محتملة. لم يفهم الليبراليون الأثرياء في نيويورك هذا الأمر، وواصلوا العيش في داخل فقاعة الثراء، ولم يعالجوا ضائقة الفقر التي تعاني أغلبية الأميركيين جرّاءها. الهجرة؛ خلال ولاية بايدن، جرى خرق الحدود الأميركية، وتدفُّق ملايين المهاجرين غير الشرعيين إلى أميركا بصورة تهدد هويتها واستقرارها. أثرياء كاليفورنيا لم يعترفوا بالمشكلة، ولم يفعلوا شيئاً لمواجهتها. التقدم؛ في العقد الأخير، فقدت أميركا رشدها. مجموعات راديكالية صغيرة وصاخبة فرضت على الأمة جدول أعمال مجنوناً، ومن خلال أداء دور الضحية، وأزمة الهوية والأخلاق العنيفة، لم يتجرأ الليبراليون الطيبون في واشنطن على مواجهة هذا الجنون، بل خضعوا له.
- توجد علاقة عميقة بين هذه المشكلات الثلاث لم يرَها الديمقراطيون. وكانت النتيجة أن أميركا من فوق (الأكاديميون والإعلام والطبقة الثرية في المدن) انفصلت بصورة كاملة عن واقع أميركا - الموجودة تحت. ترامب المتلون كان السياسي الوحيد الذي فهِم ذلك، والسياسي الوحيد الذي كان لديه الجرأة المطلوبة للوقوف ضد ما بدا أنه روح العصر.
- الحجة السائدة أن ترامب كذاب صحيحة. وفي الواقع، الرئيس الـ47 ليس دقيقاً في التفاصيل. لكن المفارقة أن ترامب الكذاب يقول الحقيقة: لقد رأى التهديد الصيني، بينما كان الآخرون عمياناً، وهو رأى المشكلة التي تنطوي عليها اتفاقات التجارة الحرّة التي ألحقت الضرر بالصناعة الأميركية، وبالتصنيع الأميركي، وهو رأى انهيار الأمن الشخصي في مراكز المدن الكبرى. في المقابل، خصومه الديمقراطيون الذين كانوا يتحدثون باسم الحقيقة، لم يتوقفوا عن الكذب. لقد كذبوا بشأن قدرة بايدن على العمل، وكذبوا بشأن قدرات كمالا هاريس الرئاسية، وكذبوا بشأن كل ما له علاقة بالتهم الجنائية المتعلقة بزعيم الحزب الجمهوري. وكذبوا على الجمهور الأميركي العريض بشأن الوضع الأميركي.
- لا يمكن معرفة إلى أين سيأخذ الرئيس القديم - الجديد فوزه. فالعدوانية التي ميّزت عمله خلال أيامه الأولى لا تبشّر بالخير، لكن الأيام لا تزال أمامنا. الآن، من الواضح أن ربع قرن من التقدم وصل إلى نهايته. إن الفساد العميق للمؤسسات التي تدّعي أنها ليبرالية كان سبب انهيارها. وسيكون لهذه الحقيقة تداعيات بعيدة المدى، ليس على الولايات المتحدة فقط، بل على العالم الحرّ برمته، وعلى إسرائيل. يجب على الموجودين في نيويورك، وفي تل أبيب، أن يدركوا أن عصر الثورة بدأ.