في اليوم الذي ستفشل المحادثات: كيف ستواجه إسرائيل إيران من دون اتفاق؟
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • في الأيام الأخيرة دار الحديث عن التقارير التي تناولت موت مجموعة من الشخصيات الإيرانية، منهم علماء في المجال النووي، وآخرون لهم علاقة بجهود أُخرى لإيران مثل المسيرات ومشروع الصواريخ الدقيقة وغيرها. وفي هذا السياق لا تزال سياسة الغموض صحيحة لأنها تترك للنظام في طهران مسألة تحديد المسؤولين عن الهجمات المتعاقبة.
  • مع ذلك يجب تركيز الحديث على مسائل استراتيجية أكثر أهمية من عملية محدودة تتحدث عنها التقارير في وسائل الإعلام في العالم. فإيران تشكل تحدياً لإسرائيل في مسألتين رئيسيتين: الأولى، الطموح للحصول على سلاح نووي، والذي يمكن أن يتطور ويتحول إلى تهديد استراتيجي خطر جداً على أمن دولة إسرائيل. والثانية، نشاط إيران الاستفزازي في المنطقة، وتصديرها للإرهاب، ومحاولاتها التي لا تتوقف لتسليح أعدائنا، وعلى رأسهم حزب الله، بسلاح متطور مثل الصواريخ الدقيقة والمسيرات وغيرها.
  • كذلك لم تتخلّ إيران عن محاولاتها من أجل ترسيخ وجودها في سورية على الرغم من تزايد الهجمات التي تنسبها تقارير أجنبية إلى سلاح الجو الإسرائيلي، فالجهود مستمرة. ومع ذلك يبدو أن الجواب على هذا التهديد في هذه الجبهة مرضياً، وفحواه: حتى لو لم يتم اقتلاع الوجود الإيراني في سورية، فمن الواضح للجميع أن الرؤية الطموحة لمهندس الوجود الإيراني، قاسم سليماني، هناك، قد انهارت.
  • في الأسابيع الأخيرة عبّرتُ عن رأيي بالقول إنه في الوقت الحاضر وفي ضوء الواقع الجديد، فإن العودة إلى الخطوط العريضة المتفق عليها من جانب الدول الكبرى بشأن الموضوع النووي الإيراني هي بمثابة الحل الأقل سوءاً. وإلى كل من يتساءل: ليس هناك أي تطلع ساذج لتغيير طبيعة الحكم في إيران، لكن ثمة فائدة ومنفعة مزدوجة لإسرائيل، وهي الحصول على وقت يسمح بجهوزية أعلى وببلورة شرعية دولية وداخلية لشن هجوم وإضعاف القدرات. والمغزى أن الاتفاق سيعيد إلى الوراء التقدم الذي حققته إيران في مجال تخصيب اليورانيوم في السنوات الأخيرة.
  • ومن دون التقليل من الأهمية الاقتصادية والعسكرية لرفع العقوبات عن إيران في حال العودة إلى اتفاق نووي، ومع العلم بأن إيران لن تتخلى عن طموحها في الحصول على سلاح نووي، فإن معاينة الصورة الاستراتيجية دفعتني إلى الاستنتاج أنه وفي مثل هذه الحالة الوقت هو لمصلحة إسرائيل. وعلى الرغم من أن العودة إلى الاتفاق النووي قد تزيد التهديدات التقليدية من جانب إيران وحلفائها في المنطقة، وإذا كان علينا الاختيار بين خيارات سيئة، فإن إسرائيل مستعدة لهذه الجبهة وقادرة على مواجهتها، بينما لا تستطيع إسرائيل القبول بأي شكل من الأشكال بواقع تتحول فيه إيران إلى دولة على عتبة النووي، إذ يتعين عليها الحؤول دون حدوثه بأي طريقة. فهذا الواقع يحد من قدرة إسرائيل على العمل، ويُدخل الشرق الأوسط في سباق تسلح نووي، ويمنح قدرة تدميرية هائلة لـ"نظام توتاليتاري ديني متعصب ترتبط عملية اتخاذ القرارات فيه باعتبارات لاهوتية – عنصرية".
  • إن العودة إلى الإطار التنظيمي للاتفاق تمنح إسرائيل عاملاً مهماً، وخصوصاً في الوضع الحالي، وهو الوقت، إذ يتعين على إسرائيل أن تستغله لتجنيد شرعية دولية واسعة النطاق في حال خرقت إيران الاتفاق. في المقابل، إذا التزمت إيران بالاتفاق على إسرائيل أن تستعد سياسياً وعسكرياً لمواجهة بنود "غروب الشمس" الموجودة في الاتفاق النووي الأصلي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة. وتنص هذه البنود على أنه بعد 15 عاماً على توقيع الاتفاق، أي في سنة 2030، تستطيع إيران العودة إلى تخصيب اليورانيوم بالكميات والدرجة التي تريدها، مع الالتزام بالقيود التي وضعتها معاهدة منع انتشار السلاح النووي (NPT) الموقعة من طهران، والتي تمنع تطوير سلاح نووي وتسمح بالرقابة عليه. وعلى الرغم من ذلك، وبما أنه لا يمكن الاعتماد على الإرادة الحسنة لإيران أو على كبحها لذاتها، فإن المطلوب جهوزية سياسية مدعومة بخيار عسكري هجومي ومستقل، ومن الأفضل أن يكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة أيضاً، مع احتمال التدهور إلى حرب إقليمية.
  • لكن ماذا سيجري إذا لم تعد إيران إلى الاتفاق النووي؟ ففي الأيام الأخيرة ظهرت عدة تقارير يجب أن نوليها اهتمامنا، مثل دعوة صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد الأعلى في إيران إلى الانسحاب من معاهدة منع انتشار السلاح النووي NPT، وهذا ليس تهديداً جديداً، إذ تقوم إيران باستخدام ورقة الانسحاب من المعاهدة في كل مرة تريد فيها تهديد الغرب. لكن هذه المرة يبدو أن المقصود تحضير النظام الإيراني نفسه لمواجهة بيان الإدانة الذي اتخذه مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي يجتمع هذه الأيام، والذي من المتوقع أن يعالج "ملفات مفتوحة" تتعلق بإيران؛ ثلاث منشآت لم تُصرح عنها إيران للوكالة، اكتُشفت في الأرشيف النووي....
  • وهذا يعني أن إيران خرقت التزاماتها ضمن إطار معاهدة منع انتشار السلاح النووي التي تفرض التصريح والسماح بمراقبة مثل هذه المنشآت. وفي موازاة ذلك يجب الانتباه إلى التصريحات والتقارير الموجزة التي تصدر عن الإدارة الأميركية، والتي تحمّل الإيرانيين مسؤولية فشل المحادثات. وتعلمنا التجربة أنه يجب التعامل بحذر مع التصريحات والتقارير من هذا النوع، لأنها يمكن أن تكون محاولة من الطرفين لتصعيد مواقفهما بالتحديد قبل العودة إلى الاتفاق. لكن ثمة احتمالاً آخر يبدو أكثر واقعية، وهو أن الأزمة الحالية بين إيران والولايات المتحدة مهمة ويمكن أن تؤدي إلى نسف المحادثات....
  • إن الادراك الإيراني أن الإدارة الأميركية تتلهف إلى العودة إلى الاتفاق النووي، وفي المقابل نجاح النظام في طهران، على الرغم من الصعوبات، في التغلب على العقوبات الاقتصادية، من شأنهما أن يقودا المرشد الأعلى إلى الاستنتاج أن المصلحة الإيرانية تقضي باستمرار المماطلة في المحادثات، وقد يكون غير معني أبداً بالتوصل إلى اتفاق.
  • يجب أن نضيف إلى ذلك التقدير الإيراني بعدم وجود نية أميركية للقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية، فما بالك عندما تكون الإدارة مشغولة بموضوعات أكثر إلحاحاً، على رأسها حرب روسيا - أوكرانيا، والتهديد من جهة الصين، ومسائل داخلية مثل الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر، والأزمة الاقتصادية.
  • إن واقع عدم الاتفاق مع إيران يتطور ويرافقه تهديد متزايد. فمن ناحية ستظل إيران خاضعة لعقوبات قاسية، ومن ناحية أُخرى ستمضي قدماً وستزيد من قدراتها النووية. طبعاً، تثقل العقوبات كاهل إيران، لكن ثمة شك في أنها ستؤدي إلى سقوط النظام، وعلى إسرائيل أن تستعد لمواجهة سيناريوهات سيئة محتملة على النحو التالي:
  • سيناريو متطرف: انسحاب إيران من معاهدة وقف انتشار السلاح النووي....
  • احتمال موقت SNAPBACK: إعادة عقوبات مجلس الأمن على إيران....
  • نقل "الملف الإيراني" من وكالة الطاقة الدولية إلى مجلس الأمن بعد الإعلان أن إيران خرقت التزامها بمعاهدة وقف انتشار السلاح النووي....
  • زيادة العمليات العسكرية ضد إيران على أن تبقى دون مستوى الحرب:
  • هذا هو السيناريو الذي نقوم بمعالجته؛ عدم العودة إلى الأطر المتفق عليها، سواء من خلال المماطلة في المحادثات أو نسفها أو وقفها – وستواصل إيران من جهتها التقدم المنهجي نحو تحولها إلى دولة على عتبة النووي. وفي مثل هذه الحالة قد نتوقع زيادة كبيرة في العمليات العسكرية، السرية والعلنية. والنية هي معركة متعددة الأبعاد ومتشابكة – سيبرانية وعسكرية واغتيالات - هدفها تعطيل البرنامج النووي بكل مكوناته.
  • ولا يشكل هذا حلاً محكماً مع مرور الزمن لكن لديه القدرة على الصد والتعطيل والإزعاج. كما لا تستطيع معركة من هذا النوع وحدها منع إيران من الوصول إلى مكانة دولة على عتبة النووي، لكنها ستعرقل وتيرة تقدم برنامجها....
  • خيار متطرف: هجوم عسكري واسع النطاق
  • أبدأ بشيء من تهدئة المخاوف، إذ لا نزال بعيدين من اللحظة التي سيكون على إسرائيل اتخاذ مثل هذا القرار، فإيران ليست دولة نووية، وفي نظري ليست أيضاً دولة على عتبة النووي. وتقديري ينطلق من افتراض أن دولة تخصب على درجة 90٪ بكميات تكفي قنبلة واحدة هي دولة على عتبة النووي، وأعتقد أن إيران لم تصل إلى هذا الحد.
  • إلى جانب ذلك، ثمة من يرى أن الخط الأحمر بعيد جداً (لا أشاركهم الرأي)، وأنه حتى لو وصلت إيران إلى مستوى التخصيب الذي ذكرته فإنها لم تتجاوز الخط الأحمر طالما أنها لم تنجح في تحقيق اختراق من ناحية السلاح، والمقصود هو ربط منشأة نووية بسائر المكونات. برأيي ممنوع أن نصل إلى هناك، ويجب مضاعفة العمل قبل حدوث ذلك - مع أن أيران لم تصل إلى الخط الأحمر الذي وضعته.
  • وحتى لو كان المقصود سيناريو ضئيل الحدوث، فسوف أقدم بعض التفاصيل عن هذا الهجوم، وليس المقصود هجوماً محدوداً مثل عملية قصف المفاعل النووي العراقي، وبعده بسنوات عديدة قصف المفاعل السوري، بل المقصود منشآت منتشرة على طول هذه الدولة الكبيرة وعرضها، وبعضها محصن جداً.
  • إذ يمكن لهجوم كهذا أن ينزلق إلى معركة واسعة مع حزب الله الذي يمكن أن يشعل الجبهة الشمالية. وبما أنه في جميع الأحوال ليس المقصود هجوماً إسرائيلياً مستقلاً، فإن إيران سترى نفسها تُهاجم من الولايات المتحدة ومن الغرب كله، ومن المستحسن أن نخوض هذه العملية مع شرعية دولية واسعة ومع دعم دولي، ولا سيما عندما يكون المقصود عملية يمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية طويلة الأمد.
  • إن فعالية هجوم إسرائيلي لمواجهة البرنامج النووي ستكون كبيرة جداً، لكن تطور هذا الهجوم إلى معركة على ثلاث جبهات يتطلب جهوزية كبيرة ودعم دولة عظمى. وعلى الرغم من الإمكان الضئيل لحدوث مثل هذا التدهور، فإنه يجب خوض هذه المعركة عندما تكون إسرائيل مستعدة لها داخلياً وخارجياً.