معركة "إرهاب" متعددة الجبهات وكيف يجب على إسرائيل أن تتصرف؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • تواجه إسرائيل سلسلة من أعمال العنف والهجمات الفتاكة، بينها هجومان نفّذهما مواطنون إسرائيليون اعتُبِروا في الماضي مع داعش. وقوع الهجمات في مدن مركزية أثار بلبلة أمنية وعامة. القوى الأمنية تحركت بكل قوتها ضد البنية التحتية لـ"الإرهاب" في منطقة جنين، وهو ما أدى إلى حوادث قُتل فيها فلسطينيون. وفي الليلة الأولى من شهر رمضان، تجددت أعمال الشغب من شبان فلسطينيين بالقرب من بوابة نابلس في القدس.
  • وسائل الإعلام، وأيضاً ممثلو المؤسسة الأمنية، يعتبرون هذه الأحداث موجة "إرهاب" متجددة على الرغم من أنه ليس هناك ما يؤكد أبداً أن ما يجري هو موجة فقط، كما أن التعامل مع الأحداث كأنها موجة فقط يفرض، إلى حد كبير، أنماطاً من الرد، لأن الموجة من المفترض أن تكون عابرة ومدتها محدودة، ولا تتطلب تغييراً في النهج من الأساس. في مقابل ذلك، عندما يكون المقصود ظاهرة تنظيمية، فإن أنماط الرد التي تلائم الموجة ليست بالضرورة ذات دلالة. من هنا، تأتي أهمية فحص الأحداث من وجهة نظر تنظيمية، أي التعامل معها كمنظومة "إرهاب" تديرها "حماس" من وراء الكواليس، بالتنسيق مع الجهاد الإسلامي، وبإيحاء ومساعدة من إيران. والهدف منها المحافظة على الإنجاز الأساسي الذي حققته "حماس" في عملية "حارس الأسوار": تعدُّد ساحات التحرك - القدس؛ داخل إسرائيل؛ الضفة الغربية؛ قطاع غزة؛ جنوب لبنان - والقدرة على إشعال كل الساحات في وقت واحد.
  • بحسب التأويل المنهجي، فإن الهجمات الأخيرة هي معركة "إرهاب" في ساحة معركة شاملة متعددة الجبهات تؤثر الواحدة منها في الأُخرى وتتأثر بها:
  • جبهة قطاع غزة - الواقعة تحت السيطرة الكاملة لـ"حماس". وبالتنسيق الوثيق مع الجهاد الإسلامي.
  • جبهة القدس - حيث تملك "حماس" تأثيراً محدوداً في المنطقة بسبب تعدُّد اللاعبين وقدرة محدودة للوصول إليها. لذلك، هي تستغل الأحداث من أجل تحريك "الإرهاب" والعنف، وتركز على حملات التحريض.
  • جبهة الضفة الغربية - تستخدمها "حماس" للعمليات ضد المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وأيضاً ضد السلطة الفلسطينية. وتتركز جهودها على بناء بنية تحتية "إرهابية" وتطوير استخدام قنوات لتهريب السلاح والمال، في الأساس من الأردن، والتحريض على إرهاب الأفراد وتنظيمات "إرهابية" أُخرى.
  • جبهة النقب - التواصل مع السكان البدو، المواطنين الإسرائيليين، من أجل عرقلة خطوات عودة سيطرة الدولة الإسرائيلية إلى المنطقة، وخلق تواصُل إقليمي بين قطاع غزة والضفة الغربية.
  • جبهة الداخل الإسرائيلي - في الأساس التحريض على العمليات "الإرهابية" لدى مجموعات راديكالية وسط العرب في إسرائيل، من ذوي الانتماءات الإسلامية المتطرفة، مثل المتطوعين في صفوف داعش في الماضي، ودعمهم مالياً وتشجيعهم على تنفيذ هجمات في قلب المدن الإسرائيلية.
  • جبهة جنوب لبنان - التي تُشغّل بالتنسيق مع حزب الله وإيران، من خلال مجندين من "حماس" وتنظيمات أُخرى في لبنان، كما تشكل قناة لتهريب السلاح والمال المخصص لـ"الإرهاب" إلى الأراضي الإسرائيلية، بالإضافة إلى جبهة لإطلاق القذائف على الأراضي الإسرائيلية.
  • المنطق الذي ينظّم هذه المعركة هو المنطق الأساسي لمقاومة جوهر وجود دولة إسرائيل، وهناك منطق ظرفي يعتمد على ضعف السلطة الفلسطينية وخسارة نهجها السياسي، والهدف عرقلة عمليات التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، ومنع إسرائيل من تعزيز مكانتها الإقليمية، على خلفية تهميش الموضوع الفلسطيني لدى الرأي العام الإقليمي والدولي. هذان المنطِقان يجري الدفع بهما قدماً بواسطة النضال المسلح و"الإرهاب"، والمحرك لهما "حماس" التي تعمل مباشرة على تأسيس بنية "إرهابية"، ليس فقط في القطاع والضفة الغربية، بل أيضاً وسط المواطنين العرب في إسرائيل، كما تبني شبكات تصعيد في القدس الشرقية وتنسّق مع تنظيمات أُخرى، وخصوصاً الجهاد الإسلامي (الذي ازدادت قوته مؤخراً، في الأساس في شمال الضفة، بفضل مساعدة مالية إيرانية)، ومع الجبهة الشعبية، وحتى مع حزب الله، وهي تُعدّ الأجواء "الإرهابية" من خلال تحريض منهجي ومستمر.
  • في المقابل، تعمل "حماس" بصورة غير مباشرة، من خلال السعي لتحريك حوادث عنيفة وهجمات تقوم بها أطراف أُخرى، أو تنظيم هجمات من دون أن تتحمل المسؤولية عنها، من خلال استخدام وكلائها، بينهم الجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى (التابعة لحركة "فتح")، أو نشطاء يتماهون مع داعش. كل ذلك من أجل السيطرة على ساحات المعركة وعدم إعطاء إسرائيل ذريعة كي تتحرك ضدها في قطاع غزة. من هنا، تسعى "حماس" للمحافظة على مكانتها كـ"رأس حربة المقاومة" في الكفاح المسلح ضد إسرائيل، بينما مصلحتها هي في الحفاظ على التهدئة في قطاع غزة، ولذلك، هي تبذل كل ما في وسعها من أجل تشغيل الجبهات الأُخرى.
  • في الحديث الذي دار في 2 نيسان/أبريل بين زعيم الجهاد الإسلامي زياد النخالة، الذي التقى في الشهر الماضي القيادة الإيرانية عدة مرات، وبين زعيم "حماس" إسماعيل هنية، جرى إعلان استمرار التعاون الوطيد بينهما على الصعيدين السياسي والعسكري. وكون إيران هي التي تشغّل الجهاد الإسلامي يزيد من التقدير أن إيران هي القوة التي تحرّك الهجمات التي وقعت مؤخراً (بالتوجيهات وتهريب السلاح ونقل معلومات لإنتاج سلاح وتهريب أموال)، والهدف عرقلة التحالف بين إسرائيل والدول العربية. ومن المعقول أيضاً أن إيران تستخدم "حماس" والجهاد الإسلامي كوكلاء عنها للانتقام من إسرائيل بسبب العمليات التي قامت بها ضدها، بينها العمليات التي نُفّذت في داخل أراضيها.
  • في الوقت الحالي، تحرص "حماس" على المحافظة على الهدوء في قطاع غزة من أجل مواصلة برنامج إعادة الإعمار الذي يجري بقيادة مصر وقطر، والسماح للعمال الغزّاويين بالعمل في داخل إسرائيل (مؤخراً زادت إسرائيل عدد أذونات العمل إلى 20 ألفاً)، وبهذه الطريقة، تحاول "حماس" استغلال التهدئة من أجل إعادة بناء البنية التحتية "الإرهابية" التي تضررت خلال عملية "حارس الأسوار" وتحسينها، تحضيراً لجولة المواجهة المقبلة (في الأسبوع الماضي أطلقت "حماس" قذائف في اتجاه البحر، كإشارة إلى إسرائيل بأنها مستعدة للمعركة العسكرية في قطاع غزة أيضاً). في المقابل، تسعى الحركة (في الأساس من خلال صالح العاروري المسؤول عن الذراع العسكرية في الحركة في الضفة الغربية، والذي يعمل من إستانبول ودمشق وبيروت) لتطوير بنية تحتية لـ"الإرهاب" في الضفة الغربية وفي جنوب لبنان، ولتوطيد التعاون مع الجهاد الإسلامي، وتكثيف القنوات مع المواطنين العرب في إسرائيل، وإعداد بنية تحتية للتصعيد في القدس الشرقية.
  • شهر رمضان الذي بدأ منذ أيام، يمكن أن يشكل خلفية لزيادة التحريض. تجلت الردود وعمليات الإحباط الإسرائيلية من خلال الاعتقالات وسط العرب من المواطنين الإسرائيليين المنتمين إلى داعش. بالإضافة إلى عمليات استخباراتية وعسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية أدت إلى حوادث إطلاق نار وقتل فلسطينيين ينتمون، في أغلبيتهم، إلى الجهاد الإسلامي، واعتقال مشتبه فيهم بـ"الإرهاب"، أو تقديم مساعدة لهم. هذه العمليات تؤجج الأجواء وسط نشطاء الجهاد الإسلامي و"حماس" في الضفة الغربية، وترفع مستوى التوتر في مواجهة السكان المدنيين. على خلفية هذه الدينامية التصعيدية، لا يمكن استبعاد احتمالات عدم نجاح "حماس" في منع الجهاد الإسلامي من إطلاق صواريخ من القطاع على الأراضي الإسرائيلية، وتوسيع المعركة أيضاً إلى جبهة القطاع، وتطوُّر معركة عسكرية مشابهة لعملية "حارس الأسوار".
  • السلطة الفلسطينية تفقد أهميتها إزاء ما يحدث وهي، رويداً رويداً، تقف مع الجو السائد في الشارع الفلسطيني المعارض لإسرائيل. رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية دان اغتيال ثلاثة نشطاء من الجهاد الإسلامي في نهاية الأسبوع في جنين، وقال إن "هذه الجريمة والجرائم التي سبقتها يجب أن تُحال إلى محكمة الجنايات الدولية". ومن الواضح أن نشوء معركة متعددة الجبهات ستضع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية أمام تحدٍّ، يمكن أن يؤدي الرد عليه إلى تعطيل التنسيق الأمني مع إسرائيل، وربما توقُّفه.
  • تسعى حكومة إسرائيل للمحافظة على الهدوء في القدس وفي الضفة الغربية، وللتمييز بين نشطاء وشبكات "إرهاب"، وبين السكان المدنيين الذين لا علاقة لهم بذلك، والمحافظة على نسيج الحياة وتحقيق نيتها منح تسهيلات خلال فترة رمضان. وتريد الحكومة أيضاً تعزيز السلطة الفلسطينية والمحافظة على التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مع ذلك، في ضوء الحديث المحتدم وسط الجمهور الإسرائيلي والجمهور الفلسطيني، فإنها تواجه صعوبة في ترجمة نياتها إلى خطوات على الأرض.

خلاصة وتوصيات

  • إذا كان صحيحاً أن إسرائيل تواجه معركة متعددة الجبهات تقودها "حماس"، فإنه يتعين عليها أن تنتهج استراتيجيا، هدفها زعزعة المنطق الذي يوحد بين هذه الجبهات ونزع سيطرة "حماس" على حدود المعركة. مع ذلك، على الرغم من الرغبة في الفصل بين الجبهات، فإن إسرائيل ليس في استطاعتها التعاون مع الاستراتيجيا المزدوجة لـ"حماس" التي تحافظ على التهدئة في القطاع من جهة، ومن جهة أُخرى تحاول إشعال سائر الجبهات. لذا، يتعين على إسرائيل استخدام وسائل ضد الحركة ليست عسكرية بالضرورة، وهي: 1- وقف تحويل الأموال من قطر إلى "حماس"، إلّا إذا أوقفت الدوحة التحريض ومنعت تدخُّل "حماس" في جبهات خارج قطاع غزة، ووقف عمليات التحريض من خلال قناة الجزيرة؛ 2- مساهمة مصر في الضغط لكبح "حماس" بواسطة وقف إعادة إعمار القطاع وإغلاق المعابر في سيناء؛ 3- إعادة التفكير في سياسة زيادة عدد أذونات العمل في إسرائيل، المعطاة إلى عمال من القطاع.
  • تُعتبر القدس الجبهة الأكثر قابلية للانفجار، والتي تنطوي على احتمال توحيد كل الجبهات. المطلوب توظيف مساعٍ حثيثة لتهدئة التوتر في المدينة خلال فترة رمضان، والسماح للمصلين المسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى، ومنع الاحتكاكات بينهم وبين اليهود الذين يزورون الحرم. في المقابل، من المهم إشراك الأردن، بتأييد من الولايات المتحدة، في تهدئة النفوس في منطقة الحرم. يجب تطبيق التفاهمات التي جرى التوصل إليها بشأن زيادة عدد الحراس في أجهزة الوقف، في مقابل حرص أردني على منع تدخُّل نشطاء "حماس" والحركة الإسلامية، الجناح الشمالي، في نشاطات الوقف.
  • لا يمكن لإسرائيل قبول المساهمة السلبية للسلطة الفلسطينية في التحريض وتأجيج النفوس، من خلال كبار المسؤولين لديها، كما أنها لا تستطيع قبول السياسة المعادية لإسرائيل في كل المنابر الدولية. مع ذلك، يجب أن تحاذر من دفع السلطة إلى يدي "حماس"، والمحافظة على نسيج الحياة في المناطق الفلسطينية لإبعاد السكان عن "الإرهاب"، وتوطيد التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية في السلطة، والسماح لها بفرض القانون ومعالجة شبكات "حماس"، وزيادة الجهد لترميم الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية.
  • لقد ازدادت قوة الجهاد الإسلامي وتعززت بصورة كبيرة في شمال الضفة وقطاع غزة بفضل التأييد الإيراني. وقوته هذه جعلته محركاً لـ"الإرهاب" بأحجام كبيرة، ومركز جذب أيضاً لنشطاء انتموا إلى تنظيمات أُخرى، كما جعلته يشكل تحدياً خطِراً لاستقرار السلطة الفلسطينية، لذلك، يجب على إسرائيل أن تكشف عن المساهمة الإيرانية في التدهور الحالي للوضع الأمني في الساحة الفلسطينية - الإسرائيلية، سواء أكان المقصود موجة "إرهاب" عابرة، أو تصعيداً منهجياً طويل الأمد.