بعكس الاعتقاد السائد في إسرائيل، الأبارتهايد مفهوم قانوني مستقل وليس مشروطاً بأيديولوجيا عنصرية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تقرير أمنستي الذي صدر أول أمس بعنوان: "نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام وحشي يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية"، يمكن تلخيصه بـ"هم يطلقون على إسرائيل نظام أبارتهايد"، لكنه كلام شعبوي يسمح بردّ شعبوي من نوع "أكاذيب" و"عداء للسامية"، وهذا بدوره، يتيح مرة أُخرى تجاهُل المشكلة الحقيقية، وهي ليست عدم وجود صيغة للسياسة المعتمدة متفَّق عليها، بل المشكلة تكمن في هذه السياسة بحد ذاتها.
- وفي الواقع، إذا استمرت إسرائيل في هذه السياسة وأعطت انطباعاً بأن ليس لديها سياسة أُخرى، فإن استخدام المجتمع الدولي، وأيضاً الخطاب السياسي في إسرائيل لكلمة أبارتهايد في وصف الحكم الإسرائيلي في المناطق، سيزداد ويتسع. هذا ليس تنبؤاً، بل هو واقع. وإذا كانت كلمة أبارتهايد تُستخدم، قبل عشرة أعوام، في وصف السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين في المناطق المحتلة من طرف عدد قليل من المنظمات الفلسطينية والدولية التي تُعتبر راديكالية، فإنها اليوم أصبحت منتشرة وسط الكثير من المجموعات لدى حديثها عن كامل أراضي إسرائيل. وهذا تغيُّر دراماتيكي، ليس من قبيل العبث حذّر منه وزير الخارجية لبيد قبل بضعة أسابيع. يجري هذا، ليس لأن المصطلح أصبح رائجاً، بل لأنه يعكس واقعاً.
- إن استخدام "الأبارتهايد" ليس هو المهم، ولا تجنُّد اليسار الصهيوني للدفاع عن موقف إسرائيل، هذه هي الطريقة التي تجري فيها الأمور - لم يسبق أن كان الإجماع اليهودي راسخاً في شتى أجزاء الطيف السياسي ولا يسمح بنقاش جدي وجوهري، بل يبقيه على مستوى الديماغوجيات والمبادىء. فإذا جرت مقارنة تفكيك الديمقراطية بما فعلته ألمانيا النازية في الثلاثينيات، تُطرح فوراً مسألة المحرقة وينتهي النقاش من دون التطرق إلى الخطوات. وعندما يتحدثون عن الأبارتهايد، تُطرح فوراً فكرة العنصرية وينتهي النقاش من دون التطرق إلى نظام الفصل، أو ممارسات الفصل التي تمارسها إسرائيل والتي هي المشكلة. لا وجود هنا لمشكلة العداء للسامية، بل هناك دولة ترفض النقد بحجة أن ما يبدو كأنه أبارتهايد، أو يُسمى أبارتهايد، تسمّيه هي عداء للسامية.
- لكن بخلاف الاعتقاد السائد في إسرائيل، فإن مفهوم الأبارتهايد أصبح قائماً بحد ذاته، ولم يعد فقط صورة حكم. صحيح أن التسمية مأخوذة من الاسم الأفريقي الذي أُطلق على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والذي استمر حتى النصف الثاني من القرن العشرين، لكنه اليوم أصبح مفهوماً قانونياً مستقلاً. وهو يُعتبر جريمة ضد الإنسانية، ولم يعد وجوده مرتبطاً بأيديولوجيا عنصرية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدم الاستعداد الإسرائيلي للعمل بجدية من أجل تغيير هذه الاتهامات المهمة والوخيمة العواقب يدل على أن إسرائيل غير قادرة على الرد على هذه الادعاءات، وفي نهاية الأمر هي صحيحة.
- يمكننا الاستمرار في عملية التجاهل وعمليات غسل الكلمات، مثل تسمية المستوطنات باسم "استيطان شاب"، لكن هذا لن يخفف من النشاط الاستعماري الذي يشمل مصادرة أراضٍ، واستيطاناً غير شرعي لمواطنين في الأراضي المحتلة، وخلق نظامين قانونيين مختلفين لنوعين من السكان الموجودين في المنطقة عينها، وبناء منظومة سيطرة وقمع للمسّ بنسيج الحياة، واستخدام القوة العسكرية، وحرمان جماعات من حقوق الإنسان، وملاحقة منظمات وأفراد على خلفية معارضتهم الاحتلال. التباكي جرّاء استخدام وصمة "الأبارتهايد" والكلام عن "حوادث محدودة" عن "إخفاقات معدودة" هو بحد ذاته يدعو إلى السخرية.
- ليس مريحاً أن تكون موسوماً، لكن هذا هو التعريف، وهو على ما يبدو صحيحاً. من الأفضل ألّا نكون دولة أبارتهايد، ويتعين على إسرائيل أن تنظر بشجاعة إلى ماضيها وواقعها، وأن تعترف بأنها ارتكبت وترتكب جرائم ضد سكان مدنيين، وأن ذلك لا يمكن أن يستمر.
الكلمات المفتاحية