التأييد الدولي لكييف يمكن أن يدفع بوتين إلى تصعيد المواجهة وإسرائيل تواصل المراوغة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • حصلت إسرائيل على تحذير قبل أسبوعين بشأن غزو روسي قريب لأوكرانيا. وبينما شكك وزراء ومحللون وحتى أحياناً رجال استخبارات في جدية نيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تنفيذ تهديداته، كان محاورونا الأميركيون متأكدين. وفي لقاءات مع نظرائهم في إسرائيل وفي مكتب رئيس الحكومة وفي مجلس الأمن القومي، لم يكن لدى الولايات المتحدة أدنى شك من أن التصعيد سينتهي بغزو.
  • الإدارة الأميركية التي على ما يبدو استندت إلى معلومات موثوقة كانت واثقة من استنتاجاتها. وقد قيل كلام مشابه بالتدريج أيضاَ في التصريحات العلنية للرئيس جو بادين. وأعدت أذرع الاستخبارات الأميركية قائمة بالمؤشرات التي أكدت الغزو. في 12 شباط/فبراير بدأ تحضير الخطط في إسرائيل التي جرى بواسطتها في الأسبوعين الأخيرين إجلاء آلاف المواطنين الإسرائيليين من أوكرانيا. وأولئك الذي لم ينجحوا في الخروج في الوقت الملائم أو تجاهلوا تحذيرات وزارة الخارجية يقفون اليوم بالقرب من الحدود مع بولندا طالبين إنقاذهم.
  • في كل ما يتعلق بالحرب بحد ذاتها، تواصل إسرائيل التمسك بسياسة السير بين النقط. فرئيس الحكومة تحدث في الأمس هاتفياً مع الرئيس بوتين، ولم يكشف مكتبه تفاصيل مضمون الحديث. وقبل ذلك في نهاية الأسبوع تحدث رئيس الحكومة مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي. كما أعلنت إسرائيل إرسال مساعدة إنسانية إلى أوكرانيا، بينما أصدر وزير الخارجية يائير لبيد بياناً في الأسبوع الماضي دان فيه الخطوات الروسية، وهو ما تسبب بتوبيخ السفير الإسرائيلي في موسكو. لكن هذا كل شيء حتى الآن. وبالمقارنة مع أوروبا تنتهج إسرائيل خطاً متحفظاً للغاية.
  • تدّعي أوساط بينت أن واشنطن تدرك تماماً القيود الإسرائيلية، وعلى رأسها الوجود الجوي الروسي في سورية، لذا لا يوجد اليوم أي ضغط على إسرائيل من جهة إدارة بايدن لإعطاء تصريحات أو القيام بأعمال أكثر تشدداً. لكن إلى جانب الواقع الاستراتيجي والاعتبارات السياسية، فإن المطروح أيضاَ مسألة أخلاقية. إن المراوغة الإسرائيلية في مواجهة الغزو الروسي العنيف على أراضي دولة لم تقف موقفاً عدائياً مهماً ضد روسيا ليست مدعاة للفخر.
  • على الأقل بينت يتطرق إلى الحدث، بعكس من سبقه نتنياهو الذي التزم بالصمت قبل أيام. الشخص الذي رفع يافطات ضخمة عليها صورته مع بوتين ومكتوب تحتها "صداقة مختلفة" قبل عامين فقط يلتزم الصمت هذه المرة. ويتأرجح أنصاره في وسائل التواصل الاجتماعي بين تصريحات مؤيدة للديكتاتور الروسي وبين الحنين إلى والد الأمة الذي كان وحده فقط قادراً على إحلال السلام بين أصدقائنا في أوروبا الشرقية...

التخوف من مواجهة أكثر فتكاً

  • ردة الفعل السائدة على المستوى السياسي وفي المؤسسة الأمنية في إسرائيل فيما يتعلق بتطور المعارك على الأرض الأوكرانية تشير إلى أنه "ما يزال من السابق لأوانه" معرفة ما يجري. فالحرب ما تزال في أيامها الأولى. ومع ذلك فوجىء الجيش الإسرائيلي من النتائج المحدودة التي حققها الروس حتى الآن على مستويين من المفترض أن يكونا في رأس اهتمامهم: تحقيق تفوق جوي مباشر، واستخدام معركة معقدة من الحرب النفسية والإعلامية.
  • في الأيام الأولى برز الاستخدام الأوكراني لمنظومات المضادات الجوية. بينما تمكن الرئيس الأوكراني البارع جداً في الساحة الإعلامية من الاحتفاظ بقنوات بث مفتوحة والحصول على تأييد دولي واسع النطاق. المسألة الثانية قد لا تشكل إنجازاً مهماً بالنظر إلى صورة الخصم، وباستثناء رئيس سورية بشار الأسد وبعض بقايا الحزب الشيوعي في إسرائيل، لم يحظ بوتين بمظاهر التأييد.
  • وتتحدث وزارة الخارجية البريطانية، المراقب الحذر والدقيق، مؤخراً عن صعوبات روسية في التقدم في أراضي أوكرانيا وعن مشكلات في المنظومة اللوجستية، التي يقال دائماً أن نجاحها هو الذي يتيح الانتصار في الحروب. التردد الروسي على الأرض، إذا كان فعلاً يحدث يثير الاستغراب في إسرائيل. ففي السنوات الأخيرة تحدث ضباط في الجيش الإسرائيلي بإعجاب مبالغ فيه عن الاختراعات المهنية التي حملها الروس معهم إلى ساحة المعركة الحديثة.
  • أهمية هذه الاختراعات محفوظة، لكن يبدو عند خوض حرب كهذه ثمة حاجة أيضاَ إلى إعداد القوات والتأكد من أن لديهم الحافز للقتال ويعرفون ماذا يفعلون هناك. أحد الأسرى الروس الذين ظهروا في فيديوهات عرضها الأوكرانيون على الإنترنت قال إنه كان يعتقد أنه يشارك في تدريب ولم يعرف أبداً أن ما يجري هو غزو حقيقي.
  • لكن من السابق لأوانه نعي القوة العسكرية الروسية. في ساحة القتال يسود ضباب المعركة وهناك الكثير من المعلومات المغلوطة عن قصد. حتى الآن الروس موجودون فقط عند أبواب المدن الكبرى في شمال أوكرانيا، وتشهد الشوارع قتالاً تظهر فيه قوات كوماندوس روسية إلى جانب آليات مدرعة قليلة جداً.
  • القتال في أماكن مأهولة يمكن أن يستمر أشهراً طويلة كما يعرف ذلك الجيش العراقي الذي استنجد بقوات غربية في القتال ضد داعش في مدينة الموصل فقط قبل سنوات معدودة. وثمة احتمال معقول أن يقرر بوتين في ضوء المقاومة على الأرض والتأييد الدولي الواسع لأوكرانيا أن يزيد من القوة التي تستخدمها روسيا بهدف كسر روح المقاومة المحلية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى سفك كبير للدماء من الطرفين. وستكون المواجهة وحشية وفتاكة ويمكن أن تتطور لاحقاً إلى حرب عصابات داخل المدن، وتنزلق إلى حرب استنزاف.
  • نقطة أخيرة في الختام: المقارنة التي نسمعها في الأيام الأخيرة بين الغزو الروسي لأوكرانيا وبين الحروب الأخيرة التي خاضتها إسرائيل في لبنان وفي قطاع غزة لا أساس لها من الصحة وغبية. أولاً، الغزو الروسي لم يسبقه إطلاق صواريخ من أوكرانيا في اتجاه السكان المدنيين. ثانياً، ليس هناك أي شبه بين خطورة العنف الذي استخدمته إسرائيل في حروبها وحتى إلحاق الأذى بالمدنيين وبين القوة الوحشية التي تستخدمها روسيا. من يشكك بذلك هو مدعو إلى مراجعة التقارير والتحقيقات الصحافية بشأن الدمار الذي تركته القوات الجوية لبوتين في قصفها المدمر خلال الحرب الأهلية في سورية.