الرجل الملائم للتحدي غير المسبوق
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- قبل أن نبدأ بنقاش التحديات الكبرى الماثلة أمام رئيس هيئة الأركان الرابع والعشرين للجيش، سيكون من اللائق أن نبارك لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس على هذه الخطوة الصحيحة والمباركة بتعيين إيال زمير في المنصب. زمير ضابط لديه تجربة وصاحب قيَم، راكم خلال العامين الماضيَين، خلال تولّيه منصب مدير عام وزارة الدفاع، معرفة إضافية ستكون ضرورية في هذا الوقت تحديداً...
- يتولى زمير المسؤولية عن جيش يشهد أزمة عميقة، وهو يشبه ما جرى مع موشيه ديان قبل أكثر من 70 عاماً. صحيح أن الجيش حقق إنجازات عملياتية ليست قليلة خلال العام ونصف العام الماضيَين، لكن استمرار الحرب من دون هدف واضح وعدم وجود خطوة دبلوماسية مكمّلة للعمل العسكري تضع هدفاً نهائياً، والفشل القيادي في عرقلة التحقيقات واستنفاد تحمُّل المسؤولية عن إخفاق السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أمور كلها دفعت إلى استنزاف مادي وقيَمي ونفسي غير مسبوق.
- هذا واضح بشكل خاص بالنسبة إلى القوات البرية النظامية والاحتياط أيضاً. فبالإضافة إلى النسبة الكبيرة من الضباط الذين قُتلوا، أو أصيبوا خلال القتال، يبدو أن هناك استقالات كثيرة لضباط واعدين من رتبة ضابط فما فوق. كان التعامل مع هذه القضية فاشلاً حتى الآن، وخصوصاً بسبب فقدان الصلاحية القيادية، لأن المسؤولين عن الفشل في بداية الحرب ما زالوا في مناصبهم. الجو العام في الجيش اليوم هو مزيج قاتل من التعب العميق والأطر الفارغة وغير الكافية، من حيث العدد والكفاءة. والأهم - تراجُع الانضباط والقيم بشكل كبير جداً.
- المهمة الأكثر أهميةً على عاتق زمير ستكون إعادة الجيش إلى قيَمه الأساسية - إنها مهمة مركّبة، لكنها ممكنة طبعاً. عليه القيام بخطوات فورية: استكمال التحقيقات بشكل سريع، واتخاذ قرارات قيادية ضرورية بشأن الذين فشلوا، والتمسك بقيم الجيش الأساسية. وهذا كله إلى جانب استعداده للتعامل مع المنظومتَين السياسية والإعلامية المجنّدتين لإفشال قيادات الجيش وفرض قيَم العصابات عليها. لكن ما يدفع إلى التفاؤل هو أن الجيش، كمنظومة هرمية، سينهض من جديد بفضل اتخاذ قرارات قيادية حاسمة، إلى جانب القدوة الشخصية الناجحة، والالتزام الأخلاقي من طرف قادته.
- سيتوجب على رئيس هيئة الأركان الجديد قيادة مسارٍ واعٍ لإعادة بناء القوة خلال فترة استمرار القتال. صحيح أن كثافة القتال انخفضت، مقارنةً بالعام الماضي، لكن الوضع لا يزال بعيداً عن العودة إلى العمل الأمني الروتيني ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ويجب أن يكون هناك جاهزية دائمة لتجدُّد إطلاق النار. وفي هذا المسار، عليه أن يمتنع من ارتكاب أخطاء أسلافه الذين اختاروا، بعد الإخفاقات، فتح الميزانية والمضاعفة كمّاً: سواء مضاعفة حجم الجيش بعد حرب "يوم الغفران"، أو زيادة حجم الجيش النظامي بعد حرب لبنان الثانية - هذه الخطوات لم تخلق جيشاً أفضل وأكثر تركيزاً.
- سيكون أمام زمير مهمات ضرورية وفورية في مجال الموارد البشرية. عليه وقف النزيف في صفوف صغار الضباط، ومن الرتب المتوسطة، وخلق نماذج جديدة، والتركيز على مستوى القوات المقاتلة والتخصصات المطلوبة. وفي الوقت نفسه، عليه بناء نموذج محدّث لجيش الاحتياط الذي قاتل بشكل مذهل، لكن تظهر فيه إشارات استنزاف جدية لم يفهم بعض قيادات الجيش حجمها بعد. وعلى الرغم من الضغوط السياسية، فإن التراجع عن موقف الذين سبقوه بشأن تجنيد الحريديم ممنوع - قضية مرتبطة بمصير جيش الشعب ومستقبله.
- على صعيد معاظمة القوة، وبعكس توصيات لجنة نيغل، سيتوجب على زمير التركيز على ما لا يجب التركيز عليه، وليس فقط على ما يجب التركيز عليه. فبدلاً من التركيز على الكمّ من دون تمييز، عليه بلورة رؤية عمل ترتكز على استخلاصات الحرب، وتحديد الأولويات، والتركيز على كل مجال يتم اختياره من بين مختلف المجالات. وفي الأساس، سيتوجب على زمير التركيز على عمل سلاح البر، وأن يقود تغييرات ثقافية في شعبة الاستخبارات، وأن يتخذ قرارات كبيرة في سلاح الجو، وفي مجال التطوير التكنولوجي.
- وما لا يقل أهميةً عن تجديد الجيش برمته، هو ترميم روح هيئة الأركان العامة التي بدأ ضعفها يظهر قبل وقت طويل من بدء الحرب. هذا المسار من الضعف نابع من ثقافة الإدارة لدى مَن سبقوه، واستقالة ضباط لديهم مواقف نقدية، وتراجُع هيئة الأركان من كيان منظّم، وتحوُّلها إلى مجموعة من أصحاب المناصب المنفردين. زمير الذي تخطى عامه الـ59 أكبر كثيراً من الجنرالات الذين دونه رتبة، ولا يجب عليه استغلال هذا الأمر من أجل قمع كل نقاش علني وجوهري في القضايا الضرورية المطروحة أمامنا، بل بالعكس - عليه تشجيع الجنرالات على ألّا يكونوا فقط ضباطاً مسؤولين عن أذرع وشعب، بل أيضاً أعضاء فاعلين في هيئة الأركان العامة كجسم يتعلم ويقود.
- يجب القيام بهذا كله في الوقت الذي يدفع جزء من المستوى السياسي، علناً، إلى تجديد الحرب من أجل الحرب، ورئيس الحكومة يتحرك عبر منظومة من الضغوط الداخلية والخارجية أكثر مما تحرّكه رؤية واضحة، كما أن العلاقات بين المستويَين السياسي والعسكري في الحضيض، إلى جانب منظومة سياسية من دون كوابح، ومجتمع إسرائيلي منقسم، وفي حالة استقطاب. ومن المؤكد أن تجربته ستكون كتجربة أفيف كوخافي وهرتسي هليفي، فلن يشهد زمير خلال وجوده في المنصب يوماً واحداً من الهدوء الاجتماعي، أو حكومة مستقرة، أو إجماعاً جماهيرياً.
- هذه الظروف كلها تثقل على قدرة رئيس هيئة الأركان على العمل، لكنها لا تمنعه. رئيس هيئة الأركان هو الشخص الأكثر شعبيةً في إسرائيل، والمنظومة التي يترأسها تحظى - حتى بعد إخفاق 7 تشرين الأول/ أكتوبر- بأكبر قدر من الثقة والشرعية من كافة المنظومات العامة في إسرائيل. سيتوجب على زمير أن يتذكر أنه لا يوجد، لا داخل الجيش، ولا خارجه، أيّ قوة يمكن أن تمنعه من قيادة عملية إعادة ترميم الجيش وإعداده للتحديات القادمة.