السعودية ملأت الفراغ الذي تركته إيران في الشرق الأوسط
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- شكّل ضُعف حزب الله وسقوط نظام الأسد في سورية فرصة ذهبية للسعودية من أجل محاولة تحويل التوازن الإقليمي لمصلحتها. ولم تضيّع المملكة لحظة، وبعد سنوات من الهيمنة الإيرانية على سورية ولبنان، يريد السعوديون، اليوم، تغيير وجه الشرق الأوسط. فهل ستكون غزة المحطة التالية؟
- إن ترسيخ النظام الجديد في سورية، وانتخاب رئيس جمهورية جديد في لبنان، والبدء بتأليف حكومة جديدة، أمور كلها تشير إلى حقبة جديدة في المشرق. هذه التغييرات، وإلى حد كبير، برعاية إسرائيل، ولّدت توجهاً سعودياً جديداً، ناشطاً ومبادِراً، لم نشهده منذ أعوام كثيرة، الهدف منه ضمّ دمشق وبيروت إلى دائرة النفوذ السعودي.
- إن استراتيجيا الدول الخليجية من أجل استمالة الأسد نحوها من خلال منح الشرعية للنظام فشلت مع سقوط النظام. لقد اعتقدت هذه الدول أن نظامه ثابت. فور صعود النظام الجديد في سورية، وصل وفد سعودي إلى دمشق، وقام وفد سوري برئاسة وزير الخارجية السوري الجديد بزيارة إلى الرياض. وفي المقابل، نشطت السعودية حيال المجتمع الدولي من أجل رفع العقوبات عن سورية، وتعهدت تزويدها بالنفط، بدلاً من إيران.
- تحتاج الحكومة السورية الجديدة إلى شرعية عربية، وإلى استثمارات ضخمة. دخلت السعودية من هذه الزاوية بنفوذها العربي والإسلامي، وبقدراتها الاقتصادية الكبيرة. وهدفها هو، من جهة، عدم السماح لإيران بترميم ما خسرته، ومن جهة ثانية، التأكد من عدم قيام دولة إسلامية في سورية تعرّض الاستقرار الإقليمي للخطر، وتميل في اتجاه تركيا. لكن ليس واضحاً حجم الاهتمام والموارد التي ستكون السعودية مستعدة لتوظيفهما وقتاً طويلاً من أجل هذا الهدف الذي سيكون اختباراً لها.
- لبنان هو ساحة أُخرى شهدت تغييرات في التوجه السعودي. وتدلّ زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان للبنان، هذا الأسبوع، على تجدّد اهتمام المملكة ببلد الأرز، بعد غيابها فترة طويلة. فبعد سنوات من الهيمنة الشيعية، تريد الرياض أن ترجح الميزان في لبنان لمصلحة السّنة ومصلحتها. في الماضي، أيّدت المملكة السّنة في لبنان، لكن منذ ذلك الوقت، قلّلت تدخّلها بسبب سيطرة حزب الله، والرغبة في خفض التوترات مع إيران، والامتناع من الغرق في الوحل اللبناني. انتخاب الجنرال جوزيف عون رئيساً للجمهورية في لبنان، وتأليف حكومة جديدة، على خلفية ضُعف حزب الله، اعتبرتهما الرياض فرصة من أجل زيادة نفوذها هناك. وفي الواقع، لقد سارع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، صاحب النفوذ الكبير، إلى تهنئة الرئيس عون بانتخابه، وأعلن عون، من جهته، أن زيارته الأولى خارج لبنان ستكون للسعودية. وعون أيضاً يدرك مَن يمسك بالخيوط.
- يفتح ضُعف حزب الله، ومعه ضُعف التأثير الإيراني في لبنان وسورية، الباب أمام دول الخليج لزيادة نفوذها في هذين البلدين، كما يفتح الباب أمام المنافسة فيما بينها، وخصوصاً بين قطر والإمارات والسعودية، حتى لو لم يظهر ذلك بصورة علنية. وعلى الرغم من أن كفة الرياض، حتى الآن، تبدو هي الراجحة في الصراع الإقليمي في مواجهة إيران، فإنها لا تريد أن تعرّض التهدئة بينها وبين إيران للخطر. إذ تدرك السعودية دونيتها العسكرية، مقارنةً بإيران، ولا تريد أن تكون، مرة أُخرى، هدفاً لضربات الحوثيين، الذراع الإيرانية، والذين ما زالوا يشكلون تهديداً لحدودها الجنوبية. إن توجُّه المملكة هو، قبل أيّ شيء آخر، نحو الاستقرار على حدودها، والذي يسمح لها بتحقيق الإصلاحات الداخلية.
- وماذا عن غزة؟ بالنسبة إلى المملكة، التحدي كبير لأن غزة هي وجع الرأس الذي لا تريد أن تعانيه. وأيضاً في ضوء الموارد المطلوبة من أجل إعادة الإعمار والخوف من خسارة هذه الموارد مع نشوب جولة عنف جديدة، والثمن الذي سيرافق ذلك، بالنسبة إلى العلاقة بإسرائيل، فالرأي العام في السعودية، وكذلك في العالم العربي برمته، هو ضد العلاقات مع إسرائيل، وازداد هذا الرفض منذ الحرب على غزة.
- لا ترغب المملكة في الدخول إلى القطاع بحماية إسرائيل، وفي جميع الأحوال، ستتردد في زيادة تدخُّلها ما دامت "حماس" هي القوة المسيطِرة في القطاع. العودة التدريجية للسلطة الفلسطينية، بعد القيام بالإصلاحات، وتحوُّلها إلى الطرف المسيطِر على القطاع، ستنظر إليها الرياض بإيجابية، وستمسح لها بزيادة تدخُّلها في غزة أيضاً، والنزول، بالتدريج، عن الشجرة التي صعدت إليها.
- إن السعودية مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل لأنها ستحصل على "جزرات" لا يمكن من دونه الحصول عليها من الولايات المتحدة. لكن يجب ألّا نخطىء، فالتطبيع مع السعودية سيكون مختلفاً عن اتفاقات أبراهام. بيْد أن إسرائيل لها مصلحة جوهرية في الدفع قدماً بعملية التقارب مع السعودية، ومن أجل ذلك، يتعين عليها إبداء مرونة سياسية.