بايدن يريد نفطاً أرخص؛ إسرائيل جزء من خطته للخروج من الأزمة
تاريخ المقال
المصدر
- لفتت زيارة بايدن إلى إسرائيل والسعودية نظر وسائل الإعلام في إسرائيل إلى التقارب المتوقع بين الدولتين. ولكن هذه النظرة، همّشت السبب الأساسي الكامن وراء زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الدولتين. فبالأساس، الهدف الأساسي من الزيارة هو أسعار النفط، والوضع الاقتصادي العالمي.
- يعلم الكثيرون اليوم بأن الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري (نفط وغاز وفحم) بالوتيرة الحالية، سيؤدي إلى فوضى مناخية؛ وقبل وقت ليس ببعيد، في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021، خلال قمة المناخ في غلاسكو، صرّح رئيس الولايات المتحدة بأن: أزمة المناخ تهدم حياة الناس يومياً، وتكلّف مليارات الدولارات". ولذلك، صرّح بأنه يجب تقليص انبعاث الكربون الناتج من حرق الوقود الأحفوري فوراً. لكن هذه التصريحات جاءت حين كان سعر برميل النفط الواحد أقل من 80 دولاراً. صحيح أن 80 دولاراً للبرميل هو أربعة أضعاف ما كان في نيسان/أبريل 2020، مباشرة بعد انتشار وباء كورونا. لكن حين عُقدت قمة المناخ، كانت التوقعات تشير إلى أن أسعار النفط ستتراجع إلى 60 دولاراً للبرميل في الوقت القريب، بعد أن تقوم شركات النفط بزيادة الإنتاج الذي تقلص خلال أزمة وباء كورونا - حين كان الطلب قليلاً.
- لم تجر الأمور بهذه الطريقة في الحقيقة، وهذه التوقعات تحولت إلى غير واقعية. فثلاثة أشهر بعد قمة المناخ، في نهاية كانون الثاني/ يناير 2022، ارتفع سعر النفط إلى 90 دولاراً للبرميل الواحد.
- بعد ذلك، جاء الاجتياح الروسي لأوكرانيا في نهاية شهر شباط/فبراير 2022. هذا الاجتياح وضع الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو، أمام خيارين كلاهما سيئ: تدخُّل فعلي في الأزمة، وهو ما سيؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الناتو وروسيا؛ والثاني - فرض عقوبات على روسيا بهدف إلحاق الضرر بها اقتصادياً بصورة كبيرة تدفعها إلى الانسحاب من أوكرانيا. الخيار الذي اتُّخذ كان الثاني طبعاً، فمن يريد قتال الروس؟
- العقوبات المفروضة على روسيا أدت إلى ارتفاع أسعار البضائع بصورة طبيعية، لكن بصورة خاصة ارتفعت أسعار الطاقة والحبوب. ومرة أخرى تبين أن توقعات الجهات الدولية الكبيرة بشأن انهيار الاقتصاد الروسي بسبب الأزمة غير واقعية: كل ما حدث هو أن دول الاتحاد الأوروبي تدفع اليوم لروسيا سعراً أعلى للبضاعة ذاتها. سعر الروبل مقابل الدولار اليوم هو 65 روبلاً للدولار، مقارنة بـ108 روبلات للدولار في بداية آذار/مارس، مباشرة بعد الاجتياح. العقوبات على روسيا أثمرت، لكن الثمار سقطت في الجيب الخطأ، الجيب الروسي.
- الجواب الوحيد عن هذه المفارقة الغريبة - التي تقول إنه كلما طالت الحرب في أوكرانيا، كلما نما الاقتصاد الروسي، في ظل تضخّم مالي يزداد في العالم، لم نشهد له مثيل منذ السبعينيات - موجود في منطقة الشرق الأوسط، وقبل كل شيء في السعودية والإمارات. يطمح بايدن في هذه الزيارة إلى "كسر" تفاهمات "أوبك+"، فتقوم السعودية والإمارات بزيادة إنتاج النفط بأكبر قدر ممكن. الحديث هنا يدور عن الدولتين الوحيدتين في "أوبك" اللتين تملكان احتياط إنتاج كبيراً جداً: تستطيع السعودية زيادة الإنتاج من 1.5مليون برميل في اليوم، إلى حد أقصى هو 12 مليون برميل في اليوم؛ أما الإمارات فتستطيع زيادة إنتاجها من 3 ملايين برميل في اليوم إلى 3.5 مليون برميل، وهناك مَن يدّعي أن لديها القدرة على إنتاج 4 ملايين. وعملياً، مفتاح تخفيض أسعار النفط في العالم موجود لدى محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.
- لا مصلحة لدى السعوديين والإماراتيين في القيام بذلك. لماذا عليهم المخاطرة بمواجهة مع روسيا في وقت ينمو اقتصادهم ويتقاضون أسعار نفط عالية؟ إذا استمرت الحرب في أوكرانيا طويلاً فإن الناتج القومي السعودي في سنة 2022 سيتجاوز سقف التريليون دولار. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاقتصاد الإماراتي الذي ينمو بسرعة كبيرة جداً خلال النصف الأخير من العام، في أعقاب الدخل الكبير الناتج من تصدير النفط، إلى جانب الخروج من أزمة وباء كورونا وعودة قطاع السياحة.
- تهدف زيارة بايدن إذاً إلى ترميم العلاقات مع السعودية، ومع محمد بن سلمان تحديداً، بعد الضرر الذي لحق بالعلاقات في أعقاب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، والذي يُنسب إلى ولي العهد السعودي. وعملياً، الزيارة تهدف إلى إقناع السعوديين بالعودة إلى لعب دور "الكبير الناضج" في سوق النفط، حتى ولو جاء هذا على حساب تقليل دخل السعودية، من أجل تحقيق مصالح الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة.
- إذاً، ماذا يملك بايدن لتقديمه إلى السعودية والإمارات؟ فالولايات المتحدة توقفت منذ زمن عن الدفاع بذاتها عن حلفائها. ولا يتوقع أحد أن تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً في الموضوع الإيراني، وبصورة خاصة بعد ردها الضعيف على اجتياح أوكرانيا. وعلى الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة تستطيع اقتراح تحالُف دفاعي إقليمي ضد إيران وأذرعها. فهي ستزود بالسلاح، وإسرائيل - صاحبة الجيش الأقوى والأكثر خبرة في المنطقة - تدرب وترسخ التحالف فعلياً. وفي الواقع قام ترامب بنقل إسرائيل في سنة 2020 من القيادة الأميركية في أوروبا إلى القيادة المركزية. وفي هذا الوضع، ستحصل دول الخليج على دفاع فعال في المواجهة مع إيران وملحقاتها، وبصورة خاصة إزاء الحوثيين في اليمن؛ الولايات المتحدة تتمتع بانخفاض سعر النفط في الأسواق؛ أما إسرائيل فلن تتحول فقط إلى دولة شرعية ومعترف بها في المنطقة، بل إلى دولة مركزية وضرورية لصمود الأنظمة الخليجية في مواجهة التهديد الإيراني. التغيير المناخي، حالياً، يستطيع الانتظار.