إسرائيل "تتوسط" وإيران تتسلح
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف
  • الحرب في أوكرانيا علّقت توقيع الاتفاق النووي المجدَّد مع إيران. وهذا قد يكون الشيء الإيجابي الوحيد من هذه الحرب الضارة التي تهدد السلام في العالم. ولا يشكل هذا التعليق سبباً للاحتفال بالمناسبة: لا يوجد أي إشارة في الأفق تبشّر بأنه، خلال هذا الوقت، سيكون من الممكن إقناع الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق أقل سوءاً.
  • الأميركيون تنازلوا عن كل شيء. ربما سيدّعون غير ذلك، لكن جميع الحقائق تشير إلى أن العلم الأبيض رُفع في واشنطن. ولم يبقَ من جميع تعهداتهم باتفاق "أطول وأقوى" أي شيء. الاتفاق المجدَّد عبارة عن تمديد تقني للاتفاق القديم، مع فارق واحد جدي: إذا كان وقت الاتفاق السابق ينتهي بعد مرور عدة أعوام، فإن وقت الاتفاق الحالي وراء الباب.
  • سيحدث هذا، جزئياً، في نهاية سنة 2025، عندما تستطيع إيران العودة إلى تخصيب اليورانيوم متى أرادت ذلك، وبصورة كاملة بعد عقد من الزمن، عندما تكون قد تحررت من جميع القيود التي يفرضها عليها الاتفاق. لكن منذ توقيع الاتفاق الأصلي في سنة 2015، تقدمت إيران كثيراً، وهو الأمر الذي يتجاهله الاتفاق الجديد. حينها، خصّبت اليورانيوم من خلال أجهزة طرد مركزي قديمة، وهو ما كلّفها الكثير من الوقت لتجميع الكمية المطلوبة من اليورانيوم المخصّب لتجهيز قنبلة؛ الآن، هناك أجهزة جديدة طورتها، تسمح لها بتخصيب اليورانيوم بصورة أسرع.
  • تعهدت إيران في الاتفاق المجدَّد بإخراج اليورانيوم المخصّب من أراضيها، والذي جمعته خلال السنتين الأخيرتين منذ بداية انتهاك الاتفاق. هذا هو الشرط الوحيد الذي أصرّت عليه أميركا - إعادة إيران إلى الصفر، من حيث الكمية - بالضبط كما كان في الاتفاق الأصلي. أمّا بشأن مسألة النوعية فقد تنازلوا؛ والنتيجة هي أنه إذا قررت إيران خرق الاتفاق، أو عند انتهاء مدته، فإنها تستطيع تخصيب الكمية المطلوبة لصنع قنبلة خلال شهرين، بواسطة الأجهزة الجديدة.

مَن هي القوة العظمى

  • مع تقدُّم المفاوضات في فيينا، كانوا في إسرائيل يشدّون شعورهم جرّاء اليأس. الجانب الإيراني جرّد الجانب الأميركي من كل شيء. وأحياناً، كان من الممكن أن يحتار المرء فيمن هي الدولة العظمى هنا، ومَن هي الدولة التي تنهار تحت ضغط العقوبات. وهي التي ستتم إزالتها بالمناسبة: ستحصل إيران على سبعة مليارات دولار كانت مجمدة في حسابات عدد من البنوك، وتتحرر من عقوبات مفروضة على مجموعة من المؤسسات والأشخاص، من ضمنهم المرشد الأعلى علي خامنئي.
  • هذا الأمر مثير جداً للاهتمام: خامنئي، قائد الإرهاب الأول في العالم، والمحرك الأساسي للقنبلة الإسلامية، سيتحرر من جميع القيود، بينما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حليف الولايات المتحدة، ممنوع من دخول واشنطن بسبب تورّطه المزعوم باغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
  • صحيح أن الأميركيين "يصرّون"، حالياً، في المفاوضات على إبقاء الحرس الثوري تحت العقوبات، لكن كل مَن يتابع المفاوضات يرجّح أن القوسين في مكانهما الصحيح. في هذا الموضوع أيضاً، من الممكن أن ترفع واشنطن العلم الأبيض، وفقط مقابل أن تضع هذا الموضوع المزعج جانباً.
  • في الطريق إلى الاتفاق المتجدد، تجاهل الأميركيون أيضاً جميع الفجوات في الاتفاق القديم. لا يوجد فيه أي تطرُّق إلى مكونات إضافية في البرنامج النووي الإيراني، وضرورية للوصول إلى القنبلة. لا يوجد فيه أي تطرُّق إلى موضوع الصواريخ والقذائف التي تطورها إيران لتحمل القنبلة (وأيضاً لإزعاج كل خصومها في المنطقة)، كما أنه، وبالتأكيد، لا يتطرّق إلى موضوع الإرهاب الإقليمي الذي تنشره إيران ضد الأميركيين بحد ذاتهم.
  • خلال هذا الأسبوع فقط، قُتل ضابطان من الحرس الثوري في هجوم نُسب إلى إسرائيل بالقرب من دمشق. دخل الجيش في حالة تأهُّب: تحاول إيران منذ وقت طويل أن توجع إسرائيل، والآن تريد ذلك أضعافاً مضاعفة. إذ تعتقد اليوم أن لديها هامش حركة للقيام بذلك بالموازاة، خلال مفاوضات الاتفاق النووي. سابقاً، حاولت أن تضرب بواسطة طائرات مسيّرة، وهي أيضاً الأسلوب الأساسي لديها الآن، بالاستناد إلى كمية المسيّرات التي وزعتها على وكلائها في المنطقة.
  • أوضحت إسرائيل، من خلال الضربة الأخيرة لسورية، والتي حدثت بعد يوم واحد من لقاء بينت - بوتين في موسكو، أنها مصممة على الاستمرار في نشاطها ضد إيران في المنطقة. حرية الحركة هذه الموجودة في سورية، ضرورية في إيران أيضاً. صحيح أن إسرائيل لن تكون قادرة على اتخاذ خطوات ضد كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، كي لا يقفز ضدها العالم. لكن، المكونات الأُخرى للسلاح النووي، وبصورة خاصة الصواريخ، والقذائف، والمسيّرات، وقضايا الإرهاب، ستكون مكشوفة. هذه الحرب يجب أن تحدث في إيران ذاتها.
  • هناك عدة أسباب تدفع في هذا الاتجاه، لكن الأساس منها هو انعدام التوازن. فإسرائيل مكشوفة لتلقّي الضربات من وكلاء إيران، في الوقت الذي تُبعد إيران نفسها عن أي خطر. وحتى لو نُفِّذت عملية داخل إيران يديرها الموساد، وقد تُعرّض إسرائيل للخطر، فإنها يمكن أن تخلق مشكلة لطهران، وتوضح لقياداتها وشعبها أنهم لا يستطيعون البقاء خارج اللعبة (أو كما يُقال في إسرائيل: اضرب رأس الأخطبوط وليس أذرعته).
  • إن فرضية العمل في المؤسسة الأمنية هي أن إيران لن تقوم بالرد فقط، بل ستبادر وتكون سبّاقة. بكلمات أُخرى، هي لا تنقصها الجرأة ولا الأموال. ليس فقط المليارات التي سيتم رفع التجميد عنها، بل الأموال الكثيرة التي ستجنيها من النفط أيضاً: إن كانت إيران أنتجت قبل عام 600 ألف برميل في اليوم، وباعتهم بربع السعر سابقاً، فإنها تستطيع إنتاج 2.7 مليون برميل في اليوم بعد الاتفاق، وتضمن لها الحرب في أوكرانيا أسعاراً قياسية. وبكلمات أُخرى، ستربح إيران ما يعادل 16 ضعفاً من بيع النفط. أموال كثيرة، جزء منها على الأقل سيتم تحويله إلى أهداف ضارة.

وحدها المصالح

  • هذه التوجهات المتوقعة تزعزع الشرق الأوسط برمته. كل دولة تردّ بحسب هواجسها وطرقها الخاصة: الإمارات (ليست هي فقط) تحاول التقرب من طهران؛ مستشار الأمن القومي فيها، الشيخ طحنون بن زايد، زار طهران مرتين وصرّح بأن بلاده تدرس الاستثمار فيها بعشرات المليارات. هذه ليست، بالضرورة، إشارة إلى أن الإمارات تبتعد عن إسرائيل: إنها تحاول حماية نفسها من العدوان الإيراني.
  • أمّا تركيا، فترى في إسرائيل مركز ثقل إقليمي وتحاول التقرب منها. لا يوجد هنا أي مشاعر حب من طرف أردوغان، المصالح وحدها هي الموجودة هنا. ففي الشرق الأوسط الجديد الذي فقد الدفاع الأميركي التلقائي، وفي خضم الوجود الروسي الثقيل، هذا هو اسم اللعبة.
  • بدورها، عندما تشاهد البحرين الضعف الغربي مقابل العدوان الروسي على أوكرانيا، تفهم جيداً أنه من الممكن أن يكون دورها التالي. لذلك، تحاول حماية ذاتها، غالباً، من خلال تقوية التحالف العلني مع إسرائيل. هذا الأسبوع، زار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي المنامة، وسبقه إليها كل من رئيس الحكومة ووزير الدفاع. هذه إشارة إلى العلاقات الوطيدة، لكنها أيضاً إشارة إلى القلق البحريني من إيران.
  • تحاول إسرائيل اللعب في هذه اللعبة من دون رمي الكرات. هذا معقد بحد ذاته، وسيكون أكثر تعقيداً بكثير بعد توقيع الاتفاق النووي المجدَّد. لذلك، من المهم الحفاظ على القنوات مفتوحة، بالتوازي مع واشنطن وموسكو. هذا لا يعني، بالضرورة، أنه لم يكن يتوجب على إسرائيل أن تقدم أكثر لأوكرانيا على الصعيد الإنساني، لكن بنظرة أوسع وأعمق، فإنها تقوم بالمستحيل: أن تلعب دور الوسيط من جهة، وألّا توتر علاقاتها مع أي من أطراف الصراع، المباشرة وغير المباشرة. وحتى اللحظة، هي تنجح في ذلك. لكن الامتحان الرئيسي لا يزال أمامنا، وبصورة خاصة مع التغييرات المتوقعة في الجبهة الإيرانية، وتؤكد أن جبهة واحدة على الأقل ستبقى مفتوحة ونازفة مستقبلاً.