إسرائيل تنتظر بايدن، ومن شأن هذا أن يضر بها
المصدر
مركز القدس للشؤون العامة والسياسة

تأسس المعهد في سنة 1976، وهو متخصص في الدراسات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية. يترأس المعهد، حالياً، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دوري غولد. ينشر المركز مقالات يومية يمكن الاطلاع عليها باللغتين العبرية والإنكليزية على موقعه الإلكتروني. كما تصدر عنه سلسلة من الكتب، ويمتاز بمواقفه التي تتماهى مع اليمين في إسرائيل.

 

  • مع نهاية زيارة بايدن، يمكن القول إن احتمالات حدوث تغيير استراتيجي في المنطقة تحقّقت بشكل جزئي-وهو ما يعني أن هذه الاحتمالات لا تزال قائمة. لكن السؤال المحوري يتركز على مدى التغييرات المحتملة في سياسة الولايات المتحدة تجاه الإقليم.
  • أظهرت الزيارة (من خلال إعلان القدس)، الحميمية الكبيرة التي تميّز العلاقات الإسرائيلية-الأميركية؛ التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، والمصلحة المشتركة بتطوير العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. لكن في الوقت ذاته، برزت فجوات بين الطرفين فيما يتعلق بالموضوع الإيراني والقضية الفلسطينية.
  • خلال الزيارة، أشار الرئيس بايدن مجدداً إلى أن عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة مطلوبة لمنع فراغ قد تملؤه روسيا والصين من خلال التعاون مع إيران. ولذلك، وفي أعقاب التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، وضع بايدن موضوع حقوق الإنسان جانباً، وتنازل وذهب لحضور اجتماعات في جدّة. هذا المفهوم الذي يتناقض مع مبادئ الرئيس الأميركي، لم يتطوّر بعد إلى مصالحة كاملة، ولا يزال هناك كثير من الجهات داخل الحزب الديمقراطي التي تضع العوائق أمام مسار المصالحة.
  • تعكس خطوات الرئيس بايدن مسار الضعف في مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى في المنطقة. وهو ما توصل إليه الإيرانيون والسعوديون، وبالتالي تبنّوا مواقف أكثر حديّة في مقابل التوقعات الأميركية. فالتصريحات العدوانية الإيرانية في أعقاب الزيارة، وعلى رأسها ما ورد على لسان مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي عن إمكان الذهاب إلى سلاح نووي، وعدم استجابة السعودية مباشرة للطلب الأميركي بزيادة إنتاج النفط، كل هذه الأمور أظهرت حجم التراجع في مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وخصوصاً بعد الانسحاب المُخجل من أفغانستان. لكن صورة الضعف هذه تضر بمكانة حلفاء الولايات المتحدة أيضاً الذين يتردّدون في مواجهة إيران، وفي الوقت ذاته تدلّل على أهمية إسرائيل بصفتها الجهة الوحيدة التي تعمل علناً ضد جهود إيران لزيادة تأثيرها إقليمياً.

التغيير في الرؤية الأميركية-فرصة لإسرائيل

  • على الرغم من هذا كله، فإن الولايات المتحدة القوة العظمى الأهم في العالم، وسعيها بالتدريج لمنع تغيير في النظام الإقليمي هو تطوّر إيجابي بالنسبة إلى إسرائيل. حالياً، علينا أن نبحث مع الأميركيين في كيفية الدفع قدماً بهذا الهدف سوياً، إلى جانب الجهات الأُخرى التي تشاركنا القلق من تعاظم قوة الجهات المتطرّفة بقيادة إيران في المنطقة. ومع أن فكرة تشكيل منظومة دفاع إقليمي لم تتطور خلال الزيارة، إلاّ إن هذا ليس سبباً كافياً للتخلي عن الفكرة، بل يمكن البحث في السبل الأمثل للدفع بها قدماً عبر تعاون ثلاثي بين إسرائيل والولايات المتحدة وكل دولة بحسب حاجاتها. وتبدو زيارة رئيس هيئة الأركان إلى المغرب، خطوة في هذا الاتجاه.
  • بجميع الأحوال، فإلى وقت قريب كان التركيز الأميركي على التوتر مع روسيا والصين يضر بالتقاء المصالح بين الولايات المتحدة من جهة وإسرائيل ودول الخليج التي لا ترى في الصين وروسيا تهديداً لأمنها من جهة أُخرى. لذلك فإن التغيير في فهم واشنطن يرمّم التقاء المصالح الذي اعتمد في الأساس على التعاون الاستراتيجي. فالهدف الأساسي المشترك لإسرائيل والدول العربية المعتدلة هو ترجمة التقاء المصالح هذا لإحداث تغيير في السياسة الأميركية تجاه إيران، ودفع الولايات المتحدة لتفعيل ضغوط حادة على النظام الإسلامي المتطرّف، ومن ضمنها تهديد عسكري جديّ لإيران بهدف كبح برنامجها النووي. هذا كله، إلى جانب التخلي عن طرح فكرة العودة إلى الاتفاق النووي.
  • الآن، يجب استغلال زيارة الرئيس الروسي لإيران، وتقارب العلاقات بين الدولتين و"الوقاحة" الإيرانية بهدف الدفع بالأميركيين إلى تبني سياسة أكثر حديّة في مقابل إيران.
  • وفي الوقت ذاته، يجب الاستعداد للتعامل مع المخاطر التي ستنجم عن هذه التطورات، ومنها توجّه روسي أكثر عدوانية ضد حرية الحركة الجوية الإسرائيلية في سورية، ومحاولة إيران وأذرعها الاستمرار باستغلال صورة الضعف الأميركي بهدف تحقيق أهدافها. فإيران، التي استغلت هذا الضعف بهدف التقدم كثيراً في برنامجها النووي من دون أي رد أميركي، من الممكن أن تضع الولايات المتحدة أمام تحديات إضافية وجديدة. هذا بالإضافة إلى إمكان أن يعمد حزب الله إلى امتحان التصميم الإسرائيلي فيما يتعلق بمنصة الغاز "كاريش".
  • يبدو أن الزيارة ساهمت بشكل محدود فقط فيما يتعلق بدفع التطبيع والسلام مع الدول العربية المعتدلة-كالسماح بالتحليق فوق الأجواء السعودية والموافقة الأولية على رحلات مباشرة من إسرائيل. هذا يُعد إشارة إلى احتمالات كامنة للاستمرار ببناء العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية بين إسرائيل والدول العربية، على الرغم من معارضة الفلسطينيين. ويتضح للأميركيين يوماً بعد يوم، أن محاولة الفلسطينيين تصوير أنفسهم على أنهم مندوب العالم الإسلامي والعربي، غير صحيحة. فالسعودية ملتزمة بمبادرة السلام العربية التي تربط بين التطبيع مع إسرائيل وقبولها بمعظم المطالب الفلسطينية، وهذه المبادرة غير قابلة للتطبيق في هذه المرحلة. إن الخطوة السعودية تكسر السد نهائياً، واحتمالات انهياره تبدو أعلى. وهنا، من المهم الإشارة إلى أن الرئيس بايدن وخلال التصريحات المشتركة مع رئيس الحكومة يائير لبيد، تطرّق إلى "اتفاقيات أبراهام" بالاسم، ولم يكتفِ فقط بمصطلح "التطبيع"، كما فعل أعضاء إدارته.

لبيد ساعد الفلسطينيين للتهرّب من المسؤولية

  • يبدو أن الموضوع الفلسطيني قد هُمّش مجدداً، وهذا يعود في الأساس إلى اعتقاد بايدن بعدم وجود أي احتمال لمسار سياسي في ظل الأوضاع الحالية. والنار التي تطلق من غزة تهدف، بالأساس، إلى التعبير عن الإحباط الفلسطيني (وتحدي السلطة الفلسطينية). ولهذا برزت صورة الفلسطينيين كضحايا أبديين، يجب تعويضهم عن التعامل المحدود مع قضيتهم وعدم القدرة على الاستجابة لمطالبهم الاستراتيجية.
  • إن التسهيلات الإسرائيلية التي كان الهدف منها إرضاء أبو مازن وبايدن معاً، والوعود بمساعدات أميركية، كانت من دون أي مقابل من جانب الفلسطينيين وتضمنت مخاطر أمنية إسرائيلية (بناء فلسطيني في مواقع حسّاسة وتحديات استخباراتية بسبب دخول 4G إلى الهواتف الفلسطينية). من الممكن أن يؤدي هذا إلى تعميق الشعور لدى الفلسطينيين بأن الرفض المستمر مفيد لهم، وفي نهاية المطاف سيتصالح الإسرائيليون والأميركيون مع التقليد الفلسطيني بدفع الرواتب لمنفذي العمليات وتأبيد قضية اللجوء من خلال تقديم المساعدات للأونروا، على الرغم من استمرار السلطة بتحريض الشباب الفلسطيني ضد إسرائيل من خلال مناهج التعليم.
  • مرة أُخرى، هناك تجاهل لدور الفلسطينيين ذاتهم بتأبيد الصراع والحرب ضد الصهيونية. لقد أضاع لبيد فرصة توضيح المسؤولية الفلسطينية عن الأفق السياسي المسدود عندما سُئل خلال اللقاء مع الصحافيين عن موقفه من حل الدولتين. فبدلاً من إيضاح الفرق بين "دولتين" و"دولتين لشعبين"، أحدهما الشعب اليهودي، إلى جانب التشديد على مصالح إسرائيل الأمنية، اكتفى بإجابة مبهمة عبّر فيها عن دعمه بالمبدأ. وبالمناسبة، فإن بايدن وخلال اللقاء مع أبو مازن استخدم مصطلح "دولتين لشعبين"، وصمّم على أن لكليهما جذوراً عميقة في هذه الأرض (المشكلة أن كل مركّبات معادلة بايدن الأُخرى هي إشكالية بالنسبة إلى إسرائيل).
  • في المحصلة، هناك تطوّرات إيجابية في الموضوع الإقليمي. ومع ذلك، فإن تأخر هذه التطورات أو عدم حدوثها في أعقاب زيارة بايدن، من شأنه أن يعزز احتمالات استغلال الأمر من جانب الجهات التي تتحدّى النظام الإقليمي الحالي وتتحدّى مكانة الولايات المتحدة، وستحاول هذه الجهات الدفع قدماً بالترتيبات الملائمة لها، وبذلك تزداد الخطورة على إسرائيل والاستقرار الإقليمي.