ما الذي يبحث عنه نتنياهو في المجر (وماذا سيجد هناك)؟
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- سافر نتنياهو إلى المجر، وسيمضي فيها عطلة نهاية الأسبوع القادمة. في الوقت الذي تقاطعه دول ديمقراطية-ليبرالية، ويواجه أمر اعتقال صدر عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لكن فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، الأوتوقراطي وصديقه القديم، أعلن أنه لن يمتثل لأمر الاعتقال.
- في السنوات الأخيرة، تحولت المجر إلى مختبر تجريبي للأنظمة غير الليبرالية، ويجب أن تُعدّ "التجربة المجرية" إشارة تحذير واضحة وقاطعة إلى مواطني إسرائيل. من المتوقع أن يتعلم نتنياهو دروساً من صديقه أوربان، الأوتوقراطي المخضرم، بشأن طرق تفكيك الجهاز القضائي، وقمع الصحافة الحرة، والإضرار المستمر بالمؤسسات الأكاديمية، ومن المرجح أن يحصل أيضاً على مكافأة، وهي عبارة عن درس إضافي بشأن كيفية الإضرار بالطبقة العاملة ومدّخراتها. من المهم أن يولي كلّ عامل في إسرائيل هذه المخاطر الحقيقية اهتماماً.
مسار التدهور المجري
- خلال فترة حُكم فيكتور أوربان، اتُّخذت في المجر خطوات عدوانية أدت إلى انتهاكات خطِرة لحقوق العمال والمنظمات العمالية والمستقبل التقاعدي للجمهور.
- مثال بارز لذلك هو التعديلات التشريعية في قوانين العمل، مثل التعديل الذي أُقرّ في سنة 2018، والذي حصل على لقب "قانون العبودية". هذا اللقب الشعبي أُطلق على القانون الذي يتيح لأصحاب العمل مطالبة موظفيهم بالعمل حتى 400 ساعة إضافية في السنة، وهو ارتفاع ملحوظ، مقارنةً بالحد الأقصى السابق، البالغ 250 ساعة. كذلك، يمنح القانون أرباب العمل الحق في تأجيل دفع مستحقات الساعات الإضافية لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. لقد تعرّض "قانون العبودية" لانتقادات واسعة، باعتباره وسيلة لاستغلال العمال، إذ رأى كثيرون أنه أداة لفرض شروط عمل قاسية وانتهاك حقوق العمال. أُقرّ القانون من دون استشارة حقيقية للنقابات العمالية، وهو ما أظهر إقصاءً متعمّداً لممثلي العمال عن عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية.
- بالإضافة إلى ذلك، تم تقليص قدرة النقابات العمالية على حماية العمال،إذ استبدلت هيئات تابعة للسلطة الآليات المعتادة للحوار الثلاثي الذي يشمل الحكومة والعمال وأرباب العمل. وتم تعديل أنظمة العدالة والقضاء، بحيث يؤدي هذا التعديل إلى إفشال أيّ جهد للاعتراض القانوني. في المجر، أصبحت سوق العمل خاضعة لسيطرة الدولة وأرباب العمل، على حساب حقوق العمال.
- خطوة خطِرة أُخرى اتّخذها أوربان، وهي ممارسة ضغوط شديدة على المواطنين لنقل مدّخراتهم من صناديق التقاعد الخاصة إلى نظام التقاعد الحكومي. ونتيجة لذلك، انتقل نحو 97% من المدّخِرين إلى النظام العام في حزيران/يونيو 2011. وجرى تحويل الأموال المتراكمة، وهي مبلغ ضخم يقدَّر بنحو 3 تريليونات فورنت (نحو 13 مليار دولار آنذاك)، إلى خزينة الدولة، بهدف تغطية العجز المالي. جرى هذا التحويل من دون شفافية، أو نقاش عام، أو التزام بإعادة الأموال. فقضى هذا الإجراء على ثقة الجمهور بنظام التقاعد، وزعزع أمان المدّخرين، وزاد في حدة انعدام المساواة الاجتماعية.
- العبرة من التجربة المجرية واضحة: عندما يُركَّز قدر كبير جداً من السلطة في يد الحكومة، من دون ضوابط وتوازنات حقيقية، تصبح الحقوق الاقتصادية والشخصية عرضةً للخطر. وبشكل خاص، يُعد نظام التقاعد انعكاساً لقوة مؤسسات الدولة، إذ يقوم على الثقة، والاستقرار، والقدرة على التخطيط للمستقبل. إن الإضرار بالتقاعد، إلى جانب كونه ضرراً اقتصادياً، يُعتبر إشارة واضحة إلى تدمير العقد القائم بين الدولة ومواطنيها. أمّا فيما يتعلق بقضية المخطوفين، فأثبتت حكومة نتنياهو فعلاً شرّها وانعدام مسؤوليتها المستمر تجاه مواطنيها؛ لذا، لا يُتوقع منها أن تكون أكثر صدقيةً في مجال التقاعد.
الهستدروت لا يجب أن ينتظر لحظة الحقيقة
- نشهد حالياً تشريعاً يهدف إلى إضعاف الجهاز القضائي، ومن المحتمل جداً أن نشهد توجهاً مشابهاً نحو تحطيم الهستدروت. في الوقت ذاته، تخصص ميزانية الدولة موارد لقطاعات غير منتجة، وذلك على حساب الاستثمار في العمال والبنية التحتية. كل هذه الأمور لم تأتِ صدفة، بل هي جزء من توجُّه واسع ومُقلق نحو تركيز القوة السياسية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وإذا واصلت إسرائيل، بقيادة نتنياهو، السير على خطى المجر، فلا يُستبعد أن نشهد مسّاً خطِراً بمكانة العمال، وبحقوقهم، وبنظام التقاعد الخاص بهم. فزيارته هذه والدروس التي سيتلقاها تزيد في حدة هذه المخاوف.
- من الضروري أن يعبّر الجمهور الإسرائيلي، وخصوصاً جمهور العمال والهستدروت التي تمثلهم، عن موقفهم بشكل حازم وسريع، وبصورة خاصة في ظلّ خطوات الحكومة في المجال الدستوري، وفي ظلّ التخلي عن المخطوفين، وأيضاً في ظلّ استمرار الحكومة في الحرب، إذ يُظهر استطلاع لمصلحة التوظيف أن 48% من جنود الاحتياط أفادوا بأنهم يعانون جرّاء ضرر اقتصادي كبير.
- من الصعب فهم سبب تردُّد الهستدروت وبُطئها، فوحدها المعارضة الفعالة والقوية، مثل الإضراب العام، ستكون ذات جدوى. من الممكن القيام بذلك بالتدريج، مثل البدء بإضراب تحذيري، لكن يجب القيام به. لا ينبغي انتظار أزمة دستورية، ولا الانتظار على الإطلاق. فالحكومة تندفع نحو المنحدر المجري، ويجب إيقافها أخيراً.