بينما تتساءل إسرائيل عن اليوم التالي ما بعد محمود عباس، تحدث تغييرات في الضفة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • بعيداً عن العناوين الأولى وتقريباً تحت السطح، لا تزال الضفة الغربية تغلي. كما أن انحسار موجة الهجمات التي حدثت في الربيع داخل الخط الأخضر أدى إلى تحويل انتباه وسائل الإعلام إلى مجالات أُخرى: الخلاف على الغاز مع لبنان وتهديدات نصر الله، التقرير الحاد لمراقب الدولة بشأن أحداث "حارس الأسوار"، وبدء المعركة الانتخابية.
  • لكن الساحة الفلسطينية ليست هادئة. ومع أن جزءاً من الضغط يظهر في صراع عنيف ضد إسرائيل ويتمحور مؤخراً في حوادث إطلاق النار على الجيش الإسرائيلي في المناطق، إلاّ إن هناك أسباباً داخلية كثيرة للتوتر، وهي تتعلق بالضعف المستمر للسلطة الفلسطينية، وتقدم رئيس السلطة محمود عباس بالسن، وصراع الأجيال داخل حركة "فتح" والمنافسة مع "حماس".
  • منذ أكثر من عامين تشير أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى مزيد من الضعف لدى السلطة الفلسطينية. وقد ظهر الضغط الذي تتعرض له زعامتها وعجزها عن تحقيق نتائج في نهاية رئاسة ترامب في الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضية ضم المستوطنات التي لم تحدث (لم تتحقق بسبب صراعات القوى في إدارة ترامب أكثر منها بسبب الاحتجاج الفلسطيني).
  • برز المأزق الذي يعاني جرّاءه عباس وأنصاره في أيار/مايو 2021 خلال عملية "حارس الأسوار". وصحيح أن المواجهات في الضفة كانت مضبوطة بالمقارنة مع القتال على الحدود مع غزة الذي تجلى بالأساس بإطلاق "حماس" للصواريخ، لكن السلطة خسرت نقاطاً وسط الجمهور الفلسطيني مقارنة بـ "حماس".
  • في الصيف الماضي، على خلفية تصاعد نشاط الخلايا المسلحة في مخيم جنين للاجئين طلبت إسرائيل من السلطة أن تتحرك. لكن الأجهزة الأمنية الفلسطينية لاقت صعوبة في مواجهة تحدي المخيم الذي تحول إلى منطقة مستقلة. وفي شباط/فبراير الماضي عاود الجيش الإسرائيلي عملياته في المخيم بهدف توقيف مشتبه بهم. وساهمت الاحتكاكات العنيفة التي اندلعت هناك في اندلاع موجة "الإرهاب" بعد شهر، على الرغم من أن معظم منفذي الهجمات بين آذار/مارس وأيار/مايو لم يأتوا من المخيم بل من بلدات محيطة به ومن نابلس.
  • أجبرت الهجمات في تل أبيب، وبني براك، وأريئيل – بعد هجومي بئر السبع والخضيرة اللذين نفذهما عربيان من إسرائيل من مؤيدي تنظيم داعش-الجيش الإسرائيلي على القيام بخطوتين. خطوة دفاعية تمثلت بنشر قوات نظامية واسعة النطاق لسد الثغرات الكبيرة في السياج الحدودي على طول منطقة التماس، وخطوة هجومية بدأت باعتقالات واسعة النطاق وتركزت في منطقة جنين.
  • خلال هذه العمليات واجهت إسرائيل واقعاً جديداً-قديماً. فتقريباً، كل عملية دخول إلى مخيمات اللاجئين في شمال الضفة، وجزء من البلدات والقرى كانت تواجه بإطلاق نار كثيف للغاية. وكان المطلوبون يفضلون التحصن وخوض قتال. وقد تحركت قوة مكافحة الإرهاب يوم الاثنين من هذا الأسبوع في نابلس وقتلت مطلوبيْن مسلحيْن من تنظم "فتح" وعادت لتنفيذ إجراء "وعاء الضغط" – حصار مستمر على منزل انطلقت منه صواريخ مضادة للدبابات-كما كان يجري خلال الانتفاضة الثانية. وقد برز في المواجهة تعاون كبير بين أنصار "فتح" وناشطي "الجهاد الإسلامي"، وأحياناً حتى مع خلايا محلية لها علاقة بـ"حماس".
  • لم يتغير أبو مازن بالنسبة إلينا؛ فهو لا يشجع "الإرهاب" على الرغم من الدعم الاقتصادي المستمر الذي تقدمه السلطة إلى عائلات الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل ... لكن التغير التدريجي في الضفة الغربية يحدث بينما رئيس السلطة لا يزال في منصبه. جزء من الأحداث له علاقة بالأمر وجزء آخر يتعلق بظواهر أُخرى مثل الانتشار الكبير للسلاح على الأرض.
  • في السنة الماضية وبطلب من رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت، دخل الشاباك في خضم المعركة ضد انتشار السلاح وسط الجمهور العربي في إسرائيل. كما أن الجهد المشترك التي تبذله الأجهزة الأمنية ضد تهريب السلاح إلى الأردن، بدأ يعطي ثماره الأولى. لكن في الضفة وفي حدود الخط الأخضر فإن الحصول على سلاح أمر متوفر لكل من يشاء تقريباً.
  • بعد موجة الهجمات أوصى الشاباك الحكومة بالدفع قدماً بتعديلات تشريعية تساهم في رأيه في محاربة مؤيدي داعش داخل الخط الأخضر، الذين بدأوا سلسلة الهجمات. ويطالب الشاباك بتعديل البند 24 من قانون محاربة الإرهاب الذي ينص على أن "من يحتفظ أو يستخدم مواد تحريضية تابعة لتنظيم إرهابي نظرياً وعملياً" يرتكب جريمة. ويقول الشاباك أن اثنين من المنفذين الثلاثة للهجمات في بئر السبع والخضيرة والتي أدت إلى مقتل 6 إسرائيليين شاهدوا فيديوهات تحريض تابعة لداعش، دفعتهم إلى الانتقال من التأييد الفكري للتنظيم السلفي إلى عمليات "إرهابية" مسلحة.
  • بالإضافة إلى هذا ينوي الشاباك إضافة بندقية "إير سبوت" (بندقية تطلق رصاصات بلاستيكية) إلى الأسلحة التي تتطلب ترخيصاً، واقتراح القانون الذي جرى صوغه مؤخراً لتعديل قانون السلاح يفرض عقوبة بالسجن على كل من يحمل البندقية من دون ترخيص. هذا السلاح منتشر وسط الجمهور العربي ويستخدمه المجرمون ويُستخدم كذلك في العمليات "الإرهابية". وقد عُثر على هذه البندقية لدى عدد من المشتبه بهم في أراضي السلطة الذين اعتقلوا مؤخراً بسبب علاقتهم بداعش.
  • أنهت المؤسسة الأمنية مؤخراً المعطيات المتعلقة بالنصف الأول من سنة 2022. وقد سُجّل خلال هذه الفترة 61 هجوماً "مهماً" و36 "حادثة قتال" (كإطلاق النار على الجيش الإسرائيلي خلال الاعتقالات)، كما جرى اعتقال قرابة 1720 فلسطينياً وعربياً من سكان إسرائيل. وقُتل 66 فلسطينياً في الضفة بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو، بالمقارنة مع 81 قتيلاً خلال السنة الماضية كلها، بمن فيهم الذين سقطوا خلال عملية "حارس الأسوار". وبرز دور الجيل الشاب في أحداث العنف. وبحسب الأرقام فإن 87% من المعتقلين في اضطرابات القدس كانوا تحت سن 25 عاماً، ونحو 24 % كانوا من الأولاد.
  • لا شيء في هذه الأرقام يبشر بالخير باستثناء أمر واحد هو التحسن الكبير في التعامل الإسرائيلي مع الأحداث التي اندلعت هذه السنة مقارنة بالتصعيد التدريجي الذي أدى إلى العملية العسكرية في غزة العام الماضي. لقد كانت الخطوات منسقة ومتوازنة وفي معظمها أكثر انضباطاً. لكن، وعلى الرغم من الخط المتشدد الذي انتهجته حكومة لبيد -بينت في مواجهة "الإرهاب" فإنه لم يكن عشوائياً. ويبدو أن هذا ساهم في عدم خروج الوضع في المناطق عن السيطرة.