مَن تنازل لمن: هل تنازلت إيران للغرب أو الغرب لإيران؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • التعتيم الإعلامي الكثيف المفروض على نقاشات الاتفاق النووي في فيينا، بين ممثلي دول الغرب وروسيا والصين وبين الوفد الإيراني، يجعل من الصعب معرفة ما الذي تحقق بدقة ومَن تنازل وعمّا تنازل، وفي الأساس، هل من المتوقع إبرام اتفاق قريباً. المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف، الذي اعتاد استخدام تويتر للالتفاف على التعتيم، نشر في الأسبوع الماضي تغريدة تقول: "يمكننا توقيع الاتفاق في مطلع شباط/فبراير"؛ مندوب الصين وانغ كوان قال إن المحادثات تمضي قدماً و"ستستمر"؛ الولايات المتحدة عبّرت عن تفاؤل حذر؛ بينما اعترفت فرنسا بحدوث تقدّم، لكنها تضيف أن "الطريق لا تزال طويلة". تشير هذه المواقف إلى أن التشاؤم وعدم الثقة بالمفاوضات بحد ذاتها والتخوف بعد بدئها من محاولة إيران المماطلة قد حلت محلهما فرضية أن كل الأطراف، بينها إيران، معنية بالتوصل إلى اتفاق بسرعة. والكلام الذي يُسمع في إيران في الأيام الأخيرة يشير إلى حدوث انعطافة.
  • على سبيل المثال، بعد أن نشر أوليانوف في تويتر أن روسيا والصين أقنعا إيران بالموافقة على بعض التنازلات، هبّت عاصفة في طهران. فأي إشارة إلى تراجُع إيران، في الأساس إذا أتت من روسيا التي تُعتبر حليفة لها، تتعارض مع السردية التي تواصل إيران نشرها، وهي أن الغرب هو الطرف الذي يتنازل. وقد سارع الناطق بلسان الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إلى الرد: "إذا توصلنا إلى اتفاق مشترك على صيغة، فإن هذا حدث بعد أن أدرك الغرب أن عليه التراجع عن مواقفه القصوى. اليوم، نحن نرى هذا التراجع، أو للمزيد من الدقة، واقعية الغرب". لم يقدم خطيب زاده تفاصيل تشرح ما الذي تنازل عنه الغرب، واعترف في كلامه بوجود نص ما متفق عليه. مضمون هذا النص يمكننا الاطلاع عليه مما نشره موقع "نور" الإيراني الذي شرح أن الصيغة هي الصيغة السابقة – الاتفاق النووي العائد إلى سنة 2015- ومعنى ذلك أن هذه الصيغة لا تعتمد على المطالب الجديدة التي قدمتها إيران في 29 تشرين الثاني/نوفمبر.
  • إذا كان ما نُشر صحيحاً، فإن معنى ذلك أن الغرب وإيران نزلا عن الشجرة. وكما هو معلوم، كان طموح بايدن أن توافق إيران على مناقشة برنامجها للصواريخ الباليستية، أو على الأقل أن تضع بنية تحتية لنقاشات مستقبلية تتعلق بقضايا تُقلق الغرب، مثل الدعم الإيراني للتنظيمات الإرهابية وتدخُّلها في النزاعات الإقليمية؛ من جهتها، إيران طالبت برفع العقوبات أولاً قبل استئناف المفاوضات التي جُمّدت خلال شهر حزيران/يونيو بسبب الانتخابات الرئاسية. بعدها قدمت 3 وثائق تضمنت شروطاً جديدة: عودة المطالبة برفع العقوبات أولاً، والحصول على ضمانات من الولايات المتحدة بأنها لن تنسحب مستقبلاً من أي اتفاق توقّعه، ووضع آلية متفق عليها تراقب تطبيق رفع العقوبات.
  • هذا هو سبب الغضب الإيراني على روسيا لأنها ظهرت كأنها تمس بالصورة الإيرانية الصارمة، و"تتواصل مع الولايات المتحدة ضد إيران"، بحسب كلام أحد المعلقين في إيران. الدليل على هذا التواصل وجده المعلقون في الاجتماع المصور الذي جمع أوليانوف مع رئيس الطاقم الأميركي للمفاوضات روبرت مالي. في جميع الأحوال، تدل التجربة على أنه عند نشوب خلاف بين المشاركين في المفاوضات بشأن هوية الطرف الذي تنازل، يمكن التقدير حدوث تنازلات، والسؤال هو: هل ستتيح هذه التنازلات بلورة أي اتفاق؟
  • في هذا الوقت تزداد الضغوطات الداخلية في إيران للتوصل إلى اتفاق نووي. في بداية الشهر، زار رئيسي المركز الديني المهم مدينة قم كما درج على ذلك رؤساء الحكومة والمرشد الأعلى. كبار رجال الدين الذين التقاهم قالوا له إن من المُلح الدفع قدماً بالمفاوضات وانتهاج سياسة تساهم في إخراج إيران من العزلة الدولية المفروضة عليها. "إيران مجبرة على التواصل مع العالم، وفي الوقت عينه، المحافظة على كرامتها وصلاحياتها. يتعين على الحكومة إرسال رسالة سلام وصداقة إلى سائر الشعوب"، قال له آية الله صافي الكلبايكاني. آية الله عبد الله الآملي حثّ رئيسي على إجراء مفاوضات مع الغرب، قائلاً: "يتعين علينا التفاوض معهم ومصافحتهم، شئنا أم أبينا". بعض رجال الدين لم يتردد في اتهام رئيسي بأنه فشل في تحقيق وعوده بتحسين اقتصاد إيران، وبأنه "يقود القطار نحو الهاوية".

اليوم، مرة أُخرى سمع رئيسي هذه الاتهامات بلهجة أكثر حدة بكثير من أعضاء البرلمان، بعد أن عرض عليهم ميزانية العجز التي ينوي تقديمها. مقارنة برجال الدين، يملك أعضاء البرلمان صلاحيات المطالبة باستقالة وزراء فاشلين، وحتى بعزل رئيس الحكومة.