العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة تقامر بمصير المخطوفين
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
- وفقاً لجميع المؤشرات المتاحة، إن الهجوم المفاجئ الذي شنّه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، الليلة الماضية (الاثنين - الثلاثاء)، يهدف إلى تحقيق ثلاث غايات رئيسية: أولاً، فرض ضغط عسكري لكسر الجمود الذي طرأ على المفاوضات بشأن إطلاق سراح المخطوفين، فالتجربة التي اكتسبها الجيش الإسرائيلي والمجتمع الاستخباراتي تشير إلى أن هذه الوسيلة تُعد الأكثر فعاليةً في دفع حركة "حماس" نحو التنازل في المفاوضات، إلّا إن استخدام الضغط من إسرائيل ينطوي على مقامرة بحياة المخطوفين. في أي حال، نُفّذ القصف الجوي على مواقع تأكّد الجيش الإسرائيلي والمجتمع الاستخباراتي من أنها لا تشكل خطراً على حياة الرهائن.
- الهدف الثاني هو توجيه رسالة واضحة إلى حركة "حماس" بأن إسرائيل لن تتعامل معها فقط ككيان عسكري – أي جيش "الإرهاب" الذي كان المستهدف في المراحل الأولى من الحرب حتى الهدنة الأخيرة – بل ستتعامل معها أيضاً كسلطة مدنية. لهذا السبب، تم استهداف ستة من كبار المسؤولين في الإدارتين المدنية والسياسية للحركة خلال الغارات، وهو ما يشير بوضوح إلى أن إسرائيل لا تميز بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية لـ"حماس". الأهم من ذلك، توجّه إسرائيل رسالة إلى حركة "حماس"، مفادها أنها لن تسمح لها بإعادة بناء بنيتها التحتية باستخدام الأموال التي حصلت عليها من "نهب" المساعدات الإنسانية، كما أن الهجوم يشكل أيضاً إشارة إلى الوسطاء، ولا سيما مصر، بأن إسرائيل تعارض بقاء "حماس" ككيان حكومي، أو عسكري، في القطاع في "اليوم التالي".
- الهدف الثالث هو فرض ضغط عسكري مكثف، بالتنسيق والتكامل مع الولايات المتحدة، على جميع الأطراف التي لا تزال صامدة ضمن محور المقاومة الشيعي، بمن فيه الحوثيون، و"حماس"، وإيران. ينبع هذا التنسيق مع الولايات المتحدة، جزئياً، من رغبة الإدارة الأميركية في توجيه رسالة واضحة إلى الجهات الإقليمية، وكذلك إلى القوى العالمية الأُخرى، بأن تهديد دونالد ترامب بـ"فتح بوابات الجحيم" لم يكن مجرد تصريح فارغ، بل يعكس خطوات عملية ستفرض ثمناً باهظاً على "حماس" والحوثيين، وحتى على إيران نفسها.
- المحور الأميركي - الإسرائيلي يسعى من خلال هذه الخطوات لتحقيق عدة أهداف: إطلاق سراح المخطوفين، وطرد حركة "حماس" من قطاع غزة، وفرض ثمن على الحوثيين وإلحاق ضرر كبير بقدراتهم العسكرية التي تمكِّنهم من تعطيل حركة الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، بالإضافة إلى دفع إيران إلى طاولة المفاوضات، بهدف التوصل إلى اتفاق نووي جديد يتوافق مع مصالح كلٍّ من ترامب وإسرائيل، الأمر الذي من شأنه إحباط نياتها وتقليص قدرتها على تحقيق اختراق سريع نحو امتلاك سلاح نووي.
- وردت في الساعات الأخيرة تقارير غير مؤكدة بشأن إغراق سفينة استخبارات إيرانية كانت تُبحر في منطقة بحر العرب ومضيق باب المندب، وإذا تأكدت هذه المعلومات، فسيكون ذلك بمثابة عملية موجهة بشكل مباشر ضد إيران. في السابق، نُشر أن إسرائيل قامت بإغراق سفينة الاستخبارات والهجوم الإيرانية "سافيز"، والتي كانت تبحر قبالة سواحل شرق أفريقيا ومضيق باب المندب.
- وهناك أيضاً سبب رابع للهجوم الذي شنّه الجيش الإسرائيلي، الليلة قبل الماضية، فوفقاً للبيانات الرسمية التي صدرت فعلاً أمس عن جهات حكومية، وعن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، فإن حركة "حماس" تقوم بإعادة تأهيل مكثف لقواتها، إذ أفيدَ مؤخراً بأن لديها 20 ألف مقاتل، وهي تخطط وتستعد لتنفيذ هجمات. في ظل غياب تفاصيل إضافية، يمكن الافتراض أن هذا السبب يأتي في مرتبة ثانوية نسبياً، مقارنةً بالأسباب الثلاثة الأولى، ويهدف بشكل أساسي إلى الحصول على شرعية دولية لاستئناف العمليات العسكرية. كانت المعلومات عن جهود إعادة التأهيل والاستعداد لتنفيذ هجمات معروفة لدى الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة، ولأنه كان هناك فرص لاستمرار صفقة تبادُل الرهائن، امتنعت إسرائيل من إحباط هذه الجهود، عبر هجمات مباشرة، واكتفت برفع حالة التأهب لدى وحدات الدفاع الجوي وحماية الحدود في الجنوب.
- هناك مَن يفترض أنه في ظل الظروف الحالية، سيؤجل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إجراءات إقالة رئيس جهاز الأمن العام ["الشاباك"] رونين بار. إذ يلعب هذا الجهاز دوراً محورياً في الحملة الجديدة على قطاع غزة، في جمع المعلومات الاستخباراتية وتحديد الأهداف، وجرت التحضيرات لهذا الهجوم داخل "الشاباك" خلال الأسابيع الأخيرة بسرية تامة، ومن المحتمل جداً أن يكون إعلان نتنياهو نيته إقالة بار قد جاء كوسيلة للتمويه، بهدف تحقيق عنصر المفاجأة الكاملة في الضربة الجوية التي شنّها الجيش الإسرائيلي.
- الجيش الإسرائيلي أعلن فعلاً أن العملية ستستمر خلال الأيام المقبلة، ويمكن الاستنتاج من حقيقة أنها بدأت بضربة جوية أن النية هي تصعيد الإجراءات بالتدريج، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام "حماس" للتراجع في كل مرحلة. ومع ذلك، فإن الهدف هو تنفيذ كلّ مرحلة بمفاجأة قصوى، من حيث الموقع والتوقيت والوسائل والسرعة، بحيث لا تتيح لـ"حماس" فرصة للاستعداد، أو التنظيم.
- تُنفّذ هذه الحملة بافتراض أن حركة "حماس" لن تُلحق ضرراً بالمخطوفين، إذ في الوقت الذي تجدد إسرائيل القتال بوتيرة يُتوقع أن تتصاعد بالتدريج، وتشمل أيضاً مناورة برية سريعة، يُعتبر المخطوفون الأحياء ورقة ضغط وشبكة أمان بالنسبة إلى "حماس"، وهو ما يجعل التقديرات تشير إلى أنها ستُحجم عن إيذائهم بشكل جسيم. ومع ذلك، أدلى ناجون من الأسر بشهاداتهم بشأن تدهورٍ حاد في ظروف احتجازهم، بما في ذلك "تعرُّضهم لتعذيب قاسٍ"، عقب هجمات كبيرة، أو انهيار صفقات تبادُل. لا شك في أن هذه العملية تشكل مقامرة بمصير المخطوفين، ويجب الدعاء من أجل سلامتهم.