استئناف الجيش الإسرائيلي القتال في غزة، بمثابة سقوط أخلاقي لإيال زامير
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل

مهند مصطفى


أسامة حلبي, موسى أبو رمضان


أنطوان شلحت

المصدر
- قالت شيلي يحيموفيتش في مقال نُشر في 6 آذار/مارس 2025، في حديثها عن تعيين رئيس الأركان الجديد الجنرال إيال زامير، إن "هذا التعيين هو الخطوة الطبيعية والمنطقية الوحيدة التي ربما قام بها نتنياهو وحكومته منذ كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023". هذا تلخيص موجز لمديح واسع حظيَ به رئيس الأركان الجديد من جميع الأطراف، إذ لم تُوجَّه انتقادات جوهرية إلى التعيين، أو إلى حقيقة أن جوهره الحقيقي، وبصورة خاصة من الناحيتين الأخلاقية والديمقراطية، سيخضع للاختبار خلال الأيام، أو الأسابيع القليلة المقبلة.
- جاء خطاب تنصيب الفريق زامير مصحوباً بدعوته - التي تحمل تناقضاً داخلياً، لكنها تتماشى مع نهج "القائد" بنيامين نتنياهو - بشأن مواصلة الحملة حتى هزيمة "حماس"، واستعادة جميع المخطوفين، لكن اللافت في خطابه كان غياب دعوة الجيش إلى الحفاظ على "طهارة السلاح"، أو تصريح واضح بأنه لن يتسامح مع أيّ تدهور أخلاقي في صفوف قواته. أحد الأسس الجوهرية للديمقراطية هو المستوى الأخلاقي العالي لدى الجمهور وممثليه المنتخبين، وفي المقابل، تميل الأنظمة الديكتاتورية إلى تفضيل جيش ذي معايير أخلاقية متدنية، وسكان يتّسمون باللامبالاة الأخلاقية، سواء على الصعيد الداخلي، أو في تعامُلهم مع الآخر، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر باستخدام غير متناسب وغير مبرَّر للقوة. إن الاستهانة بالحياة البشرية، بشكل عام، تُعدّ من الركائز الأساسية للديكتاتورية.
- يجب أن نتذكر أن هذا التعيين جاء وفقاً لرغبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الأمر الذي يعزز قبضته الديكتاتورية على إسرائيل، بدعم من وزير الدفاع المطيع، يسرائيل كاتس. لقد تعلمنا من رئيس الحكومة نفسه أن إيال زامير، الذي شغل منصب سكرتيره العسكري في الفترة 2012 - 2015، كان في السابق مرشحه المفضل لمنصب رئيس الأركان، وأن تعيينه في هذا المنصب يعني أن "وقت زامير حان". فليس كلّ سكرتير عسكري لرئيس الحكومة يصبح، لاحقاً، مرشحه الأبرز لتولّي أعلى منصب عسكري في الدولة.
- قال الرئيس في الحدث الاحتفالي الذي أقيم في مقرّ رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ بمناسبة التعيين الجديد: "أنا أدعو الجمهور – وبالتأكيد قادة الجمهور – إلى إبعاد السياسة عن الجيش وإبعاد الجيش عن السياسة..."
- إن المطالبة بأن يكون الجيش غير سياسي تحت أيّ ظرف ليست ديمقراطية كما يُعتقد، بل هي مطلب يميز الأنظمة الديكتاتورية، وحتى الفاشية، إذ تسعى هذه الأنظمة لامتلاك أدوات مطيعة لتنفيذ أيّ مهمة، حتى لو لم يكن لها علاقة بالدفاع عن الدولة. في الأنظمة الديمقراطية، يكون نطاق طاعة الجيش للمستوى السياسي أضيق كثيراً، وعندما تبدأ العمليات العسكرية والحروب بخدمة أجندات الأنظمة الديكتاتورية بشكل واضح، فإن حدود الطاعة تنتهي عند هذا الحد، ولا توجد دولة ديمقراطية ليست عرضةً لخطر تنامي توجهات غير ديمقراطية في داخلها، سواء من الناحية السياسية، أو الاقتصادية.
- إن فهم الحياة السياسية يُعدّ من أصعب المهمات، لأن الشخصيات السياسية، وخصوصاً عندما يكون لديها أجندات غير ديمقراطية، تسعى لإخفاء جوهر أفعالها عن "الناس البسطاء"، ومن هنا، ينشأ تعدُّد الخلافات بين المعلّقين في وسائل الإعلام والمجتمع الأكاديمي، ويُضاف إلى ذلك تفسيرات مشوهة عمداً، الأمر الذي يزيد في تعقيد الصورة العامة.
- الجدير بالذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يروّج أجندة غير ديمقراطية في داخل الولايات المتحدة بقوة، ويدعم الأنظمة الديكتاتورية في جميع أنحاء العالم، وبما أن الأنظمة الديكتاتورية تحتاج إلى أعداء خارجيين لقمع تطلعات الحرية لدى شرائح واسعة من السكان، فإن بعضها يتطوع ليكون عدواً للآخر. وهكذا، على الرغم من أنهم أعداء علنيون، فإنهم حلفاء سرّيون إزاء بعض القضايا. من هنا، تنبع "التناقضات" في سياسات ترامب، فهو يُخضع أوكرانيا لروسيا "البوتينية"، ومؤخراً، يهددها بفرض عقوبات، وعندما أخرج، هو ونتنياهو، الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران خلال ولايته الرئاسية الأولى، أتاح ذلك لإيران الاقتراب من عتبة أن تكون دولة نووية، إذ إن كلاً من نتنياهو وآيات الله بحاجة إلى سباق تسلُّح نووي. أين سيكون خط المواجهة الجيوسياسي المقبل؟ هذا يبقى مجرد تخمين، وبصورة خاصة في ظل حروب التجارة التي يثيرها ترامب، ولا سيما ضد الصين، واستعراض القوة الجوية المشترك مع إسرائيل ضد إيران.
- ثمة تحالف قائم بين ترامب ونتنياهو لضمان استمرارية حُكم نتنياهو الديكتاتوري، وبما أن الأخير بحاجة إلى استمرار الحرب في قطاع غزة، فإن ترامب يعمل على تمهيد الطريق لاستئنافها. وفي الوقت الذي يسعى المبعوث ستيف ويتكوف لتمديد الصفقة الثانية (التي صاغها بنفسه) بمراحلها المختلفة، والتي أصبحت تُعرف، مؤخراً، باسم "مخطط ويتكوف"، فإن ترامب يعمل على إفشالها، فيوجه بشكل مستمر إنذارات نهائية إلى "حماس"، تحمل صيغة متشابهة: "أعيدوا جميع المخطوفين فوراً، الأحياء والأموات، وإلّا ستُفتح عليكم أبواب الجحيم".
- إنه يتظاهر، في عرض مشترك مع مخطوفين محرَّرين، بأنه يهتم بإعادة بقية المخطوفين إلى ديارهم. لكنه، لو أراد ذلك فعلاً، لفرضَ وقفاً فورياً للحرب على نتنياهو وضمان عودة جميع المخطوفين.
- في أحدث عرض رعب له، توجّه إلى سكان غزة، عبر منصته الاجتماعية "تروث سوشال"، بالقول: " ينتظركم مستقبل جميل، لكن ليس إذا كنتم تحتجزون مخطوفين. إن كنتم تفعلون ذلك – فستموتون حتماً. اتخِذوا القرار الصحيح، واطلقوا سراح المخطوفين الآن، وإلا فسيكون الجحيم في انتظاركم لاحقاً"، كأنه يوحي أن الأمر في أيديهم.
- وفقاً لخطة نتنياهو وترامب، من المتوقع أن تستأنف إسرائيل الحرب، بهدف احتلال قطاع غزة بقوة غير مسبوقة. سيُحوَّل الحصار الإنساني إلى حصار مطلق، ويتبعه هجوم مدمر، ستؤدي تبعاته إلى وسم إسرائيل كدولة بالعار على المستويَين الأخلاقي والقانوني، وربما حتى وسم الشعب اليهودي ككل بالعار. أمّا المخطوفون، فسيُتركون لمصيرهم المحتوم، وهو ما يعني التخلي عنهم للموت.
- على رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال إيال زامير، أن يقف أمام نتنياهو ويقول له بوضوح: "لن يفعل الجيش الإسرائيلي ذلك، وهذه ليست حرباً للدفاع عن إسرائيل الديمقراطية، بل هي حرب ستؤدي إلى تدمير الحلم الصهيوني ببناء مجتمع أخلاقي، ومتساوٍ، وديمقراطي."
- قد يُقال زامير من منصبه قبل أن يُكمل بضعة أشهر في ولايته، لكنه بذلك سينقذ إسرائيل من الانحدار نحو ديكتاتورية تعتمد على جيش غير أخلاقي ومجتمع موسوم بالعار، من دون أن يكون ذلك بإرادته، أو برغبته. وإن لم يفعل ذلك، فسيكون خائناً لمهمته.