بعد مرور 30 عاماً على "حروب المسيرات" في قيادة المؤسسة الأمنية، إسرائيل تكسر الصمت
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كان هذا القرار الأهم الذي اتخذه إسحاق رابين كوزير للدفاع، وإيهود باراك كقائد لهيئة الأركان: بناء قوة الجيش، استناداً إلى طائرات مسلحة من دون طيار. قوة متحركة، خفيفة وسريعة، يمكن توجيهها ضد اجتياح بري لقوات العدو، أو إرسالها إلى عمليات خاصة، من دون الخوف على حياة الطيارين.
- الفكرة كانت تدور في ذهن المؤسسة الأمنية منذ ثمانينيات القرن الماضي، بسرية تامة، وتم طرحها على الإعلام كبديل من مشروع لافي- طائرة عسكرية تم التخطيط لها في إسرائيل، وجرى تطويرها بتمويل أميركي. قامت طائرة الـ"لافي" برحلة تجريبية، إلاّ إن الأميركيين فضلوا تزويد الجيش الإسرائيلي بطائرات F-16، وهو ما أدى إلى إلغاء المشروع في سنة 1987. البديل، كما تم التخطيط له، حينها، كان "بغيون"- طائرة من دون طيار، شبح ومسلحة، بدأ تطويرها في الصناعات الجوية مع محرك سيلون التابع لشركة "غرات" الأميركية.
- وبعدها، ظهر البديل للبديل، الذي دفع به قدماً باراك بعد تعيينه قائداً لهيئة الأركان في سنة 1991: وضع جانباً الـ"بغيون" المكلف والذكي، الذي كان حجمه كحجم طائرة "سكايهوك" العريقة. كان واضحاً أن الجيش سيستطيع التزود ببضع طائرات "بغيون" فقط، وستكون عملية التصنيع مرتبطة برغبة الأميركيين، كونهم المزودين بالمحرك. شركة صغيرة، كان اسمها "حيتس هكيسف"، اقترحت على الجيش نموذجاً مختلفاً من المسيّرات الصغيرة، صحيح أنها لن تستطيع حمل كميات كبيرة من الصواريخ، إلا أنه من الممكن تصنيعها محلياً، وبكميات كبيرة، وإقامة قوة جدية ومهمة. شركة "إلبيت" التي أرادت منافسة الصناعات الجوية، اشترت الشركة الناشئة وقادت تطوير المشروع الجديد، الذي سُمّيَ "زيك" (أو اسمه العلني هرمس 450).
- في سنة 1992، فاز رابين في الانتخابات وعاد إلى وزارة الدفاع مكان موشي أرنس، المؤيد للصناعات الجوية، حامي الـ"لافي" وداعم الــ"بغيون". بدوره، دفع رئيس هيئة الأركان إيهود باراك إلى نقاش خطة المسيّرات المسلحة مرة أُخرى، ودخلت الصناعات في معركة حياتهم. وكان واضحاً أن المشروع الذي سيقع عليه الاختيار- بغيون أو زيك- سيحدد شكل القوة الجوية الإسرائيلية للأجيال القادمة، وأيضاً مَن سيقود التكنولوجيا الأمنية الإسرائيلية، الصناعات الجوية الحكومية، أو إلبيت الشركة الخاصة. لكن وبعكس الصراع على طائرة لافي الذي كان علنياً، تم فرض رقابة صارمة على معارك المسيّرات.
- زميلي عمانوئيل روزن من "معاريف" وأنا، كمراسل جديد للصناعات الأمنية في "هآرتس"، نشرنا الأخبار عن صراعات القوى الدائرة في القيادة الأمنية تحت غطاء إسم "المعركة على المشروع المركزي". الرقابة لم تتدخل ما دمنا لم نقُم بأي إشارة إلى نوع الأسلحة وقدراتها. وبدورهم، حاول مسؤولو الصناعات استمالتنا إلى جانبهم، فاجتمعت قيادات عسكرية بالصحافيين بهدف الحديث عن تدريب كبير قاده الجنرال عوزي ديان، من دون الحديث عما تم التدريب عليه. ومن استطاع الفهم، فهِم.
- في مطلع سنة 1993، حسم رابين النقاش لمصلحة باراك والـ"زيك". مشروع الـ"بغيون" توقف، وحصلت الصناعات الجوية على جائزة ترضية، كمقاول مساعد لـ"إلبيت". فالتدريب الذي أجراه ديان أثبت أن طائرات الـ"زيك" قادرة على الدفاع عن الجولان في حال وقع هجوم سوري مفاجئ على نمط حرب الغفران. وعندما تم انتخاب باراك لمنصب رئيس الحكومة في سنة 1999، كان مؤمناً بأن المسيّرات المسلحة ستزود إسرائيل بسور واقٍ طائر في حال عاد الجولان إلى سورية من خلال اتفاق سلام، وطرح الفكرة على حكومته.
- السلام مع سورية توقف على الطريق، اندلعت الانتفاضة الثانية، وصادق أريئيل شارون على استعمال المسيّرات الهجومية في عمليات الاغتيال في قطاع غزة. المعروفة بينهم كانت عملية اغتيال قائد "حماس" أحمد ياسين في سنة 2004. لكن على الرغم من أن كل فلسطيني في غزة قد عرف السلاح وقدراته، فإن الرقابة العسكرية المفروضة على استخدام المسيرات المسلحة لم تتغير، حتى بعد أن غيّرنا التسمية إلى "مسيّرات- ( بدلاً من طائرات من دون طيار). وعندما قام الجيش الأميركي وأجهزة الاستخبارات الأميركية باستخدام مسيّرات لاغتيال مقاتلي القاعدة وداعش، حافظت إسرائيل على الصمت - إلى أن خرجت في الأمس عن صمتها، تقريباً بعد مرور 30 عاماً على موافقة رابين على تطوير الـ"زيك" مكان الـ"بغيون".