خلال نصف سنة قُتل 60 فلسطينياً برصاص القوى الأمنية الإسرائيلية 16 حادثة فقط جرى التحقيق فيها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • خلال الأشهر الستة الأخيرة من هذا العام قُتل 60 فلسطينياً في الضفة الغربية في حوادث مع القوى الأمنية الإسرائيلية، أي بمعدل عشرة أشخاص شهرياً. وللمقارنة، وفقاً لأرقام منظمة بتسيلم، في سنة 2021 كلها، قُتل 70 فلسطينياً في الضفة، على الرغم من أن هذه السنة شهدت تصعيداً في الضفة في أثناء عملية "حارس الأسوار". في السنوات التي سبقت ذلك، كانت الأرقام أقل من ذلك بكثير، 19 قتيلاً في سنة 2020، و20 قتيلاً في سنة 2019.
  • المنطقة التي شهدت أكبر عدد من القتلى هي جنين (26 قتيلاً)، وتأتي بعدها بيت لحم (9 قتلى)، ونابلس (9 قتلى). وبالاستناد إلى مصادر عسكرية، العدد الكبير من القتلى سقط نتيجة عمليات التوغل الكثيرة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي والقوات الخاصة داخل المدن الفلسطينية، وفي مقدمتها جنين، من أجل القيام باعتقالات. وبحسب هذه المصادر، خلال عمليات التوغل، يطلق مسلحون النار ويجري رمي عبوات ناسفة على الجنود الذين يردون بإطلاق النار. مصادر أُخرى تحدثت معها "هآرتس" أشارت إلى أن سبب ارتفاع عدد القتلى هو تغيُّر تعليمات إطلاق النار. في كانون الأول/ديسمبر، نشرت قناة كان الإخبارية أن الجيش خفف من قيود تعليمات إطلاق النار على راشقي الحجارة والزجاجات المشتعلة. وضمن هذا الإطار جرى التوضيح للمقاتلين أنه يمكنهم إطلاق النار بهدف القتل، حتى على راشقي الحجارة والزجاجات المشتعلة. ويدّعون في الجيش أنه لم يجرِ تغيير فعلي للتعليمات، بل جرى تشديد الصيغة. منذ بداية السنة قُتل 6 فلسطينيين بعد مشاركتهم في رشق الحجارة، بحسب الجيش. كما قُتل 11 آخرون بعد رشقهم بالزجاجات المشتعلة جنوداً، أو مواقع عسكرية، أو طريقاً.
  • سبب إضافي لارتفاع عدد القتلى هو زيادة القوات العسكرية على طول جدار الفصل. في نهاية آذار/مارس، وبعد الهجوم في بني براك، بدأ الجيش بتشديد حراسته على عشرات الفجوات على طول جدار الفصل التي كان يعبر الفلسطينيون من خلالها إلى إسرائيل بطريقة غير شرعية طوال أعوام. مؤخراً، بدأ تشييد جدار واقٍ من الباطون. في الأعوام الأخيرة وضع الجيش كمائن بالقرب من الجدار من حين إلى آخر، وكان الجنود يطلقون النار على العمال الذين يحاولون اجتيازه، في الأساس بواسطة بندقية روغر، ومن خلال استهداف الجزء السفلي من الجسم. اليوم، ومع زيادة عدد الجنود المنتشرين على طول الجدار، هناك ارتفاع في عدد القتلى والجرحى. ومقابل قتيل واحد سقط في أثناء محاولته اجتياز الجدار خلال العام الماضي كله، قُتل هذه السنة خلال شهرين فلسطينيان كانا يحاولان اجتياز الجدار. أحدهما كان نبيل غانم (54 عاماً)، وهو أب لستة أولاد، وكان عامل بناء طوال 35 عاماً في رأس العين من دون إذن. قُتل غانم في أثناء محاولته اجتياز الجدار بالقرب من قلقيلية.
  • مندوب الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط ثور وينسلاند دان مؤخراً "تواصُل عمليات قتل الفلسطينيين، بمن فيهم أطفال، على يد القوات الإسرائيلية، وخصوصاً في حوادث لم تشكل خطراً مباشراً على الحياة". كما بعث الأميركيون برسالة إلى إسرائيل قبيل زيارة بايدن، طلبوا فيها تخفيف التوتر مع الفلسطينيين.
  • مكتب المفوضية العليا في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أصدر بياناً الأسبوع الماضي، تطرّق فيه إلى العدد المرتفع للقتلى، وأشار ضمن هذا السياق إلى حوادث غير مسبوقة، مثل إطلاق الجيش النار على الجزء العلوي من أجساد الفلسطينيين الذين لم يشكلوا أي تهديد. والمثال لذلك إطلاق النار على يحيى عدوان، وهو فلسطيني في الـ26 من العمر من قرية عزون، في 30 نيسان/أبريل أُطلقت النار على ظهره مرتين بعد إلقائه زجاجة مشتعلة على الجنود الإسرائيليين وفراره من المكان. ويوثّق شريط التقطته إحدى كاميرات المراقبة ونشره الفلسطينيون فراره من المكان، ثم سقوطه.
  • كما تطرقت الأمم المتحدة إلى حوادث تعتقد أن "استخدام القوة جاء أولاً، ولم يكن المخرج الأخير لمواجهة تهديد". وجرت الإشارة إلى حادثة وقعت في 11 أيار/مايو قُتل خلالها شاب فلسطيني من البيرة في الـ16 من عمره في أثناء رشقه الجنود بالحجارة، وفي رأي الأمم المتحدة، فقد جرى إطلاق النار عليه على الرغم من أنه لم يكن يشكل خطراً مادياً على الجنود. قتيل آخر سقط في ظروف مماثلة هو زياد محمد غنيم (14 عاماً) قتله الجنود الإسرائيليون في منطقة شهدت رشقاً بالحجارة. وبحسب شهود تحدثت معهم "هآرتس"، هو لم يشارك في رشق الحجارة، وكان في طريقه لزيارة جدته، حيث كان والداه ينتظرانه. في البداية، ادعى الجيش أن الجنود أطلقوا النار على فلسطينيين رشقوهم بالزجاجات الحارقة والحجارة، لاحقاً ادعى مصدر أمني أن الشاب قُتل لأنه كان يحمل حجراً. بينما يدّعي شهود عيان أن الشاب قُتل في أثناء فراره من المكان، ولم يكن يشارك في المواجهات. القوة التي أطلقت النار عليه كانت دخلت إلى قرية الخضر بعد قيام مجموعة من الشبان الفلسطينيين في وقت سابق برشق الحجارة في اتجاه مواقع عسكرية على مدخل القرية. وعلمت الصحيفة بأن الشرطة العسكرية فتحت تحقيقاً في الحادثة بعد وقوعها.
  • حتى الآن، فُتح 16 تحقيقاً له علاقة بحوادث قتل فلسطينيين في الضفة. هناك 19 حادثة قُتل فيها 28 فلسطينياً لم يقرر الجيش بعد فتح تحقيق بشأنهم. في ثلاثة حوادث لا تعرف عنهم "هآرتس" شيئاً، قرر الجيش عدم فتح تحقيق للشرطة العسكرية. عموماً، تقضي السياسة الإسرائيلية بفتح تحقيق للشرطة العسكرية في كل حادث يُقتل فيه فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي، باستثناء الحوادث التي تُعتبر "عمليات ذات طابع قتالي". لا نجد تعريفاً واضحاً لمثل هذه العمليات، لكن بعض النماذج التي قُدمت هي حالات تبادُل إطلاق نار، أو حوادث خلال عملية جرت من أجل إنقاذ حياة، مثل رشق زجاجة حارقة في اتجاه الطريق خلال مرور سيارات عليها، أو محاولة طعن. وماذا بشأن الحوادث التي أُطلقت فيها النيران ضد الجيش الإسرائيلي، لكن القتيل لم يكن هو الذي أطلق النار؟ هذا جزء من الأسئلة التي لم يقدّم الجيش الإسرائيلي جواباً واضحاً عنها.
  • في مجمل هذه الحوادث يشرحون في الجيش أنه يجري تحقيق ميداني، وفي الحالات التي تدخل في مجال العمليات القتالية يجري انتظار النيابة العسكرية لإنهاء التحقيق، وبعدها يقررون ما إذا كان يجب فتح تحقيق. وقرار فتح تحقيق يجب أن يُتخذ في غضون أسبوع، أما القرارات التي تتعلق بعمليات قتالية فيمكن أن تنتظر 14 أسبوعاً، مع إمكانية تمديد إضافية. من الأمور التي تُفحص لدى اتخاذ القرار بفتح تحقيق جنائي، حجم الخطر الذي شكّله القتيل، وهل تصرّف الجنود الإسرائيليون بحسب تعليمات فتح النار، وهي تعليمات سرية، كما لا توجد قدرة حقيقية على توجيه انتقادات عامة إلى قرارات النيابة العامة العسكرية. ويقولون في الجيش إن حقيقة إعلان عملية عسكرية، مثل عملية "كاسر الموج" التي أُعلنت بعد "موجة الإرهاب" الأخيرة وجرت خلالها اعتقالات في الضفة - ليس لها تأثير في سياسة فتح التحقيقات.
  • ... من بين الحوادث التي علمت الصحيفة بأن الشرطة العسكرية فتحت تحقيقاً بشأنها، مقتل عمار أبو عفيفة (19 عاماً) من مخيم العروب للاجئين، والذي قُتل برصاصة في رأسه في مطلع آذار/مارس على يد الجيش في أثناء قيامه بنزهة مع صديقه في حرش قريب من المخيم. وبحسب شهادة صديق أبو عفيفة، صرخ جندي في اتجاههما، فغادرا المكان، وفي هذه الأثناء أُطلقت النار في اتجاههما، وهو ما أدى إلى مقتل أبو عفيفة. في تلك الليلة، قالوا في الجيش إنه لا توجد دلائل على أن أبو عفيفة رشق حجارة، أو حاول إيذاء الجنود بأي طريقة من الطرق.
  • هناك حادثة أُخرى ظهرت في الأشهر الأخيرة لم يقرر الجيش فتح تحقيق بشأنها، هي مقتل السيدة غادة سباتين (45 عاماً) وهي أمّ لستة أولاد، بعد جريها نحو موقع عسكري يقع على الطريق الرئيسية لقرية حوسان. يقولون في الجيش إن سباتين اقتربت من الموقع بصورة مشبوهة. ولم تكن المرأة تحمل سكيناً، وبحسب عائلتها، كانت تعاني جرّاء صعوبات في النظر. يعتبر الجيش أن لا لزوم لفتح تحقيق تلقائي في مثل هذه الحوادث، وهو قرر عدم التحقيق في الحادثة على الرغم من أن سباتين لم تشكل فعلاً خطراً على الجنود. حادثة أُخرى لم يقرر الجيش بشأنها، هي التي وقعت لدى اقتحام جنين في 19 نيسان/أبريل، حين قُتلت الفتاة حنان خضور (18 عاماً) خلال عملية تبادُل إطلاق النار. والفتاة من سكان قرية قريبة من جنين، وبحسب عائلتها، كانت في سيارة تاكسي في طريق عودتها من درس خصوصي.
  • هذا التعداد للقتلى لا يشمل مقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي قُتلت في أثناء اقتحام الجيش الإسرائيلي لجنين، وبحسب سلسلة تحقيقات قامت بها وسائل إعلام دولية، فإن كل المعطيات تشير إلى أنها قُتلت بنيران الجيش الإسرائيلي. الولايات المتحدة أيضاً أصدرت بياناً في الأسابيع الأخيرة، وفقا ًله، هناك احتمال كبير أن تكون النار أُطلقت من المواقع الإسرائيلية، لكن من الصعب تحديد مَن أطلقها بدقة. وكما نشرت "هآرتس"، لم تفتح الشرطة العسكرية تحقيقاً في الحادثة. بالإضافة إلى ذلك، لم يجرِ تعداد الفلسطينيين الثلاثة الذين نفّذوا عمليات في داخل إسرائيل، أو هؤلاء الذين قُتلوا على يد مدنيين إسرائيليين - مثل معتصم عطا الله الذي قُتل في أثناء تسلُّله إلى مستوطنة تكواع، ونضال جعافره الذي طعن مستوطناً في باص في غوش عتسيون.
  • يردّ الناطق بلسان الجيش على ذلك بالقول: "في بداية آذار/مارس 2022، شهدت إسرائيل موجة إرهاب شن الجيش في أعقابها عمليات استباقية في أماكن مختلفة من الضفة الغربية ضمن إطار عملية "كاسر الموج". تستند هذه العمليات إلى معلومات استخباراتية وتقديرات للوضع. في إطار هذه العمليات، جرى اعتقال العديد من المشتبه فيهم، سواء لقيامهم بأعمال مخلة بالأمن، أو لحيازتهم أسلحة. في جزء من هذه العمليات، أطلقت القوى الأمنية النار بعد استنفاد كل الإمكانات الأُخرى، وبما يتلاءم مع تعليمات فتح النار التي تلتزم قواعد القانون الدولي".

 

 

المزيد ضمن العدد 3829