إسرائيل بحاجة إلى جيش أكبر من أجل تحقيق نصر حاسم بأسرع وقت ممكن
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • تستند العقيدة الأمنية الأصلية الإسرائيلية، والتي صاغها ديفيد بن غوريون، إلى 3 أساسات: الردع، والإنذار، والحسم العسكري. إلّا إن إسرائيل عاشت مرتين حالة فشل كبير على صعيدَي الردع والاستخبارات- في تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وتشرين الأول/ أكتوبر 2023. في الحالتين، لم يستطع الجيش ردع الأعداء، وفشلت منظومة الاستخبارات الإسرائيلية في التحذير- وكانت النتيجة هجوماً مفاجئاً. إن تكرار هذا الفشل يفرض تساؤلات عن مركزية هذه الأساسات في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.
  • يفترض الردع أن الأعداء سيمتنعون من ضربنا، خوفاً من النتيجة. لكن الردع هو مصطلح نفسي إلى حد بعيد جداً، وفضفاض وإشكالي؛ أمّا التفوق العسكري والقدرة على تدفيع العدو ثمناً كبيراً، فهُما أمران غير قادرَين دائماً على منع العدو من الهجوم. وحتى لو كانت التهديدات حقيقية، يُمكن للعدو أن يقرر الهجوم، وأن يكون مستعداً لدفع الثمن لتحقيق الفائدة المتوقعة. بالنسبة إلى "حماس"، كانت الإيجابيات المتوقعة أكبر من العقاب المتوقع، لأن التزاماتها الدينية والفكرية تفوّقت على منطق الردع العقلاني. وبشكل مشابه، لم تفهم إسرائيل أيضاً أن سياسة الاحتواء الخاصة بها، والتي استمرت عقدين من الزمن، استنزفت قدرتها على الردع.
  • حتى لو كان الردع قوياً، فيمكن أن يكون عابراً بسبب مجموعة من العوامل التي تؤثر في الحسابات الاستراتيجية للعدو. يمكن للأعداء أن يفحصوا حدود الردع لدينا في ظروف مختلفة، وأن يقدّروا من جديد المخاطر المنوطة بالعملية الهجومية. ومن المعروف أن الهجمات المفاجئة تمنح تفوّقاً عسكرياً للطرف المُبادر.

إعادة جيش الاستخبارات ليكون جيشاً مقاتلاً

  • في أعقاب الفشل الاستخباراتي في سنة 1973، وسّع الجيش سلاحه الاستخباراتي بشكل كبير، وطوّر قدراته عبر تبنّي تكنولوجيا متطورة أيضاً. فمثلاً، كان يعلم بالضبط أيّ شاحنة تحمل الأسلحة لحزب الله في القافلة التي تحرّكت من العراق إلى لبنان، وزوّد القوات بمعلومات دقيقة جداً من أجل تنفيذ اغتيالات كثيرة مركّزة وناجحة، وبأضرار جانبية صغيرة جداً. لكن يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فشل في التحذير، على الرغم من الإشارات الكثيرة التي تم تشخيصها في إسرائيل، التي فوجئت مرة أُخرى في نهاية المطاف.
  • يحدث الفشل الاستخباراتي بسبب عدد من العوامل، وفي الحالة الإسرائيلية، كانت الاستخبارات ضحية اعتقاد خاطئ، مفاده أن "حماس" مرتدعة. لقد تجاهلوا الحقائق التي لم تدعم الافتراض العام. وكانت خطة "حماس" الهجومية المُسمّاة "خطة أريحا" لدى الاستخبارات الإسرائيلية، لكن لم تُمرَّر بالشكل الصحيح إلى المستويَين العسكري والسياسي. لقد فسّرت الاستخبارات الإشارات بشكل خاطئ. هناك أدلة كثيرة على أن الجيش اعتمد على التكنولوجيا أكثر ممّا يجب، على حساب الاستخبارات البشرية. وبشكل مُشابه أيضاً، تحوّل استعمال "محامي الشيطان" إلى ممارسة بوتيرة عالية، بدلاً من الطريقة الأفضل التي تفحص الفرضيات بشأن حدوث الأقلّ احتمالاً. ما حدث هو أن الثقة المبالغ فيها بالنفس ووهم السيطرة، سيطرا على الاستخبارات في سنة 2023.
  • كلّ شيء يتلخص في حقيقة أن الإنسان غير محصّن من الأخطاء. لذلك، لا يُمكننا الاعتماد على أننا سنحصل دائماً على تحذير في الوقت الصحيح، أو استنزاف الردع، أو هجوم قريب. لذلك، فإن الردع والإنذار المسبق لا يُمكن أن يكونا أساساً في العقيدة الأمنية القومية الإسرائيلية. طبعاً، لا يجب أن نستنتج أنه يجب علينا إهمال الاستخبارات، أو عدم اتخاذ الخطوات اللازمة لتقوية الردع.  لكن، بدلاً من الاعتماد على الإنذار والردع، وهما من العوامل التي تفتقد إلى اليقين، ويمكن الخطأ خلال التعامل معهما، يجب على إسرائيل بناء منظومة عسكرية ذات قدرات دفاعية أفضل، وخصوصاً أنها يمكن أن تجد نفسها في خضم حرب متعددة الجبهات مرة أُخرى. إسرائيل بحاجة إلى جيش منظّم وأكبر، يمكنه أن يدافع جيداً عن حدود إسرائيل، وجيش قوي يمكنه أن يكبح هجوم العدو، وأن ينتقل إلى الهجوم، على الأقل في جبهتين بشكل متوازٍ. نحن أيضاً بحاجة إلى جيش أكبر لتحقيق نصر حاسم بأسرع وقت ممكن.
  • إن تقصير فترة الخدمة العسكرية الإلزامية الذي أوصى به الخبراء الاقتصاديون لم يعُد وارداً. فزيادة عدد المجنّدين شيء ضروري، ويجب بذل كلّ الجهود الممكنة من أجل استغلال الموارد البشرية الموجودة لدى اليهود الحريديم. وبالإضافة إلى هذا، يجب زيادة منظومة الاحتياط، وإنهاء سياسة التحرير من الخدمة المتساهلة. وبعكس الماضي، يجب على وحدات الاحتياط أن تزيد في وتيرة التدريبات والمعدّات وتطويرها، وأن تحصل على قدرات أفضل. الاعتقاد الذي كان سائداً في أوساط القيادة العليا للجيش قبل الحرب، وبحسبه، لم تعد هناك حاجة مركزية إلى وحدات الاحتياط في إدارة الحرب، ثبُت أنه خاطئ.
  • الجيش الأكبر مُكلِف أكثر. وأكثر من ذلك، فإن الذين يخدمون في الجيش الإلزامي والاحتياط يجب أن يحصلوا على مقابل أفضل لوقتهم وحبهم للوطن. لذلك، فإن زيادة ميزانية الأمن ضرورية، حتى لو كانت على حساب الخدمات الاجتماعية.

إسرائيل طبّعت استعمال أعدائها للعنف

  • يجب على إسرائيل أيضاً أن تترك سياسة الاحتواء/ ضبط النفس التي كانت تهدف في الأساس إلى إطالة أمد فترات الهدوء على الحدود وحقن الدماء، حرفياً. لقد أثبتت أنها ليست ناجحة. عكست سياسة الاحتواء ضعفاً وارتداعاً عن مواجهة عسكرية في منطقة، تقدّر الثقافة السياسية فيها استعمال القوة. وفعلاً، إن استعمال القوة هو جزء لا يتجزأ من قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. ويجب التذكّر أن الخوف- وهو مركّب مهم في الردع- هو العملة السياسية الأفضل في الشرق الأوسط. وأكثر من ذلك، فإن استنزاف الردع في أعقاب الاحتواء قرّب جولة المواجهة المقبلة، والاحتواء في غزة قاد إلى كسل أدّى إلى مفاجأة استراتيجية كارثية.
  • اكتفت إسرائيل بمعادلة "الهدوء في مقابل الهدوء" في غزة، وكان الهدف منها تجنيب المجتمع الإسرائيلي الهجمات الصاروخية، لكنها منحت "حماس" الوقت لتعزيز سيطرتها في غزة وبناء قوّتها من دون إزعاج يُذكر. فالاحتواء خلق خطورة مستقبلية أكبر على إسرائيل، وهو ما تعلّمناه من هجوم "حماس" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وبشكل مشابه، سمحت القدس لحزب الله بالتزوّد بمخزون صواريخ كبير جداً خلال سنوات، استطاع أن يردع إسرائيل عن العمل ضدّه في لبنان. لم تختفِ صواريخ حزب الله، حسبما توقّع رئيس هيئة الأركان السابق موشيه يعلون في مطلع الألفية الثانية، وفي حرب لبنان الثانية أحدثت هذه الصواريخ ضرراً كبيراً في إسرائيل في سنة 2006.
  • أكثر من ذلك، إن سياسة الاحتواء تطبّع استعمال القوة من طرف أعداء إسرائيل. واعتاد العالم سقوط الصواريخ على المجتمع في إسرائيل، ونجاح إسرائيل في اعتراضها أضرّ بشرعية الرد. هذا بالإضافة إلى أن ضبط النفس يسمح بزيادة تدريجية للعنف ضد إسرائيل. "حماس" وسّعت دائرة النار بالتدريج، ووضعت مزيداً ومزيداً من الإسرائيليين في ظلّ صافرات الإنذار، وحوّلت حياتهم إلى أكثر صعوبة. حتّى إن قدرة الدمار في الرؤوس المتفجّرة لصواريخها ازدادت.
  • ليس لدى إسرائيل رفاهية التنازل عن استعمال الضربات الاستباقية التي كانت مركّباً مركزياً في العقيدة الأمنية الأصلية. هناك منطق استراتيجي واضح في هذه العمليات على الرغم من المخاطر الكامنة فيها. اليوم، تدفع إسرائيل ثمناً كبيراً جداً بسبب تأجيل الرد العسكري القوي واستعمال أعدائها للقوة، وهو ما كان يمكن أن يقوي قدرة الردع لديها. الآن، بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يجب أن نُعيد بناء التوازن بين ضبط النفس واستعمال القوة من جديد.