سيناريو رعب في أوكرانيا – هو خبر سيئ لإسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
- الأزمة بين روسيا والولايات المتحدة تقترب من ذروتها. وبحسب المعلومات الاستخباراتية التفصيلية من الإدارة الأميركية، روسيا أسرعت في إنهاء انتشارها العسكري غير المسبوق على الحدود الأوكرانية. وبالإضافة إلى الانتشار العسكري الكثيف (أكثر من 100 ألف جندي) وقدرات مختلفة (طائرات حربية متطورة في بيلاروسيا، وسفن حربية في البحر الأسود، ومدفعية وصواريخ وقوات خاصة، وقتال إلكتروني وسيبراني)، ونشر الروس قدرات تدل على استكمال الإعداد للقتال، مثل وحدات لوجستية ووحدات تابعة للهندسة الحربية، ومساعدة جوية ومعدات طبية ميدانية، بينها وحدات دم.
- في المقابل، التقديرات في الولايات المتحدة والغرب أن الغزو الروسي لأوكرانيا محتمل، وأيضاً معقول في المدى الزمني المباشر. على هذه الخلفية، ضجت الساحة الدولية الأسبوع الماضي بنشاط دبلوماسي–ماكرون وشولتز وجونسون-تنقلوا بين موسكو وكييف وواشنطن، في محاولة أخيرة للتهدئة ومنع الحرب.
- مستشار الرئيس جو بايدن للأمن القومي جايك سوليفان قال أمس إن هناك خطراً مباشراً لغزو روسي واسع النطاق لأوكرانيا. وأضاف: "ما زلنا نشاهد دلائل تصعيد من جانب روسيا، بينها وصول قوات إضافية إلى منطقة الحدود." الرئيس بايدن سيحاول وقف الغزو في حديث سيجريه قريباً مع الرئيس بوتين، لكن يبدو أن هذا الأخير مُصرّ على إعطاء الأوامر للجيش الروسي بالتحرك غرباً وجنوباً.
- إذا فشلت كل الجهود الدبلوماسية وقرر الرئيس بوتين القيام بالغزو، فليس واضحاً أي مخطط سيختار. القوات التي جمعها حول أوكرانيا تمنحه مرونة ومجموعة واسعة من الاحتمالات. في السيناريو الأخطر، يمكنه استخدام كامل القوات التي نُشرت، وتوجيه ضربة جوية إلى مراكز السلطة، وفرض حصار إلكتروني، وشنّ هجمات سيبرانية تشل القدرة الأوكرانية على السيطرة والعمل. ويمكن أن تجري عمليات برية للالتفاف على القوات الأوكرانية في شرق البلاد في مواجهة قطاع دونباس والسيطرة السريعة من اتجاه بيلاروسيا على العاصمة كييف. الهدف المباشر-إزاحة الحكومة الحالية واعتقال القيادتين السياسية والعسكرية.
- يحذر الأميركيون من أنه في مثل هذا السيناريو سيسقط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وستنشأ أزمة إنسانية وسياسية خطِرة. من جهة ثانية، من المحتمل أن تكون روسيا غير راغبة في الاحتفاظ بمناطق واسعة ومواجهة ثورة محلية وحرب عصابات، وخصوصاً في منطقة آهلة، وهي تفضل مخططاً محدوداً يشمل إطلاقاً كثيفاً للنار وهجمات سيبرانية واسعة، وسيطرة برية على المحافظات الانفصالية الموالية للروس في شرق أوكرانيا ودونتيسك ولوغانسك.
- في جميع الأحوال، القرار يعود إلى شخص واحد هو الرئيس بوتين، الذي يحتفظ بكل الأوراق لنفسه. أهدافه في أزمة "على عتبة الغزو" التي خلقها تتعلق بإصراره على أن يثبت أن روسيا دولة كبرى لا يمكن تجاهُلها. الجمهور المستهدف هو مواطنو روسيا الذين يريد توحيدهم حول شعار واحد وتحويل الانتباه عن المشكلات الداخلية والضائقات.
- يريد بوتين ألّا تنضم أوكرانيا أبداً إلى حلف الناتو؛ وألّا يتوسع الحلف شرقاً نحو مناطق نفوذ تُعتبر روسية؛ ووضع حدود للسلاح الاستراتيجي للولايات المتحدة في أوروبا. في الواقع، المطالبة القصوى لبوتين هي إعادة الوضع العسكري في أوروبا إلى العهد السوفياتي ما قبل سنة 1989، ولا مجال لقبول الغرب بذلك.
- مما لا شك فيه أن بوتين اختار التوقيت المناسب بالنسبة إليه، ضعف الولايات المتحدة كما بدا في الانسحاب من أفغانستان، الأسعار المرتفعة للطاقة، والتي ستواصل الارتفاع على خلفية الأزمة، فوائض كبيرة في العملة الأجنبية (نصف تريليون دولار) تسمح لروسيا بمواجهة عقوبات متوقعة، جيش شهد عملية تحديث وإصرار كبير على استخدامه. كل هذا يفرض على العالم التعامل مع روسيا ومع مطالبها. وحتى لو حقق بوتين جزءاً صغيراً من هذه المطالب، فإنه سيسجل لنفسه إنجازاً استراتيجياً مهماً. السؤال المطروح: إذا جرت تلبية مطالبه بصورة مقنعة تتيح له، من وجهة نظره، إعلان "انتصاره" والنزول عن الشجرة فهل سيقبل بذلك من دون أن ينفّذ تحركاً قوياً في أوكرانيا؟
- ثمة مصلحة لبوتين في استرجاع المجد القديم، وأن يثبت، كجزء من هذا الإرث، أن روسيا ليست "قوة إقليمية عظمى" فقط (كما وصفها الرئيس أوباما ساخراً) بل هي قطب ثالث ومهم إلى جانب الولايات المتحدة والصين، وفيما يطلق عليه اسم "المنافسة بين القوى العظمى". في الأيام الأخيرة حصل الرئيس الروسي على دعم من الرئيس الصيني بشكل دعم علني لموقف موسكو وتعاون روسي-صيني في مجال الغاز، الذي يُفترض أن يعوض حصة السوق الأوروبية التي يمكن أن تخسرها روسيا نتيجة قرارها "إغلاق الحنفية"، أو عقوبات تُفرض عليها.
- الدعم الصيني لروسيا غير مسبوق. في أزمات الماضي وقفت الصين موقفاً نقدياً حيال روسيا، وامتنعت من تأييد تحرُّكها في جورجيا وضم شبه جزيرة القرم. يبدو هذه المرة أن الحلف المعادي للغرب أصبح أعمق، كجزء من تحدي قواعد لعبة "النظام العالمي" بقيادة الولايات المتحدة. بذلك ترسّخ روسيا والصين مقولتهما إن النظام الأميركي الذي كان قائماً بعد الحرب البادرة قد انتهى، وهما تريدان أن تثبتا أن أسلوب الحكم المفضل والشرعي هو أسلوبهما السلطوي كبديل من النموذج الديمقراطي الذي فُرض في العقود الثلاثة الأخيرة.
- الغزو الروسي لأوكرانيا، إذا حدث، سيكون عملية عسكرية-برية هجومية هي الأكبر على أراضٍ أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، ومن المتوقع أن تحدث "هزة أرضية" في ميزان القوى، وفي هندسة نظام الأولويات على المستوى العالمي، وفي الاقتصاد العالمي، وفي سوق الطاقة. الارتفاع في أسعار النفط والهبوط في أسهم البورصة يشيران إلى ما هو منتظر إذا جرى توجيه الضربة الروسية بكل قوتها.
- الاضطرابات والأصداء الثانوية المتوقعة لن توفر الشرق الأوسط، وستطرح على إسرائيل سلسلة تحديات، بالإضافة إلى فرص.
- على المستوى الاستراتيجي، من المتوقع أن تقلص الأزمة أكثر اهتمام الولايات المتحدة بتحديات الشرق الأوسط، بينما تسعى الولايات المتحدة لتقليص تدخُّلها في المنطقة من أجل التفرغ لآسيا والمنافسة الاستراتيجية مع الصين، والتي تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً تاريخياً للنظام العالمي.
- مع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تشكل القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط. ولديها حلف مع إسرائيل وعلاقات استراتيجية مع الدول العربية، وهي ملتزمة بالدفاع عن أمنها في مواجهة التهديد الإيراني. الولايات المتحدة هي التي تضمن حرية تدفُّق النفط من الخليج، ومنه إلى آسيا، ولديها قواعد بحرية وجوية مهمة ووجود واسع في المنطقة، وهي المزود الأساسي بالسلاح. لكن سجلّ هذه القوة تضاءل، في ضوء التحفظات الواضحة عن استخدام القوة في مواجهة الهجمات عليها وعلى حلفائها.
- في مثل هذه الظروف، ضرر إضافي يمكن أن يلحق بصورة قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتقليص وجودها ونفوذها هي أخبار سيئة، بالنسبة إلى إسرائيل. مثل هذا الواقع قد ينعكس سلبياً على الاستقرار في المنطقة، وعلى مسعى لجم توسُّع إيران، وبصورة غير مباشرة على استقرار إسرائيل وقوتها الردعية في المنطقة.
- إن المشكلة الاستراتيجية الأكثر إلحاحاً اليوم في الشرق الأوسط هي البرنامج النووي الإيراني. الأزمة في أوكرانيا يمكن أن تقوّي طهران التي تريد استمرار المفاوضات في فيينا كي تحصّل أكبر قدر ممكن من التنازلات من الولايات المتحدة. في حال نشوب مواجهة مع الولايات المتحدة، يمكن أن تدعم موسكو مواقف إيران التي تشكل علاقاتها معها وزناً مضاداً للهيمنة الأميركية في المنطقة. من جهة ثانية، الإدارة الأميركية في واشنطن، والتي منحت إيران سلسلة إنجازات في إطار مفاوضات فيينا، يمكن أن تقترح تنازلات إضافية بهدف "إعادة إيران إلى الصندوق" بأي ثمن، والتفرغ للمواجهة بين القوى الكبرى في أوروبا والمحيطين الهندي والهادئ.
- ساحة أُخرى يمكن أن يسوء فيها الواقع، في نظر إسرائيل، هي سورية، في حال أرادت روسيا توجيه رسائل إلى الولايات المتحدة على حساب إسرائيل بصورة قد تهدد حرية عمل الجيش الإسرائيلي.
- خطر مهم آخر يتعين على إسرائيل مواجهته، يتعلق بالعلاقات الثنائية مع الدولتين الكبيرتين. فهي من دون شك ستضطر إلى المناورة بين "الدب الروسي" و"الذئب الأميركي" في ظل أزمة عالمية خطِرة، إذ من المتوقع أن تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل تأييداً واضحاً لمواقفها، وسيكون على إسرائيل إعطاء الأولوية لعلاقاتها مع حليفتها الكبيرة والوحيدة، والتصرف مع واشنطن بشفافية مطلقة فيما يتعلق بعلاقاتها الضرورية والعملية مع روسيا (من أجل المحافظة على حرية العمل لكبح إيران)، وأن تحاذر من إظهار علاقات" قريبة جداً" مع موسكو (زيارات مع تغطية إعلامية والمشاركة في مناسبات)، وهو ما يمكن اعتباره مشكلة، في نظر الولايات المتحدة.
- في المقابل، من المحتمل في ظروف معينة أن يكون في استطاعة إسرائيل الاستفادة من فرصة الأزمة والاقتراح على الدولتين الكبيرتين هامشاً لتجسير الفجوات بينهما. وذلك بالاستناد إلى المنصة السياسية الثلاثية التي بُنيت في الماضي بين الطرفين في الشأن الروسي، والاجتماعات الثلاثية التي عُقدت في إسرائيل على مستوى مستشاري الأمن القومي. كما تستطيع إسرائيل أن تأخذ على عاتقها جزءاً من العبء الأمني في المنطقة، مثلاً في المجال الاستخباراتي، وفي مجال الأمن البحري، والحرب ضد داعش، والتخفيف قليلاً من أعباء حليفتها الكبيرة في وقت الأزمة.
- ثمة فرصة أُخرى على المستوى الإقليمي. على خلفية ضعف الاعتماد الأمني على أميركا وتصاعُد العدوانية الإيرانية، تسعى دول المنطقة لتقليص النزاعات، وتحاول أيضاً عقد أحلاف جديدة، وهذه العملية تؤدي إلى تغيُّر تدريجي في الهندسة الإقليمية. هذه الدينامية أدت، من بين أمور أُخرى، إلى اتفاقات التطبيع وحل الأزمة بين قطر ودول الخليج، واتفاقات ومحادثات بين إيران والإمارات، وإنهاء الخلاف الأيديولوجي والشخصي العائد إلى أكثر من عقدين بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحاكم الإمارات محمد بن زايد. ومن المتوقع أن يعزز تحوُّل الاهتمام في الدول الكبرى إلى أوروبا هذا التوجه، بينما لإسرائيل الكثير لتقترحه على المستوى التكنولوجي والاقتصادي والأمني، في الأساس في مجاليْ الدفاع الجوي والسيبراني.
- على هذه الخلفية، وفي مواجهة التهديدات الإيرانية، ثمة فرصة لتوسيع نطاق العلاقات مع لاعبين مهيمنين في المنطقة، مثل السعودية والإمارات والبحرين وتركيا، وتعميق إعادة الحرارة إلى العلاقات مع الدول التي وقّعت اتفاقات سلام، مثل مصر والأردن.