عملية "مطلع الفجر" – معركة للمحافظة على حرية تحرك الجيش الإسرائيلي
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
- أصاب وزير الدفاع بني غانتس في وصف عملية "مطلع الفجر" عندما ركز على هدف المحافظة على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في كل الساحات. هذا هدف نظري من الصعب تقدير حجم تحقيقه فوراً. التهديد الذي شكله تنظيم الجهاد الإسلامي كان من خلال محاولته فرض معادلة ردع جديدة على الزعامة الإسرائيلية تحد وتكبح حرية تحرك الجيش الإسرائيلي في عملياته الهجومية في كل الجبهات، مع التشديد على العمليات في العمق الفلسطيني في الضفة الغربية.
- معادلة الردع هذه حققها حزب الله و"حماس" في ساحتي لبنان وغزة - بواسطة إطلاق الصواريخ والقذائف في اتجاه عمق دولة إسرائيل، رداً على أي عملية إسرائيلية هجومية في أراضيهما والتهديد بالتصعيد إلى حد التدهور إلى حرب - لقد أرادت قيادة الجهاد الإسلامي الفلسطيني توسيع معادلة الردع هذه بحيث تشمل أيضاً عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، ولهذا التهديد أهمية استراتيجية تتجاوز الأبعاد التكتيكية. هذا التهديد الذي سعى للربط بين عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وبين رد "إرهابي" من قطاع غزة، هو الذي سعت القيادة السياسية لإزالته وإحباطه.
- في البعد التكتيكي - المادي، يتركز تهديد الجهاد الإسلامي ضد مستوطنات غلاف غزة من خلال إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات على خط القطار في سديروت. من الناحية المادية العملية، فإنه على الرغم من نجاح الجيش الإسرائيلي في اغتيال قائدين في الجهاد، بالإضافة إلى سائر إنجازات الجيش في مهاجمة أهداف، والإنجازات الدفاعية للقبة الحديدية، فإنه لم يقضِ بصورة نهائية على تهديد خلايا الجهاد المسؤولة عن تشغيل الصواريخ المضادة للدبابات ضد الأراضي الإسرائيلية. ولا يزال لدى الجهاد الإسلامي في قطاع غزة صواريخ مضادة للدبابات وخلايا قادرة على العمل. ما حققه الجيش الإسرائيلي خلال القتال لا يقتصر على الإنجاز المادي المثير للإعجاب في دقته، والإنجاز على صعيد الوعي، بل في قضائه على معادلة الردع الجديدة التي حاول الجهاد الإسلامي فرضها.
- وللمقارنة، في صباح 9 حزيران/يونيو 1967 عندما وصلت قوات الجيش الإسرائيلي إلى هضبة الجولان، كان الإنجاز المباشر لاحتلال الهضبة المشرفة هو إبعاد تهديد المدافع السورية عن سيطرتها على موقع مشرف وإبعاد نيرانها عن مستوطنات سهل الحولة، لكن عملية "مطلع الفجر" في أساسها المنطقي والتنظيمي لم تكن موجهة لتحقيق هدف من هذا النوع. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية يستحقان الثناء لأن الهدف الخاص للعملية كان واضحاً لهما منذ بداية العملية وهو الذي وجّه إطار العملية وصولاً إلى الاختيار الصحيح لنقطة الخروج من جولة القتال. المهمة الدائمة للدفاع عن المستوطنات مع التشديد على ناحل عوز وكرم سالم، كانت مطروحة بالتأكيد في أساس التخطيط للعملية، لكن الجزء الأساسي من العمليات لتحقيق هذه المهمة لم يتحقق بصورة مادية مباشرة. هذا هو التحدي الجوهري البنيوي في عمليات من هذا النوع وهو الربط بين هدف نظري وبين إنجاز تكتيكي ملموس وعملي.
- في عالم الجريمة حيث يدور صراع يومي للسيطرة على منظمات الجريمة من السهل شرح المنطق الإسرائيلي الذي أدى إلى عملية "مطلع الفجر". الدينامية التي تحدث في لعبة الرعب المعروفة بـ"لعبة الدجاج" تشبه كثيراً طريقة اتخاذ القرارات في أوضاع صراع تواجه فيها دولة عقلانية تهديدات تنظيمات "إرهابية". في "لعبة الدجاج" هناك سائقان يقودان سيارتيهما بسرعة فائقة جنباً إلى جنب ويقتربان من نقطة في الطريق تكفي لعبور سيارة واحدة. ولمنع وقوع اصطدام، على إحدى السيارتين أن تميل جانباً، إذ لا يريد السائقان حدوث اصطدام وعلى أحدهما التنحي جانباً، لكن من يتنحى جانباً هو الخاسر في اللعبة. إن التهديد الذي فرضته قيادة الجهاد الإسلامي الفلسطيني على دولة إسرائيل ناجم على ما يبدو عن الافتراض أن القيادة الإسرائيلية في سعيها للحؤول دون حدوث تصعيد وجولة قتال ستتنحى جانباً. لكن القيادة الإسرائيلية، في الواقع، من خلال المبادرة الهجومية اختارت في اللحظة الحاسمة الصدام بدلاً من التنحي جانباً، واختارت الاصطدام معتمدة على تفوق "السيارة الإسرائيلية" في مواجهة "سيارة الجهاد الإسلامي". ويكمن الإنجاز الإسرائيلي قبل كل شيء في إظهار الاستعداد للاصطدام والمس بسائق السيارة المواجهة ومن بعدها فوراً تحقيق السيطرة وإنهاء المواجهة.
- لو جرى الحؤول دون حدوث جولة قتال بوساطة مصرية أو قطرية، لكان في ذلك قدر من الإذلال لإسرائيل التي كانت ستبدو عالقة في سلوكها الاستعطافي من أجل تحقيق الهدوء، وعودة صورة اليهودي كإنسان بحاجة إلى حماية. إن الاستعانة بالوساطة المصرية لإنهاء هذا الفصل من الاشتباك، واستخدام القوة وإظهار التفوق العملاني والاستخباراتي هو قصة مختلفة تظهر قوة وسيادة. ومن هذه النواحي تبدو جولة القتال الأخيرة مختلفة عن الجولات السابقة، وتفتح أفقاً لنشوء معادلة استراتيجية جديدة لا تقتصر على قطاع غزة.