بوتين أراد إعادة الإنجاز في القرم فوجد نفسه في وضع معقّد على غرار الشيشان
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • يمكن الافتراض في هذه المرحلة، بعد أكثر من أسبوعين على بدء غزو أوكرانيا، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتقد أنه سيكون في مكان مختلف تماماً. لكن الخطة العسكرية الروسية في أوكرانيا جنحت عن مسارها منذ اللحظة الأولى - ووجد بوتين نفسه متورطاً في معركة صعبة وطاحنة يمكن أن تتطور إلى حرب استنزاف طويلة. والمعروف أن هذه النتائج الموقتة لم تدفع الرئيس الروسي إلى تغيير رأيه. موسكو لا تؤمن بالدموع: وبدا بوتين هذا الأسبوع مصرّاً على مواصلة حملة التدمير التي ستُلحق ضرراً فادحاً بالأوكرانيين، وبجنوده أيضاً.
  • الفرضية التي تبلورت، بالتدريج، في إسرائيل والولايات المتحدة هي أن العملية الحاسمة التي أعدتها روسيا في البداية كانت، تقريباً، عملية ذات طابع بوليسي. بعد تجميع قوات كبيرة من الجيش بالقرب من الحدود كان من المفترض أن تقتحم قوة من النخبة وتعتقل (عملياً تخطف) الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. بهذه الطريقة أراد الروس محاكاة نجاحهم في شبه جزيرة القرم في سنة 2014: تحقيق موقع متقدم بقوة المفاجأة، وكسر روح المقاومة لدى الخصم.
  • بدلاً من القرم، حصلوا على الشيشان. قوة النخبة جرى إنزالها بالقرب من كييف، لكنها اصطدمت بقتال شديد في مواجهة الجنود الأوكرانيين، والعملية الاستهلالية تعرقلت. ومن المعقول أن الأوكرانيين اعتمدوا على تحذير استخباراتي مسبق من الغرب، وعموماً، المساعدة الغربية مفيدة جداً للمقاومة الأوكرانية. لكن على الرغم من الخطابات الكثيرة والبادرات العاطفية، فإن ثمة شك في أن الأميركيين قلقون فعلاً على مصير الأوكرانيين. فالمطروح هو مسألة أُخرى. فما يهمّ الولايات المتحدة هو لجم الطموح التوسعي لروسيا، والأكثر أهمية هو التلميح إلى الصين، التي تراقب ما يجري، بأنها إذا قررت القيام بخطوة مماثلة حيال تايوان، فإنها ستواجه المتاعب والفشل.
  • ... الحل بالنسبة إلى بوتين، إذا لم تتم الاستجابة إلى معظم مطالبه من خلال القنوات التفاوضية، فسيستمر في التهشيم. ومن دون وجود قوات غربية تقاتل ضده - سيناريو سبق أن صرّحت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بأنه لن يتحقق - ثمة شك في أنه توجد مقاومة يمكن أن تقف في وجهه وقتاً طويلاً. المعركة على كييف يمكن أن تنتهي بدمار وخراب كبيرين للغاية، بدأنا نرى مظاهرهما في جزء من المدن التي غزاها الروس. وكلما استمر القتال في المناطق الآهلة، ستزداد صور الفظائع، وفي أعقابها الإدانات والعقوبات من الغرب. وحتى الآن، وعلى الرغم من الضرر الكارثي الذي سببته المغامرة الأوكرانية للاقتصاد في روسيا وعلاقاتها الخارجية، فإن بوتين لا يبدي أي إشارة إلى أنه ينوي التوقف.
  • وسط هذا الاضطراب الهائل في أوروبا، حشر رئيس الحكومة نفتالي بينت نفسه في مهمة وساطة أخذها على عاتقه. وباستثناء تهجّمات غريبة من مصادر إسرائيلية على زيلينسكي تجرأت على الطلب منه (من خلال تسريبات إلى وسائل الإعلام في البلد) إبداء مرونة مع المطالب الروسية، يبدو أن بينت جمع هنا عدداً من النقاط. فقد عزّز، إلى حد ما، صورته في البلد وفي الخارج، بصفته الشخص القادر على اللعب على المنبر العالمي. وربما خفّف قليلاً من الضغط الأميركي على إسرائيل لاتخاذ موقف أكثر حدّة ضد الروس، بحجة أن هذا سيصعّب عليه مساعي الوساطة.
  • فرص بينت أو أي زعيم آخر في المساعدة على التوصل إلى وقف إطلاق نار ليست كبيرة... لكن ما أملت إسرائيل بربحه في الساحة الدولية، من خلال تطوّع بينت في مهمة وساطة فرص نجاحها ضئيلة، خسرته من خلال سلوكها المعيب بشأن استيعاب اللاجئين الأوكرانيين. هذا الفشل قادته شريكة بينت، وزيرة الداخلية أييليت شاكيد، التي تواصل التلميح إلى قاعدة وهمية من الأصوات من الصعب أن تصوت لها مرة أُخرى. التلعثم والتردد قدّما إسرائيل كدولة قومية صغيرة غير قادرة على الارتقاء إلى حجم الحدث.
  • العميد في الاحتياط آساف أوريون، من معهد دراسات الأمن القومي، يقول إن الأزمة الأوكرانية تسببت لإسرائيل بعدم تركيز كبير. ففي رأيه، كان يجب على الحكومة التركيز الآن فقط على مسألة حساسة واحدة، هي المفاوضات في فيينا بشأن تجديد الاتفاق النووي مع إيران. وبخلاف بعض التوقعات المسبقة في إسرائيل، فإن المواجهة الروسية - الأميركية بشأن أوكرانيا لم تؤذِ حتى الآن التنسيق بين الدولتين الكبيرتين بشأن المفاوضات النووية. وفي تقدير مصادر أمنية إسرائيلية، هناك فرصة كبيرة لتوقيع الاتفاق في الأسابيع المقبلة. أكثر من ذلك، تعتقد هذه المصادر أن القرار النهائي هو في يد الإيرانيين الذين لا يزالون يتساءلون ما إذا كان في إمكانهم الحصول على المزيد من التنازلات من الدول الكبرى قبل التوقيع.
  • يؤكد أوريون أن الاتفاق الجديد سيكون أسوأ، إلى حد ما، من الاتفاق المبرم في سنة 2015، لأن إيران حققت في العامين الماضيين تقدماً كبيراً في برنامجها النووي. في الاتفاق الجديد، يمكن إخراج جزء من كميات اليورانيوم المخصب، الذي راكمته إيران، من الأراضي الإيرانية، لكن المعرفة التي جمعتها تقصّر الطريق نحو القنبلة إذا قرر الإيرانيون العودة إليها لاحقاً. أيضاً جزء من المنشآت النووية أصبح أكثر تحصيناً. ونظراً إلى أن الجدول الزمني في الاتفاق الأصلي لم يتغير، فإننا قريبون جداً من مدة انتهاء القيود المفروضة على الإيرانيين التي ستُرفع، بالتدريج، حتى سنة 2031...