السعودية وإسرائيل: تطبيع بوتيرة بطيئة جداً
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال، العدد 1633
  • في أعقاب زيارة الرئيس بايدن إلى إسرائيل والسعودية في تموز/يوليو 2022، عاد موضوع تطبيع العلاقات بين الدولتين إلى الأضواء من جديد. فمنذ سنة 2020، كان يبدو أن الرياض تدفع باتجاه "التطبيع الزاحف"، بهدف تحضير الرأي العام للمسار، الذي سينجم عنه انفتاح من جانبها على إسرائيل. ومع مرور الوقت، تبدّلت الإدارة في الولايات المتحدة، وتم تجديد المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بهدف العودة إلى الاتفاق النووي، وتبدّلت الحكومة الإسرائيلية وتم تعميق العلاقات بينها وبين دول مركزية في المنطقة في إطار "اتفاقيات أبراهام" - وهي تطورات كان لها تأثيرها في موقف السعودية فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل.
  • منذ تولي محمد بن سلمان منصبه كولي للعهد، لوحظ التغيير التدريجي والبطيء في المملكة فيما يتعلق بمسألة العلاقات مع إسرائيل، وهناك إشارات إلى تنازلات ممكنة في الموضوع. ومن بين عدة أمور، أشارت تقارير إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص الإسرائيلي في صفقات بمجال التكنولوجيا والزراعة في المملكة، بالإضافة إلى تزايد اللقاءات بين شخصيات أمنية إسرائيلية وسعودية بهدف توطيد التعاون الاستخباراتي- العملياتي بين الدولتين. ومع ذلك، فإن الوصول إلى علاقات علنية وتطويرها، يحتم على العائلة المالكة في السعودية أن تتخطّى الحساسيات الداخلية والخارجية، المرتبطة جزئياً بالمكانة الخاصة للمملكة، والتأثير في مكانتها، بصفتها حامية الأماكن المقدسة للإسلام، واستقرارها أيضاً. لقد أيدت السعودية "اتفاقيات أبراهام" من الخارج، كما أن قياداتها وعلى رأسهم ولي العهد بن سلمان، باتت تصريحاتهم أكثر اعتدالاً من السابق فيما يتعلق بإسرائيل. لكن، لا يزال هناك العديد من العوائق التي تمنع حدوث تغيير جوهري في موقف الرياض من التطبيع:
  • العلاقات مع الولايات المتحدة: إن تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة مصلحة عليا سعودية، مرتبطة أيضاً بمكانة بن سلمان داخلياً. في الأعوام الأخيرة كان هناك شكوك في أوساط النخبة السعودية بشأن استعداد الولايات المتحدة للوقوف إلى جانب السعودية في حال تعرض مصالحها للخطر، وخصوصاً من إيران. ربما يحتفظ السعوديون ببعض التنازلات لإسرائيل للمساومة في مقابل تغيير سياسة واشنطن تجاه المملكة، ومن ضمنها ضمانات أمام إيران وفتح صفحة جديدة مع بن سلمان، الذي من المتوقع أن يعزز شرعية حكمه. لذلك، يجب الانتظار ومتابعة تطبيق التفاهمات التي وصلت إليها الولايات المتحدة والسعودية خلال زيارة بايدن إلى المملكة. كانت الرسالة الأساسية التي أراد الرئيس بايدن تمريرها خلال قمة مجلس التعاون الخليجي [بحضور مصر والعراق والأردن] (GCC+3) في تموز/يوليو 2022، خلال زيارته للسعودية، أن الولايات المتحدة تعود لتتولى دوراً قيادياً والقيام بوساطة إقليمية، على حساب الصين وروسيا اللتين عملتا خلال السنوات الماضية بهدف تقوية سيطرتهما على المنطقة. وقد قوبلت هذه الرسالة بشكوك من زعماء الأنظمة العربية الذين لم يقتنعوا بأن واشنطن تدرك حجم أزمتهم الاستراتيجية، حيال إيران بصورة خاصة، وأنها مستعدة للاستثمار بهدف الحفاظ على مصالحهم. من وجهة نظرهم، الرسالة التي مررها بايدن تعكس مصلحة أميركية آنية - تعديل سعر النفط. ومع ذلك، فقد سعى السعوديون لتسوية العلاقات مع الولايات المتحدة، وتعزيز التعاون الأمني، والحصول على ضمانات أميركية بشأن إيران، كشرط لتعاونهم من أجل كبح جماح الصين التي تسعى لتوسيع سيطرتها في المنطقة. ولإسرائيل، مصلحة في تطور العلاقات العربية الداعمة لأميركا، إذ إن العلاقات بين الدول العربية وواشنطن تنعكس مباشرة على قدرتهم/جاهزيتهم للمضي قدماً في عملية التطبيع مع إسرائيل.
  • القضية الفلسطينية: في آذار/مارس قال بن سلمان إن "إسرائيل لا تعتبر عدواً، بل حليفاً محتملاً... وعليها أولاً حل المشاكل مع الفلسطينيين". وعلى عكسه، يتمسّك والده، الملك سلمان، بمواقف أكثر تقليدية بالنسبة إلى إسرائيل والصراع، ويربط التطبيع مع إسرائيل بالتزام الأخيرة بشروط مبادرة السلام العربية. وعشية زيارة بايدن للمملكة، شدّد وزير الخارجية، عادل الجبير، على التزام القيادة السعودية بمبادرة السلام العربية وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية: "أوضحنا أن السلام يأتي في نهاية المسار، وليس بدايته". ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الموقف يترك للسعودية هامش مناورة في الخطوات التطبيعية البطيئة وحجمها، قبل الحل مع الفلسطينيين. ربما تريد السعودية أن ترى، كشرط للعلاقات الرسمية مع إسرائيل، حواراً إسرائيلياً - فلسطينياً على الأقل - كمبرّر للتقرّب الحذر من إسرائيل. وقد تكون هذه الاختلافات في التصريحات تعبيراً عن رغبة بحفظ هامش مناورة، حيث تكون أقوال بن سلمان موجّهة أكثر للرأي العام الأميركي. وفي جميع الأحوال، سترتفع احتمالات السلام مع إسرائيل بعد موت سلمان، وفي الوقت ذاته سيتأثر موقف بن سلمان بفهمه لتداعيات التقارب مع إسرائيل على شرعيته الداخلية.
  • تغيير داخلي مطلوب: بصرف النظر عن السياسة الداخلية السعودية، يُطرح سؤال بشأن مدى انفتاح المجتمع السعودي، المحافظ بأغلبيته، على التطبيع مع إسرائيل. في الأعوام الأخيرة، باستثناء بعض الانتقادات، استطاع المجتمع السعودي احتواء تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة. لكن هذا لا يعني أن العلاقات العلنية مع إسرائيل، وخصوصاً توقيع اتفاقية تطبيع معها، ستلاقي هذا الدعم، ولا سيما في أوساط التيارات السلفية، التي تتمتع بمكانة كبيرة. صحيح أنه لوحظ بروز خطاب أكثر تسامحاً تجاه اليهودية، الهدف منه جس نبض الشارع وبث رسائل التعايش في المجتمع، لكن هذه الجهود واجهت انتقادات صدرت في معظمها عن سعوديين في المنفى، معظمهم معارض للنظام، ولم تكن من المواطنين الذين يخشون التعبير عن مواقف متعارضة مع مواقف العائلة المالكة. الرأي العام في أغلبيته لا يزال يعارض التطبيع مع إسرائيل: بحسب استطلاعات الرأي التي تم نشرها مؤخراً، فإن نحو 80% من المواطنين في المملكة يعارضون "اتفاقيات أبراهام"، على الرغم من بعض الانفتاح على العلاقات التجارية مع إسرائيل. وفي جميع الأحوال، ربما كلما شعر بن سلمان بقدرته على الحكم والسيطرة على الرأي العام، سيكون أكثر ثقة لاتخاذ خطوات تقارب مع إسرائيل.
  • المكانة في العالم الإسلامي: هذا الموضوع هو مصلحة عليا سعودية، إذ يمكن أن يلحق الضرر بها بسبب الانتقادات التي ستوجه إليها من عدة جهات، كإيران، التي تحاول احتواء القضية الفلسطينية واستغلالها لمناكفة السعودية. وقد يؤدي تحسين العلاقات مع قطر وتركيا إلى تخفيف هذه الانتقادات الخارجية ويحسّن العلاقات مع إسرائيل؛ وبسبب مكانة السعودية في العالم الإسلامي، فإن الاتفاق معها سيمنح "شرعية دينية" للعلاقات مع إسرائيل، ومن الممكن أن يسمح بتطوير العلاقات مع العالم الإسلامي برمّته.
  • إيران: شكّل التهديد الإيراني لدول المنطقة طوال سنوات أساساً للتقارب الصامت بين إسرائيل والسعودية، على الرغم من أن إسرائيل تشدّد على التهديد النووي الإيراني، بينما تعتبر السعودية أن إيران قوة تحاول فرض سيطرتها الإقليمية، وأن الصواريخ والمسيّرات الإيرانية وأذرعها تشكّل التهديد الأكبر في المرحلة الحالية. العلاقة مع إسرائيل تحمل الكثير من الإيجابية للمملكة: التنسيق على المستوى السياسي - الاستراتيجي أمام التهديدات المشتركة؛ إحباط تهديدات على المستوى الاستخباراتي- العملياتي وضمنها الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية، المهمة في مجال مواجهة الصواريخ. وعلى الرغم من أن العلاقة مع إسرائيل من شأنها أن تقوي صورة الردع السعودي أمام إيران، فإن هناك تخوّفاً لدى الدول العربية "البراغماتية" من أن يتم التعامل معها على أنها "قاعدة متقدمة" إسرائيلية. والسعودية، التي تدير حواراً مستمراً مع إيران، ليست استثناءً في هذا السياق.
  • يبدو أن السعودية ستستمر بعملية التحضير البطيء للأرضية بهدف الانفتاح أكثر في العلاقات مع إسرائيل، حتّى لو كان هذا النموذج مختلفاً عن "اتفاقيات أبراهام"، بالعمق والوتيرة. وفي إطار السياسة السعودية، وخلال زيارة بايدن للشرق الأوسط أعلنت هيئة الطيران السعودية، استناداً إلى اتفاقية شيكاغو لسنة 1944، أنها ستسمح للطائرات الإسرائيلية بالمرور عبر مجالها الجوي. تمت صياغة البيان بصورة عامة، وطرح الموضوع كأنه حاجة قومية - اقتصادية لتحسين عملية الربط الجوي للمملكة. فعلياً، لقد سمح التصريح بتوسيع المدى الممنوح للطائرات الإسرائيلية للطيران فوق الأجواء السعودية والإماراتية والبحرينية. ومع ذلك، شدّد نائب السفير السعودي في الأمم المتحدة، محمد العتيق، خلال نقاش في الأمم المتحدة بشأن الموضوع الفلسطيني، على أن السماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق الأجواء السعودية ليس خطوة في اتجاه التطبيع. خطوة أُخرى يتم التعامل معها في إطار التطبيع هي الاتفاق السعودي - الأميركي بشأن انسحاب القوة المراقبة الدولية في سيناء (MFO) من جزيرتي تيران وصنافير (اللتين أعادتهما مصر إلى السيادة السعودية في سنة 2017)، ووضع أنظمة مراقبة تقوم بعمل القوة وتضمن استمرار حرية الملاحة في مضيق تيران.
  • الاستنتاج من "اتفاقيات أبراهام" هو أنه في حال توفرت الحوافز والضغط الملائمين، فمن الممكن أن تتخذ دول الخليج خطوات استثنائية خارجة عن الإجماع العربي وعن مواقفها من الموضوع الفلسطيني. لذلك، من الممكن أن تدفع الرياض قدماً بعلاقاتها مع إسرائيل بغض النظر عما يدور في السياق الإسرائيلي - الفلسطيني، لكن هذا سيتعلّق في المقابل بما ستحصل عليه من الولايات المتحدة. وفعلاً، فإن العلاقات بين واشنطن والرياض، وأكثر من ذلك - الاهتمام الأميركي والقيادة الأميركية بعملية التطبيع في الشرق الأوسط، لها أهمية حاسمة. إنْ رأت القيادة السعودية أن التقارب مع إسرائيل سيساعدها على توطيد علاقاتها بالولايات المتحدة، وتحسين الصورة المتطرّفة التي التصقت بها، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، فقد تتخذ خطوة إضافية تجاه إسرائيل.
  • استمرار اتفاقيات التطبيع القائمة اليوم وتوسيعها مهم للعلاقة بين القدس والسعودية، وذلك لأن هذه الاتفاقيات معنية بضمان الشرعية في توسعها اللاحق. لكن، البقاء وراء الكواليس والمساعدة في تحصين العلاقات بين دول عربية وإسلامية بإسرائيل، هو ما تفضله الرياض في هذه المرحلة. إن التعامل مع الموضوع من باب العلاقات العامة، وتحويله إلى قضية داخلية سياسية إسرائيلية، كما جرى خلال زيارة بايدن للشرق الأوسط، سيؤدي إلى توقعات غير واقعية، وإلى ضغوط على السعودية ستضر بالمسار. وعلى الرغم من أن السعودية تمر بتغييرات اجتماعية - ثقافية ليست بسيطة، فإن مسألة العلاقات مع إسرائيل لا تزال مرتبطة بمكانتها واستقرارها. لذلك، في الوقت الحالي، يُنظر في المملكة إلى اتفاق تطبيع كامل على أنه خطوة مبكرة جداً.