صدمة وقلق، العالم العربي لا يستخف بمبادرة ترامب
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • في نظر قسم من العالم، فإن حديث ترامب عن نقل الغزيين إلى الأردن ومصر يمكن أن يبدو نوعاً من المباهاة، كالرغبة في شراء غرينلاند من الدانمارك، أو دمج كندا في الولايات المتحدة. لكن في الشرق الأوسط، يُستقبل هذا الكلام بقلق وجدية. وكما هو معروف، فقد أعلن ترامب أول أمس أنه بحث مع ملك الأردن الملك عبد الله إمكان نقل الغزيين إلى المملكة، وأنه بحث هذه الفكرة أيضاً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك لأن القطاع مدمر للغاية ولا يصلح للسكن، وأن هذا الانتقال يمكن أن يكون لفترة قصيرة أو طويلة.
  • وككثير من مقترحات ترامب، فإن الفكرة توصف بـ"الصفقة" المنطقية، وتمتاز باعتبارات مادية، وتتجاهل تماماً الأبعاد الأيديولوجية والثقافية والذاكرة التاريخية والتوترات بين إسرائيل والعالم العربي والفلسطينيين، وهي المكونات التي بدت أنها أقوى من أي اعتبار آخر في الشرق الأوسط بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.
  • والفلسطينيون الذين اعتمدوا على تفاؤل حذر بأن ترامب في ولايته الثانية سيكون مختلفاً عن الأولى، يشهدون "عودة الكابوس القديم"؛ فخلال ولايته الأولى، قوّض ترامب النموذج الذي سعى الفلسطينيون لترسيخه، وهو عدم قيام تسوية إقليمية من دون حل مسبق لمشكلتهم، فنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ودفع قُدُماً باتفاقات أبراهام، وبلور "صفقة القرن"، الأمر الذي أدى إلى شرخ كبير بين رام الله وواشنطن. ويتخوف الفلسطينيون الآن من أن يُفرض عليهم بالقوة تغيير عميق في الواقع على الأرض.
  • كما أن العالم العربي يشعر بصدمة بعد هذا الكلام الذي يثير مخاوف عميقة في الأردن ومصر نظراً إلى قربهما من الساحة الفلسطينية والصلات التاريخية بها، وتخوفهما من حل المشكلة الفلسطينية على حسابهما. وعلى الدوام، تُظهر عمّان والقاهرة عصبية كبيرة إزاء أي طلب من هذا النوع: كاقتراح جيلا غملئيل [وزيرة الاختراعات والعلوم التكنولوجية من حزب الليكود] نقل الغزيين إلى سيناء، وصولاً إلى الأفكار التي تشجع على "الهجرة الطوعية" التي اقترحها زعماء الصهيونية الدينية. وتُعتبر هذه الأفكار "نسخة" حديثة للمؤامرة الإسرائيلية لإفراغ القطاع من سكانه، وهي أفكار لم تكن تؤخذ في السابق بجدية، وأساساً بعد حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967].[1]
  • حتى الآن يتصرف العالم العربي بحذر نظراً إلى معرفته بطباع ترامب الشخصية، ورغبته في عدم التصادم معه، ويرفض الزعماء العرب رفضاً باتاً الفكرة، ويدركون أن مجرد التلميح إلى موافقتهم على فحصها سيثير ردات فعل حادة داخلية، وينطبق هذا بصورة أساسية على الأردن. لذلك، فهم سيحاولون إغلاق الموضوع بسرعة بوسائل دبلوماسية، ومنْع نشوب خلاف صعب مع الإدارة الأميركية الجديدة.
  • ويقف الفلسطينيون في مواجهة معضلة شديدة للغاية، ومن الواضح أنهم يرفضون الفكرة. وقد وصف الموقع الإخباري "سما" الفكرة بـ "نكبة جديدة". والحذر الذي سيتصرف به العرب سيميز سلوك السلطة الفلسطينية لأنها تريد أن تبدأ علاقتها مع إدارة ترامب بصورة صحيحة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى "حماس" التي أرسلت في الأسابيع الأخيرة إشارات غير مسبوقة بشأن رغبتها في فتح حوار مع واشنطن انطلاقاً من إدراكها أن هذا الأمر سيساعدها في الاستمرار في الاحتفاظ بقوتها في القطاع، من دون أن تكون في وضع المسؤول الأساسي عنه.
  • يتعين على إسرائيل أن تتصرف بحذر هي أيضاً، وألاّ تتبنى الحماسة التي يُظْهِرُها زعماء الصهيونية الدينية إزاء تصريح ترامب بحجة أن هذه الخطوة تسمح للفلسطينيين بحياة أفضل، وعليها الابتعاد عن الأفكار المتطرفة، والكلام الذي هو صدى لنظرية ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، والتي تقول إنه في استطاعة الحوافز الاقتصادية أن تفرض نفسها على الأيديولوجيات. يجب أن تفهم إسرائيل أن الفكرة يمكن أن تؤذي العلاقات بين واشنطن والعالم العربي، وستؤذينا لاحقاً، وخصوصاً بشأن كل ما له علاقة بالتطبيع الذي ستكرهه الدول العربية إذا شعرت بأن الولايات المتحدة تفرضه عليها، وهو ممزوج بجهود ترمي إلى نقل الفلسطينيين إليها.
  • ونوصي إسرائيل بعدم الوقوف علناً إلى جانب الولايات المتحدة في إطار دعوتها إلى استيعاب جماعي للغزيين، وهو السيناريو الذي على الأرجح لن ينفَذ، وسيؤدي فقط إلى عداء عربي إزاء إسرائيل. ومن المهم أن تشارك إسرائيل في هذا النقاش لكن على المستوى الدبلوماسي السري، وليس عبر الكلام العلني. وبهذه الطريقة، يمكن أن نتوصل إلى اتفاق بشأن استيعاب عدد محدود من الغزيين يمكن تصنيفهم كلاجئين إنسانيين لفترة قصيرة، ومنع تطور أزمة حادة. إن الجهد الأساسي الذي يجب على إسرائيل توظيفه هو إجبار "حماس" على تقديم تنازلات جوهرية في مقابل إعادة إعمار القطاع، وضمان حرية العمل ضد أي تهديد ينشأ في هذه المنطقة مستقبلاً.

_________

[1]  يمكن مراجعة محاضر جلسات الحكومة الإسرائيلية العائدة إلى تلك الفترة بشأن تهجير سكان قطاع غزة في عدد "مختارات من الصحف العبرية" على الرابط التالي: https://mukhtaraat.palestine-studies.org/ar/node/35875